رسالة من د. عبد الهادي سعيد الأغا إلى كل محبي شعبنا الفلسطيني ومقاومته
مدخل: لماذا هذه الرسالة؟
وأنا أطوف بين خيام النازحين ألتقي ببعض الأخوة الذين يخشون على مستقبل قضيتنا ومقاومتنا، ويخشون أن تكون هذه المعركة مُضِرة بمشروع التحرير والعودة، وأجد آخرين انحصر تفكيرهم في حدود خيمتهم فأثرت المعاناة على وضوح الرؤية عندهم، وهم بحاجة لمن يبصرهم، فتجد هذا مضطربًا، وذاك خائفًا من المستقبل، وتجد من يتألم على ما أصابنا من نقص الأموال والأنفس والثمرات، ويعتبر ذلك خسارة كبرى …إلخ٠
لذا عزمت أن أكتب هذه القراءة لمعركة طوفان الأقصى بعدما أضع جملة القواعد التي تقوم عليها قراءتي هذه، سائلاً الله تعالى التوفيق والإصابة فيها، وأن تثبت قلوب المؤمنين، وأن تنير الطريق للسائرين.
مقدمة: موازين القسط.
لا شك أن معركة طوفان الأقصى من أصعب وأقسى وأشد المعارك في تاريخ البشرية الحديث، حيث خلَّفت حتى هذه اللحظة ما يزيد عن 35 ألف شهيد، و10 آلاف مفقود، وآلاف الأسرى، وأكثر من 80 ألف مصاب، ونزوح نحو90% من أهالي قطاع غزة لمرات عدة، وتدمير نحو70% من المساكن، والمساجد، والمستشفيات، والمرافق العامة، ولا تزال الحرب مشتعلة والمعاناة متزايدة، ولكن في المقابل علينا أن ندرك ما الذي تحققه هذه المعركة على مستوى الصراع مع هذا العدو المحتل لأرضنا، والمُدِّنس لمسرى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وإذا كانت القواعد المنطقية والشرعية تقرر بأن الغُنْم بالغُرْم، وأنه كلما عَظُمَ البلاء، عَظُمَ العطاء، فما العطاء الذي تحققه هذه المعركة مقابل هذه الأثمان الباهظة التي يدفعها شعبُنا في هذه المعركة، والتي يُمكن أن نلخصها في المحاور والنقاط التالية:
أولًا: قواعد مهمة في فهم المعركة وطبيعة التعامل معها:
١- طوفان الأقصى معركة تَحَوُلية استراتيجية فاصلة في تاريخ الصراع مع العدو الصهيوني، ويجب قراءتها قراءة فكرية سننية، وليس قراءة عسكرية فقط.
٢- القراءة الصحيحة هي التي تكون بالمنظار القرآني، والميزان الرباني، وليس بالحساب المادي والعسكري فقط، ومن أمثلة ذلك أن القرآن يعتبر الشهداء مكاسب، وهم أحياء وليسوا خسائر، وأن التضحيات التي تقدم هي من سنن الله في عباده فقال تعالى: ﴿أَحَسِبَ النّاسُ أَن يُترَكوا أَن يَقولوا آمَنّا وَهُم لا يُفتَنونَ﴾ [العنكبوت: ٢]
وقال تعالى: ﴿وَلَنَبلُوَنَّكُم بِشَيءٍ مِنَ الخَوفِ وَالجوعِ وَنَقصٍ مِنَ الأَموالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصّابِرينَ﴾ [البقرة: ١٥٥]
وقال تعالى: ﴿أَم حَسِبتُم أَن تَدخُلُوا الجَنَّةَ وَلَمّا يَعلَمِ اللَّهُ الَّذينَ جاهَدوا مِنكُم وَيَعلَمَ الصّابِرينَ﴾ [آل عمران: ١٤٢]
٣-إن تحقيق النصر يكون وفق إرادة الله وحكمته، فقد وعدنا بالنصر ﴿وَكانَ حَقًّا عَلَينا نَصرُ المُؤمِنينَ﴾ [الروم: ٤٧]، لكنه تعالى هومن يختار زمانه ومكانه وكيفيته، فلا ينبغي أن نُحدِّد للنصر شكلاً ولا زماناً ولا مكاناً.
لذا نجد أن ما اعتبره بعض الصحابة يوم الحديبية إعطاءً للدنية في الدين قد عدَّه الله تعالى فتحاً مبينا فقال في حقه: ﴿إِنّا فَتَحنا لَكَ فَتحًا مُبينًا﴾ [الفتح: ١]
فجاء التعقيب في نهاية السورة على اعتراض بعض المؤمنين على الصلح ﴿لَقَد صَدَقَ اللَّهُ رَسولَهُ الرُّؤيا بِالحَقِّ لَتَدخُلُنَّ المَسجِدَ الحَرامَ إِن شاءَ اللَّهُ آمِنينَ مُحَلِّقينَ رُءوسَكُم وَمُقَصِّرينَ لا تَخافونَ فَعَلِمَ ما لَم تَعلَموا فَجَعَلَ مِن دونِ ذلِكَ فَتحًا قَريبًا﴾ [الفتح: ٢٧]
٤- إمكانية تداخل السنن الربانية المتعددة في المعركة الواحدة، وليس شرطاً أن تجري سنة واحدة فقط، بمعنى قد تجري سنة الابتلاء ومعها تجري سنة التمكين، وقد يصيبنا بعض ما كسبت أيدينا، ويكون معها التمحيص والتطهير، لذا لا ينبغي أن نُشغل أنفسنا في تصنيف ما يجري هل هوبلاء أم ابتلاء، إنما هي مجموعة سنن متداخلة في آن واحد، ولكن الخلاصة تقول إننا أمام صناعة على عين الله تعالى.
٥- إن المعركة مع الاحتلال قائمة على إحقاق الحق وليس على الكسب والرزق، وبالتالي عدم اعتبار الإنجازات الوهمية خسائرمثل : الحياة المرفهة، وإدارة الحكم تحت الاحتلال، وبعض المصالح الاقتصادية، فلا قيمة جوهرية لأي إنجاز حياتي في ظل بقاء الاحتلال لأنه أصل الداء، قال تعالى:﴿وَإِذ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحدَى الطّائِفَتَينِ أَنَّها لَكُم وَتَوَدّونَ أَنَّ غَيرَ ذاتِ الشَّوكَةِ تَكونُ لَكُم وَيُريدُ اللَّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَيَقطَعَ دابِرَ الكافِرينَ﴾ [الأنفال: ٧] فإحقاق الحق، وإبطال الباطل من أعظم وجوه النصر.
٦- المعركة حلقة متصلة بتاريخ ممتد من الصراع مع العدو الصهيوني لقرابة 80 عاماً منذ احتلاله لفلسطين، مع عدم إغفال الدوافع المباشرة للمعركة من الحصار لغزة، والأسرى، والاستيطان، والاعتداء على المقدسات.
٧- المعارك التحولية معارك ممتدة ليست سريعة الانتهاء، وليست سريعة النتائج فقد تتضمن جولات متعددة، وتحتاج نتائجها سنوات عدة، ولا يُطالب أحد بنتائج عاجلة لمعركة استراتيجية، وعلينا أن لا نندب حظنا عند بعض الخسائر المؤقتة، كالنُزوح، وتدمير المساكن والمرافق.
٨- الغُنْم بالغُرْم، وإذا كانت الأهداف كبيرة كانت الأثمان أكبر، ومن طلب الحسناءَ لم يغله المهر، قال تعالى: ﴿أَم حَسِبتُم أَن تَدخُلُوا الجَنَّةَ وَلَمّا يَأتِكُم مَثَلُ الَّذينَ خَلَوا مِن قَبلِكُم مَسَّتهُمُ البَأساءُ وَالضَّرّاءُ وَزُلزِلوا حَتّى يَقولَ الرَّسولُ وَالَّذينَ آمَنوا مَعَهُ مَتى نَصرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصرَ اللَّهِ قَريبٌ﴾ [البقرة: ٢١٤].
٩- ضرورة استحضار المتغيرات الأخيرة قبل المعركة سواء على الصعيد الصهيوني، أو الفلسطيني ومن أمثلتها: السيطرة اليمنية المتطرفة على دولة الكيان والذهاب نحو خطط إجرامية بحق الأرض والإنسان الفلسطيني من قضم الأرض، وتهويد القدس، والسيطرة على الأقصى، وتهجير الفلسطينيين، والتطبيع مع العرب، وخنق غزة والضفة والداخل المحتل، بالإضافة إلى الأزمات التي يعيشها شعبنا وخاصة في غزة، وعليه فالمعركة هي حيلة المضطر، وخيار المُكره، وخلط للأوراق قبل أن تقع الكارثة الكبرى.
ثانياً: أهم وجوه الانتصار في معركة طوفان الأقصى:
١- إعادة القضية الفلسطينية إلى مسارها الأساسي، إذ إن السنوات الثلاثين الأخيرة أدخلت القضية الفلسطينية في متاهات، ومسارات خاطئة وفي مقدمتها العملية السلمية واتفاق أوسلو، ثم ما كان من حالة الانقسام الداخلي؛ وما ترتب عليه من المناكفات والتشظيات، وتفرد الاحتلال ليقوم بتنفيذ خططه في الجوانب كافة.
٢- استعادة الجيل وخاصة جيل الشباب، الذي وُلد في دولة فلسطينية وهمية ويُقِّدم سلاماً وطنياً لدولة لا وجود لها على الأرض، وبدل أن يناضل لأجل إقامة دولته، صار يبحث عن مقومات الرفاهية، ويركض خلف الثقافة والفن التافه الذي ينشغل به الشباب في الدول المستقلة، وبالتالي شهد كثير من الشباب الفلسطيني انتكاسة في ترتيب أولوياته، وضل عن دوره الأساسي في النضال لأجل تحرير وطنه.
٣- إعادة ترتيب الأولويات لدى أبناء شعبنا الفلسطيني الذي بدأ ينشغل بتفاصيل الحياة اليومية، والبحث عن الوظائف، وفتح مصالح تجارية مسقوفة بإرادة الاحتلال، والمناكفات بسبب الانقسام، والهجرة من أجل البحث عن حياة رغيدة، وتشكيل حكومات فلسطينية لا تتحكم في شيء من وطنها ومقدراته، وغيرها من الانشغالات الخطيرة في المجتمع الفلسطيني.
٤- تحقيق اللحمة الاجتماعية، والوحدة الوطنية، والمقاومة الميدانية الموحدة فكل فصائل المقاومة كالبنيان المرصوص في مواجهة العدوان، والفصيل الذي لا نصيب له في ميدان المواجهة العسكرية ينشط في الميادين الأخرى والتي منها تعزيز الصمود لشعبنا وإغاثته وإسناده، وقد اندمج في هذه المسارات جميع فعاليات شعبنا وقواه الفاعلة من حركات سياسية، أو فصائل مقاومة، أو جمعيات خيرية، أو تجمعات دينية أو غيرها في صورة وحدوية راقية.
٥- إحياء فريضة الجهاد ضد هذا الاحتلال الغاصب لمسرى النبي صلى الله عليه وسلم، فالجهاد هوركن الإسلام السادس وهو السبيل الذي حدده القرآن لاستعادة حقنا السليب لقوله تعالى : ﴿أُذِنَ لِلَّذينَ يُقاتَلونَ بِأَنَّهُم ظُلِموا وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصرِهِم لَقَديرٌ﴾ [٣٩] ﴿الَّذينَ أُخرِجوا مِن دِيارِهِم بِغَيرِ حَقٍّ إِلّا أَن يَقولوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَولا دَفعُ اللَّهِ النّاسَ بَعضَهُم بِبَعضٍ لَهُدِّمَت صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ يُذكَرُ فيهَا اسمُ اللَّهِ كَثيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزيزٌ﴾ [الحج: ٤٠]، وعليه فإن إقامة ركن الجهاد من الواجبات الشرعية، والانتصارات الحقيقية.
٦- تجنيد كل المحبين لشعبنا، من أبناء أمتنا العربية والإسلامية ومن أحرار العالم من أجل خدمة قضيتنا العادلة، والدفاع عن مسرى محمد صلى الله عليه وسلم فرأينا كيف تستميت بعض القنوات الفضائية، والوسائل الإعلامية في القيام بواجبها والدفاع عن حقنا، ورأينا كيف يتآلف القانونيون من أجل خوض معركة قانونية شرسة في الدفاع عن شعبنا وعن حقنا وملاحقة الاحتلال الصهيوني في كل المواقع وأمام جميع المحاكم الدولية، وقد استطاع هؤلاء الأبطال تسديد ضربات قانونية قاتلة لهذا العدو الغادر الجبان فتصدر بحقه أحكام لم تسبق في تاريخه ليصبح في صورته الحقيقية كمجرم حرب، ومرتَكِبٌ للمجازر، مما تسبب في عزلته ونبذه في معظم المحافل الدولية، وكذلك تجند أصحاب الأقلام والفكر والفن، ومشاهير مواقع التواصل الاجتماعي، فالكل يساهم في هذه المعركة بما يستطيع .
٧- قطع الطريق على كل مشاريع التطبيع بين الكيان الزنيم والأنظمة العربية المتواطئة معه، والراغبة في التحرر من عقدة فلسطين والمسجد الأقصى، والتي وصلت ذروتها قبل طوفان الأقصى، متذرعين بأن السلطة الفلسطينية عقدت اتفاقية سلام مع الكيان، وبالتالي سوغت هذه الأنظمة لنفسها عقد اتفاقات اقتصادية واجتماعية وسياسية مع هذا الكيان المجرم، وبدأت في الترويج لذلك، واستضافة وفود صهيونية على أرضنا العربية الإسلامية، ونشر ثقافة التطبيع، وسجن كل من يعارضها من قادة الفكر والعلم في بلادنا الإسلامية.
٨- إحداث ثورة وعي غير مسبوقة في تاريخ قضيتنا الفلسطينية في كل شعوب الأرض وجنسياته المختلفة، وانحياز ملايين البشر، وخاصة الشباب والطلبة منهم إلى حقنا، والدفاع عنه، والمطالبة بإنصاف شعبنا وتحريره من الاحتلال، ومنحه حقه في تقرير مصيره، وإقامة دولته، وبناء مستقبله بأيدي أبنائه، وقد تَجَسَّد هذا في المظاهرات والمسيرات والاعتصامات في كل مدن العالم، وخاصة في الجامعات الغربية التي قدم طلبتُها نموذجاً في الانحياز للإنسانية ولحق شعبنا المظلوم.
٩- تعرية الأنظمة العالمية الخادعة، والمؤسسات الدولية العوراء، والتي فقدت مسوغات وجودها، وأظهرت قدراً كبيراً من الازدواجية بين جنسية وأخرى، ولون وآخر، وفي أحسن الأحوال اكتفت ببيع الكذب والتضليل على من بقي في غفلته في هذا العالم، فأمريكا تزعم الانحياز إلى الإنسانية وتصر على إدخال المساعدات وتقر ضمن موازنتها 186 مليون دولار للمساعدات الإنسانية في كل مناطق الوجع الإنساني في العالم، وفي نفس اليوم تقر صرف 37 مليار دولار أسلحة موت لدعم الكيان الصهيوني في قتله لشعبنا وتدميره لكل مقومات الحياة في أرضنا، هكذا هي أمريكا !!
وأما بقية الدول والمؤسسات الدولية فقد صَدّعت رؤوسنا بالكلام المعسول دون أن تتخذ أي موقف عملي لإنصافنا، وهذا الأمر مهم جداً في إيقاظ ضمير ملايين المخدوعين في الحضارة الغربية الزائفة.
١٠- إفشال المخططات الصهيونية العدوانية ضد أرضنا وشعبنا التي تستهدف السيطرة على الأرض وتهجير أبناء شعبنا، وتهويد القدس، والاستيلاء على المسجد الأقصى، وهدمه وإقامة الهيكل المزعوم على أنقاضه، وتصفية الوجود الفلسطيني في الداخل المحتل، وغيرها من المخططات الصهيونية الخبيثة.
١١- إظهار الوجه الحقيقي للكيان الصهيوني، فهوكيان غاصب قاتل دموي مجرم، مُرتكب لكل الجرائم ضد الإنسانية، وممارس لجريمة الإبادة الجماعية عبر تاريخ احتلاله لأرضنا، حيث قتل أكثر من 150 ألف إنسان فلسطيني، وهجر شعبنا منذ عام 1948 م، وزج بمئات آلاف الأبرياء في سجونه الظالمة، وتسبب في كل أشكال المعاناة لشعبنا المظلوم، ثم زعم المسكنة، وأنه ضحية الإرهاب، ويريد حقه في الدفاع عن نفسه، وأنه يتعرض للاعتداءات المتواصلة من طرف المقاومة الفلسطينية الإرهابية، فكشفت هذه المعركة عن وجهه القبيح.
١٢- إسقاط هيبة الجيش الذي لا يُقهر!! ونسف فكرة الردع الذي يقوم عليها، حيث مارس في حربه على غزة كل أشكال القوة والتدمير والقتل، ولكنه لم يستطيع أن يستعيد ردعه، ولم يصنع لنفسه صورة نصر، ولم يستعد أسراه، ولم ينهِ مقاومة شعبنا، ولم يغير قناعة حتى أصغر أطفالنا بأن فلسطين كلها لنا، وسنظل نقاومه حتى نستعيدها، وعليه أن يستعد لمواجهة أجيال متتابعة من شعبنا كلها تربت على بغضه وكرهه وحب مقاومته وطرده من أرضنا، ثمانية أشهر ونحن نعيش النزوح، وحياة التشريد والخيام وأطفالنا يقلبون صور بيوتهم المدمرة، وصور الشهداء من إخوانهم وأقاربهم وجيرانهم، وهم يتعاهدون على الثأر والانتقام من هذا العدو المجرم الغادر القاتل.
١٣- إدخال المجتمع الصهيوني في حالة صراع وتشظي متزايدة تكبر كل يوم، وتزداد مع كل قرار تأخذه هذه الحكومة اليمنية الفاشية، وما ينتظرهم من الفرقة والتصارع أكبر بكثير مما هم فيه، وسيصبح يمينهم وشمالهم إربا إربا.. وإذا بدأت المعركة الداخلية بشكل عملي وحقيقي فسنرى ما لا يتوقع فهؤلاء بأسهم بينهم شديد، ولعلي أرجح أن العامل الأكبر في إضعاف كيانهم وزواله بإذن الله هو العامل الداخلي لتبدأ معركة البأس التي نشهد اليوم طرفا منها، إذ قال الله فيها ﴿لا يُقاتِلونَكُم جَميعًا إِلّا في قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَومِن وَراءِ جُدُرٍ بَأسُهُم بَينَهُم شَديدٌ تَحسَبُهُم جَميعًا وَقُلوبُهُم شَتّى ذلِكَ بِأَنَّهُم قَومٌ لا يَعقِلونَ﴾ [الحشر: ١٤]
ثم تتبعها معركة التخريب لقوله تعالى: ﴿يُخرِبونَ بُيوتَهُم بِأَيديهِم وَأَيدِي المُؤمِنينَ فَاعتَبِروا يا أُولِي الأَبصارِ﴾ [الحشر: ٢]
١٤- إسقاط فكرة العقد الاجتماعي بين الدولة الصهيونية والمهاجرين إليها، فهؤلاء جمَعَهَم الطمع ونهب ثرواتنا في مقابل أن توفر لهم هذه الدولة وجيشها الحماية والأمن، واليوم تخفق الدولة في حمايتهم يوم السابع من أكتوبر، وتستدير ظهراً لأسراها بل تقوم باستهدافهم وقتلهم، بل إن الجيش لم يعد قادراً على حماية نفسه، وعليه ستشهد المرحلة القادمة هجرة عكسية
فما حاجة اليهودي الأمريكي أو الأوروبي في القدوم إلى فلسطين إذا لم يتوفر له الأمن والحماية، وصارت حياته في مهب الريح.
١٥- فَقْدُ دولة الكيان لمكانتها الدولية والإقليمية والحضارية بالإضافة إلى خسارتها لإنجازاتها الدبلوماسية وعلاقاتها الدولية، والتي كان من نتائجها اعتراف عديد الدول بالدولة الفلسطينية.
ختاماً:
بغض النظر عن النتائج المباشرة للمعركة، وحتى لو استطاع جيش الاحتلال تحقيق بعض الإنجازات العسكرية، أو الأهداف التكتيكية فقد تحققت خسارته الحضارية، ونزلت به الهزيمة الاستراتيجية، فإن حَسْم النتيجة النهائية لا تكون بعد جولة ولكن في نهاية المعركة كاملة، وهذه النتائج أعلاه لا يمكن للكيان أن يُغيِّرها، وعليه أن يترقب آخر فصل له في أرضنا ليُسْدَل الستار عن حقيقته المظلمة الظالمة.
وأما تضحيات شعبنا البشرية والمادية فستثمر بإذن الله تعالى نصراً قريباً، وتحريراً كبيراً، وفتحاً مبيناً، ومغانم كثيرة، وأخرى قد أحاط الله بها وكان الله على كل شيء قديراً، ولتكون آية للمؤمنين ويهدينا صراطاً مستقيماً، ولكن النصر مع الصبر، ولنتذكر دائماً وصية الله لحبيبه صلى الله عليه وسلم ﴿فَاصبِر إِنَّ وَعدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَستَخِفَّنَّكَ الَّذينَ لا يوقِنونَ﴾ [الروم: ٦٠]
فهذه مرحلة المداولة، وزمن التحول، وليعلم الله الذين آمنوا، ويتخذ منكم شهداء، والله لا يحب الظالمين…
فحاشاك اليوم أن تكون مع الخالفين، وإياك أن تصطف مع المتفرجين، أو تقف مع العاجزين، ولا تقبل إلا أن تكون مع أصحاب الفضل السابقين، فإن لم تكن مع حملة البندقية والسنان، فليس أقل من أن تكون مع أهل التنظير والبيان، أو مع المساندين والداعمين وأهل الإحسان.
﴿وَاللَّهُ غالِبٌ عَلى أَمرِهِ وَلكِنَّ أَكثَرَ النّاسِ لا يَعلَمونَ﴾ [يوسف: ٢١].
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخوكم:
د. عبد الهادي سعيد الأغا
وكيل وزارة الأوقاف والشؤون الدينية- غزة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق