الدرة
(( إني رأيتُ وقوفَ الماء يفسدهُ، إِنْ سَاحَ طَابَ وَإنْ لَمْ يَجْرِ لَمْ يَطِبِ ))
الامام الشافعي
السبت، 1 يونيو 2024
يا أهل غزة قد صغرنا أمامكم ألف قرن وكبرتم خلال أشهر قرونا
يا أهل غزة قد صغرنا أمامكم ألف قرن وكبرتم خلال أشهر قرونا
في حب غزة
سمير يوسف
رئيس منظمة “إعلاميون حول العالم
يا أهل غزة قد صغرنا أمامكم ألف قرن وكبرتم خلال أشهر قرونا
لطالما كانت غزة في قلب الصراع التاريخي مع الاحتلال الإسرائيلي، منذ نكبة 1948 وصولاً إلى الحصار الذي فُرض عليها منذ 17 عاماً. فقد شهدت هذه المدينة الساحلية سلسلةً من الحروب الإسرائيلية، وصارت عبارة عن سجنٍ بشري كبير يقطنه أكثر من مليوني فلسطيني. ومن أجمل الشعر عن غزة، لعلّ جميعنا يعرف ويردّد العبارة الشهيرة، التي قالها “شاعر الانتفاضة” محمود درويش، والتي تقول: “إن سألوكَ عن غزة قل لهم بها شهيد، يسعفه شهيد، ويصوره شهيد، ويودعه شهيد، ويصلي عليه شهيد”. صمت من أجل غزة – محمود درويش من أجمل ما كُتب من شعر عن غزة، لأن هذه القصيدة تختصر كل ما يمكن أن يُقال عن هذه المدينة التي تعيش النكبة تلو الأخرى. وحتى في ظلّ العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة (2023)، يمكن لهذه الأبيات أن تكون أكثر من مناسبة. وتقول القصيدة، وهي من أجمل القصائد التي كُتبت عن غزة: خاصرتها بالألغام.. وتنفجر.. لا هو موت.. ولا هو انتحار إنه أسلوب غـزة في إعلان جدارتها بالحياة منذ أربع سنوات ولحم غـزة يتطاير شظايا قذائف
لا هو سحر ولا هو أعجوبة، إنه سلاح غـزة في الدفاع عن بقائها وفي استنزاف العدو
ومنذ أربع سنوات والعدو مبتهج بأحلامه.. مفتون بمغازلة الزمن.. إلا في غـزة
لأن غـزة بعيدة عن أقاربها ولصيقة بالأعداء.. لأن غـزة جزيرة كلما انفجرت وهي لا تكف عن الانفجار خدشت وجه العدو وكسرت أحلامه وصدته عن الرضا بالزمن.
لأن الزمن في غـزة شيء آخر.. لأن الزمن في غـزة ليس عنصراً محايداً إنه لا يدفع الناس إلى برودة التأمل. ولكنه يدفعهم إلى الانفجار والارتطام بالحقيقة. الزمن هناك لا يأخذ الأطفال من الطفولة إلى الشيخوخة ولكنه يجعلهم رجالاً في أول لقاء مع العدو.. ليس الزمن في غـزة استرخاء ولكنه اقتحام الظهيرة المشتعلة.. لأن القيم في غـزة تختلف.. تختلف.. تختلف.. القيمة الوحيدة للإنسان المحتل هي مدى مقاومته للاحتلال هذه هي المنافسة الوحيدة هناك.
صمت من أجل غزة – محمود درويش
من أجمل ما كُتب من شعر عن غزة، لأن هذه القصيدة تختصر كل ما يمكن أن يُقال عن هذه المدينة التي تعيش النكبة تلو الأخرى. وحتى في ظلّ العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة (2023)، يمكن لهذه الأبيات أن تكون أكثر من مناسبة.
وتقول القصيدة، وهي من أجمل القصائد التي كُتبت عن غزة:
خاصرتها بالألغام.. وتنفجر.. لا هو موت.. ولا هو انتحار
إنه أسلوب غـزة في إعلان جدارتها بالحياة منذ أربع سنوات ولحم غـزة يتطاير شظايا قذائف لا هو سحر ولا هو أعجوبة، إنه سلاح غـزة في الدفاع عن بقائها وفي استنزاف العدو ومنذ أربع سنوات والعدو مبتهج بأحلامه.. مفتون بمغازلة الزمن.. إلا في غـزة لأن غـزة بعيدة عن أقاربها ولصيقة بالأعداء.. لأن غـزة جزيرة كلما انفجرت وهي لا تكف عن الانفجار خدشت وجه العدو وكسرت أحلامه وصدته عن الرضا بالزمن. لأن الزمن في غـزة شيء آخر.. لأن الزمن في غـزة ليس عنصراً محايداً إنه لا يدفع الناس إلى برودة التأمل. ولكنه يدفعهم إلى الانفجار والارتطام بالحقيقة.
الزمن هناك لا يأخذ الأطفال من الطفولة إلى الشيخوخة ولكنه يجعلهم رجالاً في أول لقاء مع العدو.. ليس الزمن في غـزة استرخاء ولكنه اقتحام الظهيرة المشتعلة.. لأن القيم في غـزة تختلف.. تختلف.. تختلف.. القيمة الوحيدة للإنسان المحتل هي مدى مقاومته للاحتلال هذه هي المنافسة الوحيدة هناك. وغـزة أدمنت معرفة هذه القيمة النبيلة القاسية.. لم تتعلمها من الكتب ولا من الدورات الدراسية العاجلة ولا من أبواق الدعاية العالية الصوت ولا من الأناشيد. لقد تعلمتها بالتجربة وحدها وبالعمل الذي لا يكون إلا من أجل الإعلان والصورة. إن غـزة لا تباهي بأسلحتها وثوريتها وميزانيتها إنها تقدم لحمها المُرّ وتتصرف بإرادتها وتسكب دمها. وغزة لا تتقن الخطابة.. ليس لغزة حنجرة.. مسام جلدها هي التي تتكلم عرقاً ودماً وحرائق. من هنا يكرهها العدو حتى القتل. ويخافها حتى الجريمة. ويسعى إلى إغراقها في البحر أو في الصحراء أو في الدم. من هنا يحبها أقاربها وأصدقاؤها على استحياء يصل إلى الغيرة والخوف أحياناً. لأن غزة هي الدرس الوحشي والنموذج المشرق للأعداء والأصدقاء على السواء. ليست غزة أجمل المدن.. ليس شاطئها أشد زُرقة من شواطئ المدن العربية وليس برتقالها أجمل برتقال على حوض البحر الأبيض. وليست غزة أغنى المدن.. وليست أرقى المدن وليست أكبر المدن. ولكنها تعادل تاريخ أمة. لأنها أشد قبحاً في عيون الأعداء، وفقراً وبؤساً وشراسة. لأنها أشدنا قدرة على تعكير مزاج العدو وراحته، لأنها كابوسه، لأنها برتقال ملغوم، وأطفال بلا طفولة وشيوخ بلا شيخوخة، ونساء بلا رغبات، لأنها كذلك فهي أجملنا وأصفانا وأغنانا وأكثرنا جدارة بالحب. نظلمها حين نبحث عن أشعارها فلا نشوهن جمال غزة، أجمل ما فيها أنها خالية من الشعر، في وقت حاولنا أن ننتصر فيه على العدو بالقصائد فصدقنا أنفسنا وابتهجنا حين رأينا العدو يتركنا نغني.. وتركناه ينتصر ثم جفننا القصائد عن شفاهنا، فرأينا العدو وقد أتم بناء المدن والحصون والشوارع. ونظلم غزة حين نحوّلها إلى أسطورة لأننا سنكرهها حين نكتشف أنها ليست أكثر من مدينة فقيرة صغيرة تقاوم وحين نتساءل: ما الذي جعلها أسطورة؟ سنحطم كل مرايانا ونبكي لو كانت فينا كرامة أو نلعنها لو رفضنا أن نثور على أنفسنا ونظلم غزة لو مجّدناها، لأن الافتتان بها سيأخذنا إلى حد الانتظار، وغزة لا تجيء إلينا، غزة لا تحررنا، ليست لغزة خيول ولا طائرات ولا عصي سحرية ولا مكاتب في العواصم، إن غزة تحرر نفسها من صفاتنا ولغتنا ومن غزاتها في وقت واحد وحين نلتقي بها ذات حلم ربما لن تعرفنا، لأن غزة من مواليد النار ونحن من مواليد الانتظار والبكاء على الديار. على مرمى حجر من استشهاد الجندي المصري رمضان عبدالله بالرصاص «الإسرائيلي» عند معبر رفح، نشرت في هذا المكان مقالا بعنوان «مصير كامب ديفيد»، قلت فيه بالنص إنه «قد لا تصل تطورات اللحظة الخطرة إلى حد استئناف مصر لسيرتها التاريخية، ولا إلى إعلان مصر حربا شاملة ضد كيان الاحتلال الإسرائيلي، ولكن كل ما هو دون ذلك يبدو واردا، وفي صورة إجراءات أمنية وعسكرية بطابع تصاعدي»، من هنا تكون غزة تجارة خاسرة للسماسرة، ومن هنا تكون كنزا معنوياً وأخلاقيا لا يقدر لكل العرب وليس لحكامهم. ومن جمال غزة أن أصواتنا لا تصل إليها، لا شيء يشغلها، لا شيء يدير قبضتها عن وجه العدو، لأشكال الحكم في الدولة الفلسطينية التي سننشئها على الجانب الشرقي من القمر، أو على الجانب الغربي من المريخ حين يتم اكتشافه، إنها منكبّة على الرفض.. الجوع والرفض والعطش والرفض والتشرد والرفض والتعذيب والرفض والحصار والرفض والموت والرفض. قد ينتصر الأعداء على غزة (وقد ينتصر البحر الهائج على جزيرة قد يقطعون كل أشجارها) قد يكسرون عظامها
قد يزرعون الدبابات في أحشاء أطفالها ونسائها وقد يرمونها في البحر أو الرمل أو الدم ولكنها لن تكرر الأكاذيب ولن تقول للغزاة: نعم وستستمر في الانفجار لا هو موت ولا هو انتحار، ولكنه أسلوب غزة في إعلان جدارتها بالحياة وستستمر في الانفجار
لا هو موت ولا هو انتحار، ولكنه أسلوب غزة في إعلان جدارتها بالحياة وجاء ارتقاء الجندي الشهيد ليؤكد صواب ما ذهبنا إليه، فقد كان الشهيد بإطلاقه النار على قوات الاحتلال «الإسرائيلي» في الجانب الآخر، ينفذ بدقة تعليمات قيادته، ونثق رغم قيود السياسة الرسمية، أن دم الشهيد لن يذهب هدرا، وأن الحادث لن يكون الأخير من نوعه وإلى أن تتجدد دورة حوادث النار عند الحدود، يبقى صوت ملحمة غزة، لا يعلو فوقه صوت، فقد تحولت غزة الصغيرة بشريط أرضها الضيقة، المحاصرة المختنقة من كل اتجاه، المشتعلة بحمم النار فوق رأس أهلها، المعانية من حرب إبادة جماعية غير مسبوقة في التاريخ الإنساني، تحولت غزة هذه إلى قلب نابض بتحولات الدنيا كلها، وأيقظ عذابها ضمائر العالم النائم، وصار صمودها الأسطوري أيقونة أحرار العالمين، فقد يقال لك إن غزة دمرت عن بكرة أبيها، وإن 140 ألفا من الغزيين في عداد الضحايا، وأنه لم يبق في غزة من جدار قائم، وأن أغلب البيوت والشوارع والمساجد والكنائس والمستشفيات والمخابز والمدارس والجامعات، تحطمت في زلازل تدمير شامل، فوق شلالات الدماء التي سالت وتسيل، ومحارق الأجساد التي تحولت إلى أشلاء، وكل هذا صحيح ومحزن ومأساوي، وأفرغ العيون من الدموع، لكن الصحيح بالقدر نفسه، أن سحق كل موارد الحياة في غزة، وكل هذه المجازر والقتل والتشريد والتجويع والتعطيش، لم تطفئ أبدا بريق إلهام غزة، ولا مقدرتها الإعجازية على مواصلة الحياة، وكأنها أول الخلق العفي، وكأن أرض غزة، هي الحياة نفسها، وكأن تجريد غزة من كل شيء، لا يبدل هويتها ولا طباعها النورانية، ولا ينتقص من زاد حضورها المتدفق، فهي تنهض دائما من تحت الركام، وتعلمنا أن الحياة قرار الناس لا صناعة الظروف، وأن «العروة الوثقى» التي تربط البشر بأرضهم المقدسة تعلو فوق كل المحن، فرغم نزوح أغلب «الغزيين» من أرضهم إلى أرضهم لخمس مرات على الأقل عبر ثمانية شهور من حرب الإبادة، إلا أن التيار الرئيسي الغالب بين الفلسطينيين في غزة، لا يفكر أبدا في تركها إلى غيرها من بلاد الله، وهم النازحون المهجرون أصلا من قلب فلسطين المحتلة في نكبة 1948، وتوارثوا العذاب عن الآباء والأمهات والأجداد، ووقر في قلوبهم، أنه لا هروب من أرضهم إلا لأرضهم، وأن الخروج من فلسطين يعني أنه لا عودة إليها، وربما يفسر ذلك بعضا من تكوين غزة العصي على الكسر، وكانت دائما مركزا لتأسيس وصعود أبرز حركات المقاومة والفداء الفلسطيني.
ففي غزة أعلى وأصفي تركيز لخلاصة المحنة الفلسطينية الفريدة، وفيها أعلى كثافة بشر وأرقى نزوع للتحرير، ومنها خرجت الأنوية الأولى الأصلب، من سيرة «فتح» إلى أيام «حماس»، وفي غزة يعرفون، أن الموت ليس معادلا للفناء بالضرورة، ويعرفون قيمة أن تختار موتك، وأن تجعل اختيار موتك سبيلا إلى حياة لا تفنى، وهو ما يفسر سلاسة اختيار الاستشهاد في غزة» قبل غيرها، فالموت مصير كل حي، وفي غزة ينتظرهم الموت عند كل شبر أرض وفي كل شمة هواء، لكن الفارق عندهم هائل بين موتين، الموت كضحية تحت أحجار جدار، أو الذهاب إلى الموت اختيارا لتكسب الخلود لنفسك والكرامة لأهلك والعزة لوطنك. وفي تقارير أمريكية نشرت أخيرا من دوائر «البنتاغون» وغيرها، كانت دهشتهم عظيمة مما يجرى في غزة، ومما آلت إليه «كتائب القسام» وغيرها من حركات المقاومة، كانت التقارير الأمريكية السابقة أكثر احترازا في تقدير خسائر «حماس» وأخواتها، وكانت تعترض على مبالغات حكومة الاحتلال «الإسرائيلي» وأجهزة استخباراتها، وكانت تكذب مزاعم «إسرائيل» بأنها قضت على عشرين من «كتائب القسام»، وأنه لم تتبق سوى أربعة كتائب، يذهبون إلى رفح بدعوى تصفيتها، وكانت التقارير الأمريكية تتحدث عن أرقام أقل لخسائر «حماس» و»القسام»، وعن بقاء أغلب شبكات الأنفاق الحربية الفلسطينية سليمة، وهو ما عادت التقارير الأمريكية الأحدث لتأكيده، وإن خفضت نسبة الأنفاق التي ظلت على حالها الأول إلى 65% من المجموع، لكنها ـ أي تقارير البنتاغون ـ اكتشفت ما تصورته مفاجأة كبرى، هي أن عدد المقاتلين في «حماس» وغيرها زاد ولم ينقص، وأن حركات المقاومة استقبلت آلافا جديدة من المقاتلين، استعاضت بجهدهم عن آلاف ارتقوا إلى مقام الشهادة العظمى، وهو ما يعني ببساطة، أن مددا جديدا من شباب «غزة» التحقوا طوعا واختيارا بسلك القتال، فقد رأوا بأعينهم هول زلازل التدمير وطوفان الدم، وفي لحظة الاختيار الحاسم، رفضوا انتظار الموت قعودا كضحايا، وذهبوا إلى اختيار القتال كشهداء تحت الطلب، يضيفون إلى آيات المقاومة الفلسطينية الراهنة، وهي سليلة مقاومة من نوع مختلف، توالت مشاهدها في العقود الثلاثة الأخيرة، وامتازت بالحس الاستشهادي الإيماني المطلق، ودخلت الميدان بمعنى الاستشهاد كأعلى قيمة إنسانية، قارعت بها ما يملكه العدو من أرقى تكنولوجيات الحرب، ثم أضافت للقيمة الاستشهادية تكنولوجيا سلاح من صنع أيديها، وفنون قتال مذهل، قهرت وتقهر بها جيش الاحتلال في أطول حرب يخوضها، واستنزفت دم نخبة جنوده وضباطه، ودمرت أقوى دباباته وآلياته بالآلاف، وفاجأته من حيث لا يحتسب، ومن أنفاق تحت الأرض، ومن أنقاض المباني فوق الأرض، وأعجزته عن تحقيق أي نصر بأي معنى، رغم التفاوت المادي الرهيب بين ما يملكه العدو «الإسرائيلي» الأمريكي، وما تملكه المقاومة من متاع السلاح القليل المتواضع، الذي حوله النبل والفداء والذكاء الإنساني إلى سلاح فتاك لا يقهر، فوق الحفاظ على أداء قتالي غاية في الانضباط والدقة والتخطيط، جعل المقاومة تقاتل إلى اليوم كتنظيم جماعي محكم، ظل إلى اليوم يحوز مزايا القيادة والسيطرة، تتحرك فيه الأوامر والكتائب بسلاسة مدهشة من الجنوب إلى الشمال وبالعكس، ويصوغ مثالا لا يبارى من الحروب غير المتناظرة، لا تفتر عزيمته أبدا، وعلى نحو ما شهدناه في الأيام والأسابيع الأخيرة، وما تبدى فيها من مقدرة قوات المقاومة على إدارة المعارك في شمال غزة وجنوبها في الوقت نفسه، ومن رفح إلى النصيرات وبيت حانون والزيتون وبيت لاهيا وجباليا، وامتلاك زمام المبادرة، واستعادة روح وجرأة ما جرى صباح السابع من أكتوبر الطوفاني، والإبداع المتقن في نصب الكمائن المركبة، واستدراج قوات العدو إلى فتحات الأنفاق مجددا، وقتل فريق من قوات النخبة «الإسرائيلية» وأسر فريق آخر، كما جرى في «جباليا» .
أخيرا، وكان دفع العدو لألوية جديدة في «غزة»، وعودته إلى أماكن الغزو البري الأولى في شمال غزة وفي وسطها، كانت العودة «الإسرائيلية» فرصة جديدة لقوات المقاومة، تخوض فيها عمليات القتال من المسافة صفر، وتحول دون استفراد العدو بمكان بذاته، وتشتت انتباهه وتركيزه، وتغرقه في رمال غزة، وتضاعف حيرة جنرالاته في حروب المتاهة، فقد استحالت غزة الصغيرة إلى دنيا بلا نهاية لامتدادها، وتضاعفت مساحتها مرات فوق الأرض وتحت الأرض، وتأكدت استحالة تحقيق العدو لأي نصر، فلا هو يجد سبيلا متاحا للقضاء على «حماس» التي تتكاثر، ولا هو يستطيع الوصول لأسراه على قيد الحياة، بل إن قوات النخبة الإسرائيلية الذاهبة لإنقاذ الأسرى، تلتحق هي الأخرى بمصائر الأسر نفسه، وفي حروب «الدائرة المفرغة» التي دخلتها «إسرائيل» بأحدث أسلحتها الأمريكية، لا تبدو من نهاية تشبه ما خططوا له، فيما نجحت المقاومة في تفجير تناقضات متزايدة وراء خطوط العدو، فالهزيمة يتيمة بطبعها، و77% من «الإسرائيليين» صاروا يجزمون بأنهم خسروا الحرب، وقادة العدو يتقاذفون الاتهامات بالمسؤولية عن الخيبة، فيما تعزز مقاومة «غزة» من مكاسبها، تدفن الشهداء وتمسح الدموع وتقاتل، وتكسب للقضية الفلسطينية تعاطفا وتأييدا عالميا غير مسبوق، وتكسب للرواية الفلسطينية أرضا متسعة في الغرب عقر دار الحركة الصهيونية تاريخيا، وبثمن مدفوع من دم «الغزيين» الصامدين ومقاومتهم العبقرية الأوصاف.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق