تعال بص... بجنيه ونص
قبل شهر ونصف الشهر انضممت إلى فرق تطوعية، فوجدت معها وبها أناساً تشبهني في الهمِّ والغاية، وتختلف عني في الميول والمواهب؛ فشدّ كلٌ منا عضد أخيه، وأتمّ نقصه، ومن خلال هذه الفرق دعونا متطوعين للقيام بالعمل ومشاركة الأفكار ثم التنفيذ على أرض الواقع.
والذي أعرفه أو ما اشتهر عن العمل التطوعي أنه بذل الوقت أو الجهد أو المال بلا مقابل؛ بقصد أن تعود الفائدة على المجتمع والوطن، ومن هذا التعريف دخلت في العمل التطوعي الثقافي، وأخذت أبحث عن فريق عمل... فاستقطبته بتقديم المغريات والمديح والثناء لأفراده والأخذ بآرائهم وكأنني أدلل على بضاعةٍ مُزجاة؛ منادياً «تعال بص... بجنيه ونص» !
آملاً أن أبني فريقَ عملٍ جديّ، فتمثل لي قول الكاتب المصري أحمد أمين -رحمه الله- في مذكراته عندما قال: «درست القانون والفقه والقضاء، لكني وجدت العلم فيهم والعمل بهم أمرين مختلفين تماماً».
لعل المتطوع اليوم يصبو إلى نفع نفسه أولاً، ويركز على مصلحته الشخصية من هذا العمل وأحياناً يريد قضاء وقتٍ ممتعٍ لا أكثر.
أو أنه يبحث عن مكان يفخّم فيه أناه، أو يسترسل بشكواه! أو أياً من عوامل الجذب المزيفة.
ولعلّي رفعتُ سقف أفكاري وتوقعاتي فانهار السقف على رأسي...!
أو لعلّي لا أصلح لقيادة فريق، أو أننا مختلفون في الغاية والمقصد، أو أنني في حاجةٍ لتصحيح نيّتي؛ أو لعل كلها أو بعضها أو ربما غيرها بعيداً عن الأسباب والمسببات.
عندما سقط بيت المقدس في يد الحملات الصليبية عام 1099م، 492هـ، نظر أبوحامد الغزالي، إلى أبعاد الأمور؛ فآثر العزلة على الخلطة، ونظر في دقائق النفس والأهداف الخفية من وراء كل تصرفات الإنسان، وسعى لإصلاح المقصد والغاية والنوايا؛ فألّف كتابه المعروف «إحياء علوم الدين» الذي تحدّث فيه عن دقائق النفس وخبايا القلب، فجعله مشروعه الإصلاحي الذي أعتقد أننا بحاجة إلى إعادة النظر فيه وفي بقية كتبه النفيسة علّنا نجد ضالتنا.
عندما كنت صغيراً في السن؛ خرجت ووالدي -رحمه الله تعالى- مساءً في الإجازة الصيفية في مشوارٍ، ومررنا بإحدى إشارات المرور وقد تعطّلت، فبدأ الناس يتجاوزون الإشارة ويتداخلون في التقاطع وعمّت الفوضى؛ فنزل شابٌ كويتي ونظم عملية السير وأعطى كل جهة حقها، وعندما مررنا عليه كانت قد وصلت الشرطة لتحييه وتكمل عنه عملية تنظيم السير إلى حين إصلاح إشارة المرور، فحيّاه والدي وأثنى عليه وشكره، وأثنى أمامي على الشاب بفعلته الشهمة، وقال: هذا رجل شهمٌ صاحب مروءة، وقد قام بفعل جميل ويستحق كل الثناء لأن هذا الوطن يستحق منا البذل له دون مقابل.
كانت تلك الصورة لذلك الشاب وقد تبلّل ثوبه عرقاً وهو يقوم بواجبه الذي أوجبته عليه نفسه ومروءته وأخلاقه ولم ينتظر من يمنحه مكافأةً معنويةً كانت أم مادية، أو يجمّل له صورة التطوع؛ راسخةً في مخيلتي، فأعزي بها نفسي وأذكِّرها أولاً وأخيراً وكل متطوع بقوله تعالى: «ومَن تطوّع خيراً فإنّ اللهَ شاكرٌ عليمٌ».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق