من وحي الأيام:
لا.. لا.. ما حصلنا على الحرية «بهيكاً».. ده مش معقول.. يا بنت الهند!
- محمد نعمان الدين الندوي لكناؤ، الهند
[تعرضت ممثلة بالي وود الشهيرة: «كنغنا رناوت» التي تم انتخابها -أخيرًا- عضوًا للبرلمان الهندي الجديد، لحادث مؤسف، أسفر عنه بعض تعليقاتها.
وقد ذكرني هذا الحادث بتعليق آخر لها، كان حرك قلم الكاتب، فكان صدر عنه مقال، رد فيه على تعليقها الذي كان صدم قلوب ملايين الملايين من الهنود وجرح مشاعرهم.
يرى الكاتب أن يعيد نشر المقال للمناسبة…]:
بات الإنسان -في هذه الأيام- لا يكاد يصدق ما ترى عينه، وكذلك لا يكاد يصدق ما تسمع أذنه!
فيخيل للإنسان -لغرابة ما يرى ويسمع- أنه لا يعيش في عالم «الإنسان» الذي كرمه الله وفضله بالعقل على سائر مخلوقاته، وخلقه في أحسن تقويم. ولكنه -للأسف- صار في الآونة الآخرة مصداقا لقوله تعالى: {ثُمّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سَافِلِيْن}.
نعم إن الإنسان انحط إلى الدرك الأسفل من الخلق والسلوك والتعادي والتباغض والتنافر.
فكأن الناس قد جن جنونهم في هذا العصر الهائج المائج بالغرائب والعجائب.. فيأتون من الحركات والأفاعيل ما تستحي منه العجماوات والبهائم والضواري من الحيوانات والسباع، ويتفوهون بما يشاءون من الهراء والبذاء، ومن الأقوال التي لا تمت بصلة ما إلى العقل والرشد والصواب.. وإنما هي تنم عن بغض بغيض، أو حب يعمي عن رؤية حتى بدائه الأشياء (حبك الشيء يعمي ويصم)، أو جهل تام بالتاريخ، أو محاولة ممجوجة لمسخ التاريخ بل للقضاء عليه ومحوه كليا..
هذا. فكما يكون القراء قد عرفوا وسمعوا ما أدلت به الممثلة الهندية «كنغنا رناوت» المعروفة ببياناتها اللاعقلانية، المسيئة -خاصة إلى الإسلام والمسلمين- أخيرا من البيان المبكي المضحك «وشر البلية ما يضحك» الذي قالت فيه: «إن الحرية التي حصلنا عليها سنة 1947م لم تكن حرية، وإنما كانت «بهيكًا» (أي استجداء وتسولا).. وإنما الحرية الحقيقية هي الحرية التي حصلنا عليها سنة 2024م. (أي حينما تولى مودي أمر البلاد).
إنه بيان يرفضه حتى بعض أعضاء الحزب الحاكم نفسه ممن لم يفقدوا التعقل بتاتا، ولا تزال فيهم بقية باقية من الوعي والغيرة.
إن هذا البيان إن دل على شيء فإنما يدل على جهل تام بالتاريخ، أو التعصب الممقوت أو الانحياز السافر المفضوح العجيب -لرجل أو حزب أو طائفة- الذي يعمي الأبصار.. ويفقد العقول عملها المنوط به.
ليس هناك امتهان ولا انتقاص ولا إساءة -إلى حرمة التضحيات الجبارة التي بذلت في سبيل استرداد الحرية- أشد ولا أشنع من ذلك..
أنا على يقين بأن أرواح الآلاف المؤلفة من «أبطال التحرير» تكون قد تململت وجزعت وتأذت بهذا البيان المؤلم.
إن هذا البيان مرفوض تاريخيًا وعقليًا ومنطقيًا..
فالحرية لا تنال هبة أو عطاء أو استجداء أو مجانا… إنها تؤخذ بأثمان باهظة يدفعها الشعب المحتل من دمائه القانية وتضحياته الضخمة، تؤخذ بالقوة.. بقوة الحجة والكلام، وقوة اليد، وشجاعة الشجعان، ورجولة الرجال، وعزم أولي العزم، وغيرة الغيارى، وتضحيات الأبطال.
إن الذي ينكر ضوء الشمس في رابعة النهار.. لسنا في حاجة إلى مخاطبته، أو تقديم الدلائل له على كون الشمس طالعة مشرقة.. بل المنكر -نفسه- يحتاج إلى أن ندعو الله له أن يُبعد عنه العمى، وأن يمنحه عينا باصرة، فلا ينكر ضوء الشمس إلا الأعمى الذي لا يميز بين النور والظلام، والليل والنهار.
يأخذني العجب العجاب على المدلية بهذا البيان المخزي المحبط للجهود التي استمرت نحو قرن لاسترداد الحرية، فهي امرأة متعلمة مثقفة تُعرف بكونها من أشهر الممثلات، ومن أكثر النجوم لمعانا في عالم السنيما، كيف تجهل تاريخ بلادها؟ ألم تقرأ في المناهج الدراسية تاريخ تضحيات المضحين بنفوسهم ونفائسهم في تحرير البلاد من براثن المستعمرين؟
إن تاريخ الحرية يتلألأ بذكر تضحيات الكثرة الكاثرة من إخواننا الهندوس وعلمائنا وشبابنا وشيوخنا..
ألم تسمع الممثلة اسم محمود حسن الديوبندي، وحسين أحمد المدني، وأبو الكلام آزاد، وغاندي، ونهرو، وبهكت سنغ، وسبهاش جندر بوس، وغيرهم -ممن لا يعد ولا يحصى- من جنود الحرية وروادها ممن يتجمل بهم تاريخ حريتنا.
أما مساهمة المسلمين في معركة تحرير بلاد الهند فلهم فيها نصيب الأسد!
إن كل قرية ومدينة تشهد بتضحيات المسلمين في معركة التحرير..
فبعد فشل ثورة 1857م حولت معظم أشجار دلهي القديمة مشانق، علق عليها آلاف العلماء خاصة والمسلمين عامة، فيروى التاريخ أنه لم يكن هناك عالم، أو رجل كان للدين عليه أثر إلا واعتقله الإنكليز وشنقوه.
والحقيقة أن المسلمين والهنود كلهم شاركوا في معركة التحرير متكاتفين متعاضدين.. لم يقصروا ولم يضنوا بتقديم ما استطاعوا من النفس والنفيس والمال.
فالقول بأن الحرية التي حصلنا عليها سنة 1947م كانت استجداء.. أو مجانا أو بلا ثمن.. قول عار من الصحة والعقلانية تماما.. ومرفوض تاريخيًا وواقعيًا.. والحكومة لا تزال تصرف -لحد الآن- مكافأة محترمة للذين لا يزالون على قيد الحياة ممن يسمون -احتراما- بـ: «مجاهدي الحرية» اعترافا منها بإسهاماتهم المشرفة وتقديرا لصنائعهم في معركة التحرير.
على الحكومة أن تحاسب أصحاب هؤلاء الهراء حسابا يكون رادعا للآخرين من المسيئين إلى تاريخنا المجيد، وتحاول إلجامهم، ومنعهم من إصدار مثل هذه البيانات الفاضحة التي تسبب عارا وخزيا للبلاد لا على المستوى المحلي، بل على المستوى العالمي؛
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق