بيني وبينك.. قِفْ مع غزّة
قف معها بكلّ شيءٍ وبأيّ شيء. لا مِراءَ في الدّم، ولا أوضحَ منه. الأمر ليس الوقوفَ القلبيّ، ذلك أضعفُ الإيمان وأوّله ومُبتدَؤُه، بل عليكَ أنْ تقفَ معها كأنّكَ فيها، واحدٌ من أهلها، وجعُهم وجعُك، وحُزنُهم حُزنُك. والدّمعة الّتي سالتْ على خدّ اليتيمة أنتَ أبوها. والنّيران الّتي أكلتْ خِيامَ رفَح أكلتْ ثِيابَك. والصّواريخ الّتي فَجّرتْ عشر بناياتٍ كأنّها الصّواريخ الّتي دمّرتِ الحَيّ الّذي تسكنُ فيه.
أنتما لستُما فريقَين، لستُما ضِفَّتين، لستما جِدارَين، أنتما فريقٌ واحدٌ يجري في عروقه الدّم ذاتُه، وضِفّة واحدةٌ يسقيها النّهرُ الماءَ ذاته، فإنْ تدفّقَ تدفَّق من أجلكما، وإنْ جَفَّ وقع الجفاف في ربوعِكما. وجدارٌ واحِدٌ إذا وقفَ سَلِمْتُما، وإذا هوى فقد هوى عليكما معًا.
قِفْ مع غزّة بأدنى ما تستطيع كأنّه أكبرُه، وبأقلّه كأنّه أكثرُه، ولا تحقرنّ من المعروف شيئًا، ولا تستصغرنّ ما تفعل إذا صدقتِ النّيَّة وصَلُح القلب.
قِفْ معها في الطّريق التي تجدُها أمامكَ مُمهّدة، إنْ كُنتَ طبيبًا فاستطعْتَ أنْ تصل إلى مُستشفياتها، أو جرحاها وضحاياها فَأَجْرِ يدكَ الحانية يَسكُتِ النّزيف، وامسحْ على الجِراح تُزهِرْ.
وإنْ كُنتَ من أهل الخير فإنّ طُرُقَ الخير واسعة، وإنّ أبوابه كثيرة، اطرقْ أيّ بابٍ شِئت، تجدْ خلفَه عينَين حزينتَين، تقول: الآن أرى. ووجهًا شاحِبًا يقول: الآن أُشْرِق. وبطنًا ضامِرًا يقول: الآن أشبع. وروحًا خاويةً تقول: الآن امتلأت.
إنّهم يقولون: يا أخي… يا أخي… وأيّ نداءٍ ترتجّ له السّماء أعظمُ من ذلك؟!
فلا تتركْ نداءَهم بلا صدى، ولا تجعلْه يذهب أدراجَ الرّياح، فإنّهم عقدوا عليكَ بعدَ الله الأمل، وأنتَ أهلٌ لهذا الأمل، وهو لا شيءَ فيما تستطيع، ولكنّه كلّ شيءٍ للمحرومين هناك، والموجوعين، والمُنتظِرين!
قِفْ مع غزّة بالدّرهم، وبالمَرهم، وبالكلمة الطّيّبة، وبالأُضحيّة في العيد، وبالبِئر الّتي تحفرها، وبالمخبز الّذي تبنيه، وبرغيف الخُبز الّذي تُنضِجه، وبالنّبتة الّتي تسقيها، وبالشّجرة الّتي تغرسُها، وبالجردل الّذي تصبّ فيه الماء لكي تترطّب الشّفاه المُشَقّقة، وبعلبة الدّواء، ورُزمة الحطب، ولُعبة الأطفال فالعيدُ قادم، وشعلة النّار في القَرّ، وبدعم حلقات تحفيظ القرآن، وبالّذي ترى أنّكَ قادِرٌ عليه مهما ضَؤُل.
قِفْ مع غزّة في هذه الأيّام الفضيلة الّتي أقسمَ الله بها: «وَلَيالٍ عَشْرٍ» ، ولا تقلْ لا أستطيع كما قالَها ذلك الرّجل للنّبيّ صلّى الله عليه فحَقّتْ عليه دعوة النّبيّ: «لا استطعْت» . وإنّني أُعيذُكَ وأُعيذُ نفسي أنْ يُقال لنا: «لا استطعت» وإنّ الله يسمعُ ويرى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق