خواطر صعلوك
هل في شارعكم «شلحلجي»؟
منذ ثلاثة أشهر، تزوّج أحد أصدقائي الشباب، والحمد لله وجد شقة مناسبة له ولعروسه في منطقة قريبة من مقر عمله، وكان كل شيء على ما يرام حتى لاحظ أنه كلما دخل الشارع المؤدي إلى مواقف البيت الذي يسكن فيه، يشعر بالتوتر والاستفزاز بسبب اسم الشارع المكتوب على لوحة زرقاء وبخط أبيض عريض «شارع شلحلجي محمود الشلحلجي...».
وفي البداية، كان يشعر بالاستفزاز بسبب كونه لا يعرف من هذا الشخص المُسمى الشارع باسمه، ولكن بعد أسابيع تحول هذا الأمر التافه إلى هوس يُؤرّق حياته وأيامه ولياليه، ولم يعد له موضوع في الديوانية سوى سؤاله عن معايير اختيار الأشخاص التي تسمى الشوارع بأسمائهم.
ولأن كل محاولاتنا لتهدئة روعه قد فشلت في إقناعه أن هذا الأمر سخيف ولا يستحق التفكير فيه، فقد وصل الأمر إلى أن أصبحت حياته الزوجية مهدّدة بالطلاق بسبب صمته الدائم داخل البيت، وعدم رغبته في الخروج إلى المطاعم والسينما والمولات، وبقائه المستمر في المنزل وتأمله وبحثه وسؤاله عن ما الذي فعله «الشلحلجي» لكي يُسمى شارع في أقدم دولة في الخليج باسمه.
حمل صديقنا هذا السؤال معه طوال الأشهر الماضية ولكنه الأسبوع الماضي فقط حمل سؤاله في كيس وذهبَ به إلى الجهة المختصة بتسمية الشوارع في الكويت، وفي الصباح الباكر وبمجرد دخوله المبنى، استقبله أحد الموظفين والذي قد بدت ابتسامته مُشجعة للاستفسار والسؤال...، وعندما سأله صاحبنا عن معايير اختيار أسماء الشوارع، نظر له الموظف نظرة مليئة بالريبة والشك، ثم قال له:
-«وليش تسأل...عسى ما شر»؟
حاول صاحبنا أن ينظم أفكاره، وأن يشرح له سبب زيارته، وكيف أن الموضوع يشغل باله، فالكويت يجب أن تحمل أسماء شوارعها شخصيات بارزة وندوب وطنية فعلاً، وليس شخصيات لا يعرفهم سوى من قدموا طلباً بالتسمية... إلخ.
حاول صاحبنا أن يقول كل ذلك، ولكنه بدلاً من ذلك، ترك الموظف وتوجه إلى «Google» وكتب ما هي معايير اختيار أسماء الشوارع في الكويت، فخرجت له الإجابة بشكل مرتب ضمن معايير وضعتها الجهة ومنها:
- أن يكون التكريم لمن كان لهم أثر بشكل إيجابي في حياة البشر، الذين أضافوا الكثير لدولة الكويت.
- الرموز الوطنية البارزة، ممن لهم إسهامات وطنية مهمة.
- البارزون من العسكريين ممن لهم البطولات في ميادين الدفاع عن الوطن والأمة.
- الشهداء.
- البارزون من كبار رجال القضاء والقانون والمفكرين والعلماء والأكاديميين والأدباء والشعراء والرياضيين، ممن لهم التأثير الإيجابي في المجتمع الكويتي.
وبعد أن قرأ صاحبنا المعايير... ظل يتساءل مَن هو «الشلحلجي» هذا؟ وضمن أي فئة يقع من الفئات المنصوص عليها؟... ثم عاد إلى منزله يوم الأحد وطلّق زوجته يوم الإثنين، ورمى بنفسه من النافذة يوم الثلاثاء وبقي مفتوح العينين حتى يوم الخميس، وعندما عدنا بعد الدفن كنا نحن أصدقاءه في الديوانية نحمل سؤالين مهمين عندما شعرنا بالتعاطف مع صاحبنا:
- من هو فعلاً هذا «الشلحلجي»؟
- وهل يمكن اعتبار موت صديقنا ضمن الأعمال الوطنية التي راح ضحيتها لحرصه على أسماء الشوارع؟ ثم صلينا العشاء في المسجد المجاور لشقته تكريماً لذكراه، وحمدنا الله جميعاً أنه لم يلاحظ أن الشارع المجاور لشارع «الشلحلجي» كان باسم «شلحلجي محمد الشلحلجي»...
فتذكرنا جميعاً أن كل ما لم يُذكر فيه اسم الله... أبتر.
Moh1alatwan@
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق