في أوهام المبدعين والكُتّاب!
خواطر صعلوك
قرأتُ كتاباً لشاعر من إحدى الدول العربية، لا أذكر عنوان الكتاب ولكني أذكر محتواه الذي يُشير إلى أن المبدعين والكُتّاب والروائيين والرسّامين والشعراء يجب أن يعيشوا حالة انفصال وانفصام عن كل شيء حولهم.
واسمح لي عزيزي القارئ، أن أشاركك بعض انطباعاتي عن أوهام المبدعين والكُتّاب، وما يتوهمون إدراكه ويؤثر في سلوكهم، وهذا لا يعني أن هذه الانطباعات الشخصية تنطبق على الجميع أو كاملة الصحة، ولكنها تعني أنها موجودة في رؤوس الكثيرين لدرجة أن هناك كُتباً كُتِبت في وصفها، وأنها قابلة للدحض والنفي والاستدراك والنقد، وهذه الانطباعات كوّنتها عن المبدع والمبدعة، فهي لا تُخاطب الذكر فقط، حتى ولو كانت اللغة المستخدمة للذكر... لذلك وجب التنويه.
كونك مبدعاً فإن هذا لا يعني أنك تُعاني من أمراض عصابية حسب زعم فرويد، في مفهومه لسيكولوجية الفنان، وكونك مبدعاً لا يعني أن تكون صاحب مزاج مختلف وطقوس متباينة يصاحبها الغرابة والقلق والنرجسية وتضخم الذات والشعور الدائم بحرية التفلت من أي قيد.
كونك مبدعاً لا يعني اتباع أكثر الغرائبيات في السلوك الاجتماعي، سواءً على مستوى اللباس أو التعامل مع الناس أو وجهات النظر في الدين والتدين، ولا يعني أن تكون غريب الأطوار، قريباً بعيداً، طفلاً نرجسياً، ووردة شائكة!
كونك مبدعاً فهذا لا يعني ضرورة وجود صراع بين حبك للفن وحبك للحياة، بين حبك لجمهورك وحبك لزوجتك، بين دورك كفنان ودورك كأب ومسؤول عن بيت، ولا يصح أن تكتب للناس جميعاً شعراً حراً وتنسى بيتك من بعض أبياتك، ولا أن تقضي وقتاً مع الناس جميعاً، وتنسى ابنك... ففي النهاية بيتك هو جزء من خيالك وإبداعك...أليس كذلك؟
وكونك مبدعاً فهذا لا يعني بالضرورة أن تكتب هراء مثل هذا معتبراً إياه حقيقة «إن المرأة في حياة الفنان وسيلة عابرة لهدف فني وليس لهدف اجتماعي اسمه الزواج والاستقرار العائلي، إن علاقة المبدع بالمرأة علاقة اكتشاف وفضول لصالح خياله لا غير. فإذا نال ما تمناه من المرأة نأى عنها وانفصل».
وكونك يا عزيزي مبدعاً، فهذا لا يعني بالضرورة أن تهاجم فكرة الزواج، ولا يعني أن تطعن في نوايا الزيجات الناجحة التي حولك، ولا يعني أن تكون صديقاً وفيّاً ومدهشاً للآخر ما لم يكن هذا الآخر زوجتك... ولا يعني أن تكون زوجاً بائساً شارد الذهن، دائم الشطح والهيمان في فضاءات الأفكار والعلاقات الجديدة... ولا يعني أن تكون طفلاً يحب دمية امتلكها، ويطلبها مراراً، ويبكي للحصول عليها، ثم حين يمتلكها يلهو بها قليلاً ثم سرعان ما يملّها بحثاً عن دمية أخرى.
كذلك عزيزي القارئ، فكونك مبدعاً فهذا لا يعني أن يستقبلك زملاؤك أو مديرك في العمل كل يوم بفنجان القهوة الصباحية مع وردة حمراء وابتسامة خضراء، ولا يطلبون منك إنجاز العمل، أو مشاركة المهام، أو التعامل مع المراجعين... فجزء من كونك مبدعاً وفناناً عليه أن يسقط في عملك أيضاً... أم أنك فقط تخصص «حريات»، منشغل بإدارة نرجسيتك وأفكارك الراكضة بلا تعب في غابة الكلمات الهاربة خلف مصنع الكراسي؟
لذلك، عزيزي القارئ فكونك مبدعاً فهذا لا يعني أن تكون «نسْونجي عينه لا تشبع»، غايتك الاكتشاف وليس الرسالة الإنسانية والقيم المشتركة.
وكل ما لم يُذكر فيه اسم الله...أبتر.
moh1alatwan@
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق