بيان من رابطة علماء المسلمين بشأن إطلاق مركز " تكوين" لنشر أفكار المروق من الدين
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على نبيينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه
وبعد:
ففي زمن أزمات ونوازل مزلزلة تواجهها الأمة الإسلامية على الأصعدة العالمية والإقليمية والمحلية، وفي ظرف استثنائي حرج لأكبر قضية مع أخطر عدو في فلسطين وماحولها؛ كان مفترضًا أن تجتمع لأجل ذلك كله الكلمة، وتتقارب القلوب، وتتراص الصفوف؛ إلا أن فئة محسوبة زورًا على النُخب الفكرية؛ ندبت نفسها في هذه الأيام لإثارة شبهات العلمانيين ودعاة الإلحاد والفجور وبث الشكوك وتهييج غبار الأفكار الضالة والمفاهيم المنحرفة وإشاعة الفجور؛ حيث قاموا في الرابع من شهر مايو لهذا العام 2024م بافتتاح ما أسموه (مركز تكوين للفكر العربي)، وهو أول مؤسسة مصرية شبه رسمية للقيام بهذا الدور المأفون باسم " تجديد الخطاب الديني"!
ويأتي على رأس هذا المركز أناس عُرف واشتُهر عنهم من مقالاتهم وأطروحاتهم وما يعتنقونه من أفكار- ما يكشف هوية مشروعهم الإلحادي المعنون إفكًا باسم (التنوير)!
وغاية المركز المرجوة من نشر تلك الضلالات والتشكيكات؛ هي إسقاط هيبة ثوابت الإسلام ومحكماته لدى العامة، والتشكيك في عصمة الوحي كتابًا وسُنة، والطعن في الصحابة الكرام الذين حفظ الله بهم كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ونقلوا لنا أصول الدين، كما يهدفون إلى الحط من قدر علماء الأمة السابقين واللاحقين، وتحقير شأن الذائدين منهم عن حصون الدين، مع تفخيم وإجلال رموز الضلال وإسباغ صفات ومؤهلات القدوة فيهم لكل الأجيال، حتى تنشأ طبقات منهم معادية للدين أو مجافية له على أقل تقدير، وهو ما يفتح الباب على مصراعيه أمام دعاة الإلحاد ورؤوس الإفساد.
ويأتي تمرير هذه الأهداف والغايات الخبيثة لممارسات هذا المركز من خلال لافتات وعبارات براقة حمالة معانٍ ظاهرها رحمة وباطنها عذاب؛ على غرار:
(تصحيح المسار لتجديد الخطاب الديني) و(تحريك الوضع الثقافي الراكد) و(التحفيز على المراجعة النقدية وطرح أسئلة حول المسلَّمات الفكرية) و(إعادة النظر في المتغيرات التي حالت دون تحقيق المشروع النهضوي ـ يعنون العلماني ـ الذي أطلق منذ قرنين) و(الوصول إلى صيغة جديدة في النظر والتعامل مع الموروث الديني، باعتبار أن بعض تأويلاته القديمة أدت بالمجتمعات العربية والإسلامية إلى مآزق اجتماعية ودينية وفكرية)!
ومن تلك الطروحات والأفكار التي تكشف حقيقة تلك اللافتات والأطروحات- والتي أنشئ مثل هذا المركز لإشاعتها وإثارتها والإعلان بها بعد أن كان إعلانهم عنها فرادى وعلى استحياء مخافة فضح حقيقتهم وكشف طويتهم- وكلها موثقة عنهم حرفًا وصوتًا وصورة- وتصدي علماء الأزهر ومشيخته لهم:
قولهم بأن: (القرآن ليس صالحًا لكل زمان ومكان) ... (السُّنة لا يصح منها إلا ما يوافق العقل العصري) ... (السُّنة لا تصلح لتفسير القرآن).. (البخاري ومسلم يحويان فكرًا متخلفًا يناقض العقل) ... (الصحابة ليسوا قدوة حتى الخلفاء الراشدون منهم).. (الفتوح الإسلامية كانت احتلالًا واعتداءً على الغير) ... (فتح مكة كان من أعمال الفاشية) ... (الحجاب والنقاب تقاليد بالية) ... (البيرة ليست حرامًا) ... (الزنا حرام ولكن البغاء حلال).. (حد الرجم وحشية).. (حد السرقة عمل بشع).. (تقسيمات المواريث ظلم).. (عذاب القبر خرافة) ... (كثير من علماء الإسلام كائنات حيوانية، كان يجب قطع أيديهم وأرجلهم).. (اليهود والنصارى ليسوا كفارًا وسيدخلون الجنة) ... (تقديس البقر أمر معتبر لأنها كائنات مفيدة) ... (الإسراء والمعراج أكذوبة) ... (المسجد الأقصى كان مكانه في الطائف لا في القدس) ... (الخلافة الإسلامية نظام عفا عليه الزمن) ... (صلاح الدين الأيوبي أحقر شخصيات التاريخ).. (لا برهان من الآثار على أن إبراهيم أو موسى عليهما السلام كان لهم وجود في مصر) ... (غرق فرعون وقومه في مصر قول لا تؤيده الكشوف الأثرية)!!
وغير ذلك من أقوال منكرة مكرورة، ومنقولة عن أسافل المستشرقين، وقدامى الملحدين.
وبناء على ما سبق؛ فإن (رابطة علماء المسلمين) إذ تثَّمن كل جهد في التصدي لهذه الفصل الجديد من الهجمة العلمانية على الثوابت والمحكمات التي تشكل هوية أمتنا الإسلامية؛ لتضع أمام الجميع هذه الحقائق:
أولًا: لا شك أن هذا السيل الجارف من الدجل والخرف المزخرف بمسوح العقلانية ودعاوى المعايير العلمية؛ تتولد عن شيوعه في الأجيال مضار كبرى ومزالق خطرة، إذا تُرك لرواده الحبل على الغارب، فمنظومتهم الفكرية التي يوحيها الشياطين لأوليائهم ليجادلوا بها المؤمنين؛ لا تستهدف المجتمع المصري المسلم فحسب، بل تريد إضلال أهل الإسلام عامة، والعرب خاصة؛ بدليل وصف مؤسسة الضرار تلك بأنها (مركز الفكر العربي)!
ثانيًا: أن تلك الهجمة الجديدة المدبرة بليل والمدعومة بأرتال من الأموال من دول عربية وغربية، والمسنودة بأنظمة وجهات داخلية وخارجية؛ تجيء في وقت تكميمٍ للأفواه على المستويات العامة والخاصة، وفي أجواء إرهاب فكري وأمني في غالب بلاد المسلمين، وهو ما يدل على أن توقيتها لم يأت مصادفة أو اتفاقًا، بل جاء وفق ترتيب مسبق، وسط غياب أو تغييب جرى توريط جماهير الأمة فيه عبر عقود.
ثالثًا: أن مثل تلك الممارسات الموغلة في التطرف الفكري دون حسيب أو رقيب؛ هي التي تولد التطرف المضاد، النظري والعملي، وهو ما رأى الجميع مضاره وأوضاره.
رابعًا: أن التهوين من شأن الخطر الواقع والمتوقع من تلك الهجمة العلمانية الجديدة، ليس صوابًا ولا هو توكلًا واستصحابًا لليقين بحفظ الدين، إذ إن حفظ الدين وحرمات المسلمين موكول ـ بعد حفظ الله ـ لجهود المنافحين وجهاد المصلحين، وإلا لما كان ذلك دليل الإيمان، وذروة سنام الإسلام.
وعليه؛ فإن رابطة علماء المسلمين تؤكد على الآتي:
1- على جميع المؤسسات الإسلامية ورموزها وعلى رأسهم مؤسسة الأزهر في مصر، القيام بما أوجب الله على أهل العلم من بيان الحق، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ إبراءً للذمة ونصحًا للأمة، كما قال الله سبحانه: { وإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَٰقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَٰبَ لَتُبَيِّنُنَّهُۥ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُۥ فَنَبَذُوهُ وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ وَٱشْتَرَوْاْ بِهِۦ ثَمَنًا قَلِيلًا ۖ فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} آل عمران 187، كما تدعوها إلى بيان حكم هؤلاء الذين يتولون كبر الترويج لهذا المنكر، بعد استتابتهم وإقامة الحجة عليهم.
2- أن هذا الواجب منوط كذلك بأهل العلم في كل صقع ومِصر، وليس قاصرًا على ذلك البلد الذي تولى بعض أهله كبر هذا الفساد الكبير والضلال البعيد.
3- تدعو الرابطة هيئات الأوقاف وجميع أئمة المساجد وأهل الدعوة، إلى الرد على هذه الضلالات وتلك الشبهات.
4- تدعو الرابطة القائمين على مناهج التعليم في بلاد المسلمين إلى إضافة مادة تعنى بتحصين أبناء المسلمين وبناتهم، من هذه الشبهات وتلك الانحرافات.
مع التأكيد على ضرورة إعطاء محاضن تربية الأجيال مزيد اعتناء، للتحصين ضد شبهات المغرضين وطعون المبطلين، مع تطوير وسائل الدعوة في ذلك من خلال استغلال وسائل التواصل التي جعل الله تعالى فيها متنفسًا للدعاة ومخرجًا من الحصار المفروض عليهم في بلادهم.
5-على المنابر الإعلامية الجادة القيام بدورهم في فضح هذه الجهة المشبوهة، والعناية بالبرامج التي تعنى بالرد على هذه الشبهات، كما تؤكد على ضرورة العناية بخطاب جمهور مواقع التواصل الاجتماعي، بالطريقة والأسلوب الذي يناسب طبيعة هذه الجماهير وتلك المنصات.
6- ضرورة تنسيق الجهود بين الكيانات العلمية والدعوية لإعداد مناهج معنية بتنشئة جيل علمي قادر على التصدي لدعاة الإرهاب الفكري المدعوم من الماسونية العالمية ومحافلها الدولية، بما يتطلبه ذلك من كفاءات تقنية، وقدرات بحثية ولغوية وخطابية.
وختامًا
• نُذكِر ونبشر أنفسنا وإخواننا بقول الله تعالى: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} (الرعد /17) فمهما علا الباطل وانتفش؛ فإن الحق الذي ينفع الناس، هو الجدير بالقرار والاستقرار، وأما ما لا قيمة له فيذهب هباء مهما بُذل فيه من مالٍ وجهد.
والله نسأل أن يبرم لهذه الأمة أمر رشد يُعز فيه الطائعون، ويُهدي فيه المفرطون، ويذل فيه المعاندون المعادون للدين.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق