لا تعش دور الضحية!
تقول الطبيبة النفسية الأميركية «آنا ليمبيكي» في كتابها الرائع «أمة الدوبامين»:
خلال أكثر من عشرين عاما كطبيبةٍ نفسيةٍ، وأنا أستمع إلى عشرات الآلاف من قصص المرضى، تكونت لدي قناعة بأن الطريقة التي نروي بها قصصنا الشخصية هي علامة ومؤشر على الصحة العقلية!
المرضى الذين يروون قصصا غالبا ما يكونون فيها الضحية، ونادرا ما يتحملون المسؤولية عن النتائج السيئة لسلوكهم، في الغالب لا يبدو عليهم أي تحسنٍ ويبقون في دائرة الألم، إنهم مشغولون جدا بإلقاء اللوم على الآخرين بحيث لا يمكنهم التركيز على علتهم ومحاولة التعافي منها.
وعلى النقيض من ذلك، عندما يبدأ مرضاي في سرد القصص التي تصور مسؤوليتهم بدقةٍ، أعلم أنهم يتحسنون!
برأيي، ليس بالضرورة أن من حلت به فاجعة يتحمل مسؤوليتها، أو جزءا من المسؤولية، للأسف نحن في هذه الحياة نؤذي أحيانا ليس لأننا كنا سيئين، وإنما لأننا كنا جيدين أكثر مما ينبغي!
وبغض النظر عن الأسباب التي أدت إلى الفاجعة التي ذقنا مرارتها، نحن نهاية المطاف أمام فاجعةٍ قد حصلت! وسواء كنا نتحمل المسؤولية كاملة، أو جزءا منها على اعتبار أن الآخرين لا يمتطون ظهورنا إلا بموافقتنا، أو لا ذنب لنا ولا جريرة كما ألقي يوسف عليه السلام في الجب لأنه كان جميلا جدا وأبوه يحبه! فإن ما حصل قد حصل، وحبس الإنسان نفسه في الأسباب يطيل أمد الفاجعة!
الأمور السيئة تقع دوما، هذه الدنيا مليئة بالغادرين وقليلي الأصل، زاخرة بالمرضى النفسيين الذي لا يتعالجون وإنما يتعالج ضحاياهم! إلا أننا أمام خيارين لا ثالث لهما: إما أن نعيش كضحايا أو كناجين!
الشخص الذي يختار أن يعيش ضحية سيبقى سجين ماضيه، سيمر العمر عليه وساعته الزمنية متوقفة على توقيت جرحه! سيبكي دون فائدة، وسيطيل العتب الذي لا طائل منه، وكلما جف جرحه قليلا سيعمد إلى قشرته وينزعها ليبقى غضا طريا! فلا هو قادر على أن يعيد الحكاية من أولها ليأخذ حذره، ولا هو قادر على أن يطوي الصفحة ويمضي! سيتعب ويتعب من معه، لن يعطي فرصة لنفسه ليحب ويحب مجددا، لن يكون قادرا على الثقة بأحدٍ، ومن تبعات هذه أن لا يكون مصدر ثقةٍ لأحدٍ، لأن الحب والثقة بذر أولا ثم حصاد، ولا حصاد إلا لباذرٍ!
أما الشخص الذي يختار أن يعيش كناجٍ فسيطوي الصفحة ويمضي، سيتعلم الدرس من الفاجعة، وسيكون حذرا لا شكاكا، سيتقدم بعقله ويتراجع بقلبه، وسيحمد الله أن الأمور السيئة التي وقعت كان بالإمكان أن تكون أسوأ، وأن الصفعة ثمن عادل مقابل أن يستيقظ، فإنها فاجعة أخرى أن يبقى المرء مغفلا وألعوبة!
الناجي يعلم أن ما حدث كان بسوء اختياره، وأن الدنيا مليئة بالأشخاص الجيدين كما هي مليئة بالأشخاص السيئين! جرح الحب يداويه حب جديد وإن بحذرٍ هذه المرة، لأن الفرصة الثانية مخيفة أكثر من الفرصة الأولى، لأن المرء يعلم مقدار ما يخاطر به، إنه قلبه!
صديق نذل سيطويه صديق طيب، وجرح الثقة سيندمل مع شخصٍ وفيٍ!
تجاوزوا السيئين، لا تسمحوا لهم أن يفسدوا حاضركم كما أفسدوا ماضيكم، لا أحد يستحق أن تهبه عمرك مرتين!
لا تسترقوا النظر إلى حياة جارحيكم، تخلصوا من هذا الفضول الذميم! ادفنوهم، وأهيلوا عليهم التراب وتابعوا حياتكم، أشرقوا مجددا، أثبتوا لأنفسكم أولا ولهم ثانيا أن الحياة لا تتوقف على أحد، وأن من كان لائقا بقلوبنا أحببناه، ومن كان نذلا لم نكرهه، إنه أقل شأنا أن نمنحه شعورا مهما كان نوعه!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق