السبت، 8 يونيو 2024

نهاية حماس.. هكذا يفكّرون!

 

نهاية حماس.. هكذا يفكّرون!

في السادس من يونيو/حزيران 2024، نشر موقع “إندبندنت عربية”، تحليلًا موسعًا بعنوان “السبيل إلى نهاية حماس: استراتيجية تقوم على ترك الحركة تهزم نفسها”، وهو ترجمة لتحليل منشور في مجلة “فورين أفيرز” عدد يونيو 2024، للباحثة أودري كورث كرونين، مديرة معهد كارنيجي ميلون للاستراتيجية والتكنولوجيا، ومؤلفة كتاب “كيف ينتهي الإرهاب: فهم تراجع الحملات الإرهابية وزوالها”.

بداية التحليل كانت حاسمة في توضيح توجهات الكاتبة والهدف من كتابة المقال، إذ ذكرت نصًّا: “لمساعدة حماس في الانهيار الذاتي يتعين على إسرائيل أن تبذل كل ما بوسعها لإعطاء الفلسطينيين في غزة الشعور بوجود بديل للحركة وبإمكان تحقيق مستقبل أكثر إشراقًا، وبدلًا من تنفيذ عقاب جماعي ينبغي لإسرائيل أن توضح أنها ترى فرقًا بين مقاتلي حماس والغالبية العظمى من سكان غزة، الذين لا علاقة لهم بالجماعة، وهم أنفسهم ضحايا لحكمها البلطجي والعنف المتهور”.

إذ تكفي أوصاف من قبيل “الحكم البلطجي” و”العنف المتهور” التي نعتت بها حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، للتعبير عن توجهات الكاتبة، ويكفي أن تقول “يتعين على إسرائيل أن تبذل كل ما في وسعها” للوقوف على أن هدفها من هذا التحليل هو تقديم ورقة سياسات لصانع القرار الإسرائيلي.

وبجانب هذه البدايات العامة، يمكن الوقوف على عدد من المخرجات التي تشكل الصورة الذهنية للكاتبة، وكيف تنعكس على توجهاتها الفكرية، وما الذي يجب القيام به للتعاطي مع مثل هذه الأطروحات.

صراع الروايات والقدرة على كسب المواجهات!

تقول الكاتبة “إن حماس تستوفي جميع معايير اعتبارها منظمة إرهابية. وتتألف المجموعة من متطرفين عنيفين يخدمون مصالحهم الذاتية ويعطون الأولوية للكفاح المسلح على الحكم الفعال ورفاهية الفلسطينيين، وليس هناك شك في أن القضاء على حماس سيكون مفيدًا للفلسطينيين، وإسرائيل والشرق الأوسط والولايات المتحدة”.

ثم تستطرد، وتقول “إن رد الحكومة الإسرائيلية المميت للغاية على هجوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) واللامبالاة الواضحة تجاه موت ومعاناة المدنيين الفلسطينيين، صب في مصلحة حماس، وفي صفوف الجماهير التي تسعى الحركة إلى كسب ودها، بما في ذلك الفلسطينيون في غزة والضفة الغربية، والسكان العرب في جميع أنحاء المنطقة، والشباب في الغرب، وتراجعت حدة مشاهد أحداث السابع من أكتوبر الشنيعة وحلت مكانها الصور التي تدعم رواية حماس، حيث إسرائيل هي المعتدي الإجرامي والحركة الفلسطينية هي المدافعة عن الفلسطينيين الأبرياء”.

وسعيًا من الكاتبة لتقديم رؤية استراتيجية للكيان الصهيوني للتعاطي مع مثل هذه الكيانات التي تصفها بالإرهابية، تقول: “لكي تتمكن إسرائيل من إلحاق الهزيمة بحماس فإنها تحتاج إلى استراتيجية أفضل، استراتيجية مبنية على فهم أعمق للمسارات التي تنتهي بها الجماعات الإرهابية عمومًا”.

وهنا تقوم بتوضيح حجم خبرتها الشخصية في هذا المجال، كنوع من تعزيز حضورها في بناء الرؤية والاستعداد للتعاون مع الكيان في التفكير والتطبيق، فتقول نصًّا: “من حسن الحظ أن التاريخ يقدّم أدلة وافرة بشأن هذا الموضوع، وعلى مدار عقود من البحث، قمتُ (الباحثة) بتجميع مجموعة بيانات تضم 457 هجمة ومنظمة إرهابية، تعود إلى 100 عام، وحددت ست طرق أساسية تنتهي بها الجماعات الإرهابية. وهذه المسارات لا يستثني بعضها الآخر، فهناك أكثر من ديناميكية واحدة فاعلة في الوقت نفسه، وتؤدي عوامل متعددة دورًا في القضاء على الجماعة الإرهابية. ولكن يتعين على إسرائيل أن تولي اهتمامًا وثيقًا بطريق واحد على وجه الخصوص: الجماعات التي لا تنتهي بهزيمة عسكرية بل بفشل استراتيجي (..) وتتمثل الاستراتيجية الأكثر ذكاء في معرفة كيفية تقليص دعم الجماعة والتعجيل بانهيارها”.

خطأ المقدمات وخطأ النتائج

في تفصيلها للمسار الذي تراه الأكثر ذكاءً للقضاء على حماس، تقول الكاتبة: “تنتهي معظم الجماعات الإرهابية إما بالانهيار الداخلي أو بفقدان الدعم، والمجموعات التي تنهار في بعض الأحيان تموت أثناء التحولات بين الأجيال، أو تتفكك إلى فصائل، أو تنهار بسبب خلافات عملياتية، أو الانقسام بسبب الاختلافات الأيديولوجية (..) وتفشل أيضًا لأنها تفقد الدعم الشعبي. وفي بعض الأحيان، يرجع ذلك إلى أن الحكومات تقدّم لأعضاء المجموعة بديلًا أفضل، مثل العفو أو الوظائف. ولكن السبب الأكثر أهمية لفشل الجماعات الإرهابية على الإطلاق هو أنها تخطئ في الحسابات، وخصوصًا من خلال ارتكاب أخطاء مثل تنفيذ هجمات تثير الاعتراض في البيئات المحلية”.

هذه كانت المقدمات التي انطلقت منها الكاتبة، وبناءً عليها انتهت إلى مجموعة من النتائج، إذ ذكرت في تحليلها نصًّا: “تمتلك حماس كل مقومات المجموعة التي يمكن أن تفشل بنفسها. ولعل الأهم من ذلك هو حقيقة أنها لا تحظى بشعبية، وبعد وقت قصير من سيطرة الجماعة على غزة عام 2007، بدأ الدعم الفلسطيني لها في التدهور (..) ويوجد داخل حماس انقسامات يمكن أن تتسع بل وتؤدي إلى انهيارها، فقيادتها العسكرية والسياسية ليست منسجمة دائمًا (..) وتواجه المجموعة أيضًا ضغوطًا ومنافسة من حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية، وهي أصغر من حماس ولكنها أكثر ارتباطًا بإيران، ومع تدمير قسم كبير من منظومة حماس في غزة، فإن هياكل السلطة الأخرى، بما في ذلك العشائر وحتى الشبكات الإجرامية، قد تتنافس على السيطرة وتقوض الجماعة”.

ما الذي يجب على إسرائيل القيام به لمساعدة حماس على الفشل؟

وفي إطار استعراض الكاتبة لما انتهت إليه من نتائج، نقف عند نتيجتين من ذلك، النتيجة الأولى التي ذكرتها: “إن الطريقة الأكثر ترجيحًا لفشل حماس هي من خلال رد فعل شعبي عنيف. حيث تحكم حماس غزة من خلال القمع، وذلك باستخدام الاعتقالات والتعذيب لقمع المعارضة، ويكره سكان غزة على نطاق واسع جهاز الأمن العام الداخلي، الذي يراقب الناس ويحتفظ بملفاتهم، ويقمع الاحتجاجات، ويرهب الصحفيين، ويتعقب الأشخاص المتهمين بارتكاب أعمال غير أخلاقية (..) ويدرك الفلسطينيون الذين يعانون جيدًا أن حماس قامت ببناء نظام أنفاق متقن لحماية قادتها ومقاتليها لكنها لم تفعل شيئًا لحماية المدنيين”.

أما النتيجة الثانية، فتقول فيها الكاتبة: “لمساعدة حماس في الفشل، يتعين على إسرائيل أن تبذل كل ما في وسعها لإعطاء الفلسطينيين في غزة الشعور بوجود بديل لحماس وبإمكان تحقيق مستقبل أكثر إشراقًا، وبدلًا من تقييد المساعدات الإنسانية إلى حدود دنيا، يتعين على إسرائيل أن تقدّم هذه المساعدات بكميات هائلة. وبدلًا من مجرد تدمير البنية التحتية والمنازل، يتعين على إسرائيل أيضًا أن تشارك في خطط إعادة بناء المنطقة في مستقبل ما بعد حماس، وبدلًا من تنفيذ عقاب جماعي والأمل في أن يلقي الفلسطينيون اللوم على حماس، ينبغي لإسرائيل أن توضح أنها ترى فرقًا بين مقاتلي حماس والغالبية العظمى من سكان غزة، الذين لا علاقة لهم بالجماعة، وهم أنفسهم ضحايا لحكمها البلطجي والعنف المتهور”.

عندما تتحكم الأحادية في التفكير تغيب الموضوعية في التحليل

لقد انطلقت الكاتبة من رؤية أحادية في التحليل، تقوم على أن حماس “حركة إرهابية”، وقارنت بينها وبين العشرات من الحركات التي صنفتها بأنها إرهابية، وجهلت أو تجاهلت عن عمد أن حماس حركة تحرر وطني، وأن “إسرائيل” كيان احتلال استيطاني يقوم على الفصل العنصري، وأن الحديث عن الحواضن الشعبية والتدمير الذاتي للقدرات يكون أكثر موضوعية مع مثل هذه الكيانات التي قامت على اغتصاب الأرض وتشريد أهلها، وتجميع الشتات الذين ما يفرّق بينهم أكثر مما يوحدهم، ولا ينطبق ذلك على حركات التحرر الوطني التي تستمد قوتها الأساسية من حاضنتها الشعبية المؤمنة بقدراتها والواثقة في قيادتها.

ومن ناحية ثانية، فإن حديث الكاتبة عما تسمّيه الممارسات السلبية لحماس داخل القطاع، هو نقل للرواية الصهيونية، ومن مصادر البحث والإعلام الصهيوني التي ثبت زيف الكثير منها، والحجم الهائل من التضليل، بل والكذب والخداع واختلاق الروايات المغلوطة، لتحسين الصورة. وغاب عن الكاتبة أن هناك رواية أخرى أكثر مصداقية، هي التي تبناها طلبة جامعات النخبة الأمريكية والأوروبية، وخرجوا في عشرات المظاهرات بعشرات الآلاف من المتظاهرين، دفاعًا عنها، ولم تعد حماس وأفكارها وقيمها وقضيتها تقف عند حدود قطاع غزة، بل اتسعت لتشمل معظم دول العالم، وبدلًا من الحديث عن تآكل الحاضنة الشعبية، أصبح الحديث اليوم عن الحاضنة الإنسانية خلف حماس وحركات المقاومة الفلسطينية في مواجهة “الحكم البلطجي والعنف المتهور” الذي يقوم به الكيان الصهيوني.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق