الثلاثاء، 13 أغسطس 2024

مسلمو بريطانيا وإرهاب اليمين المتطرف

مسلمو بريطانيا وإرهاب اليمين المتطرف


عامر عبد المنعم


يواجه المسلمون في بريطانيا تهديدا جديدا من اليمين المتطرف، حيث عاشوا أسبوعا مخيفا من أعمال الشغب وهجمات الغوغاء على المساجد وإحراق المتاجر والاعتداءات المنسقة في عشرات المدن والبلدات، ولولا التصدي العاجل من الحكومة وخروج البريطانيين الرافضين للعنصرية لإعلان وقوفهم ضد دعوات التحريض على الأقلية المسلمة لشهدنا حربا أهلية مروعة.

استغل قادة اليمين المتطرف جريمة وقعت في مدينة ساوثبورت، عندما هاجم مراهق بريطاني مسيحي عمره 17 عاما من أب وأم من رواندا مجموعة من الأطفال في مدرسة ابتدائية، وقتل ثلاثة منهم وأصاب ثمانية، فروّجوا أخبارا كاذبة على مواقع التواصل مفادها أن مهاجرا مسلما قتل أطفالا يتعلمون الرقص، وحرضوا على الانتقام من المسلمين، ونظموا تلك الاعتداءات التي انتشرت كالنار، واعتدوا على الشرطة التي اتهموها بحماية المسلمين!

لم يعد سرا أن متزعمي الهجوم على المسلمين يرتبطون بعلاقات وثيقة مع الاحتلال الإسرائيلي، وتزعجهم المظاهرات الأسبوعية الضخمة التي ترفض الحرب على غزة ويشارك فيها مئات الآلاف من البريطانيين، وهم يتهمون المسلمين بتنظيم هذه الاحتجاجات، وحاولوا من قبل تنظيم مظاهرات مضادة استخدموا فيها العنف، بهدف الضغط على الحكومة لمنع احتجاجات الطرفين ولكنهم فشلوا؛ لصغر حجم فعالياتهم، ولعدم وجود أي خروق في فعاليات دعم فلسطين.

لجأ اليمين إلى افتعال معركة صريحة مع المسلمين بعد العجز عن وقف حركة التأييد لفلسطين، التي تنظمها أساسًا “حملة التضامن مع فلسطين” و”تحالف أوقفوا الحرب” وهما منظمتان أسسهما ويقودهما إنجليز من بينهم يهود، ولهما فروع في معظم المدن البريطانية، ولقوة الحركة فقد فشلت كل محاولات حزب المحافظين برئاسة سوناك في وقف المظاهرات وتجريم الداعمين لغزة، كما أن حكومة حزب العمال الجديدة تعرف قوة الرافضين للعدوان على غزة الذين غيروا الخريطة السياسية في الانتخابات.

فشل خطة اليمين الإنجليزي لإشعال حرب أهلية

رغم انحياز السياسة الخارجية البريطانية لـ”إسرائيل” والتزامها التام بالتحالف مع الولايات المتحدة وحلف الأطلسي، فإن بريطانيا تتميز بالتسامح الديني مع الأقليات، حيث تتعامل القوانين بصرامة مع أي تنمر أو تحريض، وهذا ما يجعلها من أفضل دول أوروبا في احترام التنوع، وأقلها في حوادث العنصرية، كما أن جماعات اليمين الإنجليزي هي أضعف نظيراتها في باقي الدول الأوروبية.

من أهم أسباب فشل اليمين الإنجليزي أن المجتمع في معظمه ضد هذه الحرب التي ستدمر الدولة، فالملك تشارلز أدان الاعتداء على المسلمين، وأشاد “بتماسك المجتمع البريطاني” ودعا إلى “توحيد صفوف أبناء الأمة البريطانية عبر التفاهم والاحترام المتبادل”، وفي كلمة قوية هاجم رئيس الوزراء الجديد كير ستارمر ما اعتبره “بلطجة اليمين المتطرف” وأصدرت المحاكم أحكاما رادعة سريعة على المشاركين في الشغب والعنف لمدد تصل إلى 3 سنوات، وبعثت وزيرة الداخلية إيفيت كوبر برسالة طمأنة للمسلمين.

كان الرد الحاسم الذي أفسد خطة الإرهابيين الذين يتختبئون خلف شيطنة المسلمين من البريطانيين الرافضين للعنصرية، هو أن المواطنين نزلوا إلى الشوارع في المواقع التي حددتها جماعات اليمين للتظاهر فأجبروا مؤيّدي تلك الجماعات على الاختباء والفرار، وأعفوا الشرطة من مواجهتهم، كما تصدوا في وسائل الإعلام لبعض السياسيين المتطرفين مثل هذا الذي طالب باعتقال من يقول “الله أكبر” في المظاهرات!

المسلمون مواطنون وليسوا غرباء

يركز اليمين المتطرف في حملته على المهاجرين، ويحاول إشاعة أن المسلمين كلهم مهاجرون، وليس لهم الحق في الإقامة في بريطانيا، وهذه أكذوبة، فالمسلمون مواطنون وليسوا غرباء، فمعظمهم من الجيل الثاني والثالث، بل والرابع، وليس لهم بلاد ينتمون إليها غير بريطانيا، ونسبة كبيرة من هؤلاء المسلمين الأوائل من الذين خدموا وتعاونوا مع الاحتلال الإنجليزي وغادروا بلادهم مع انسحاب بريطانيا من المستعمرات، كما أن الكثير من الإنجليز اعتنقوا الإسلام.

لا توجد مدينة لا يوجد بها مواطنون مسلمون، ومشاركتهم في الاحتجاجات ضد الحروب منذ القديم معلومة ومعروفة وليست جديدة، خاصة أن معظم الحروب ضحاياها في العالم الإسلامي، ولكن العدوان على غزة وحّدهم وحفزهم للاتحاد والمشاركة بحماس في العمل السياسي، وظهر تأثيرهم في الانتخابات البرلمانية الأخيرة حيث نجحوا في الإطاحة بالمحافظين، وأزاحوا العمال من بعض الدوائر لصالح المستقلين وأحزاب أخرى لعدم وقوف الحزب ضد الحرب.

لا يعي المتطرفون المتصهينون أنه لم يعد ممكنا استئصال المسلمين الذين يبلغ عددهم في إحصاء عام 2021 نحو 3.9 ملايين نسمة بنسبة 6.5% من عدد السكان الذي يقترب من 70 مليون نسمة، وهذا الرقم فقط لمن وافقوا على التصريح بديانتهم، حيث يوجد مسلمون لا يفضلون إظهار دينهم، ويعد الإسلام هو الدين الثاني في بريطانيا، ويندمج المسلمون في المجتمع البريطاني، وينضمون للأحزاب السياسية، ومنهم من فاز في الانتخابات المحلية ويشاركون في إدارة مدنهم، والمثال الأبرز على اندماجهم وتأثيرهم حمزة يوسف أول رئيس وزراء مسلم لاسكتلندا.

الغرب بدون مهاجرين يموت

يهاجم اليمين الإنجليزي المهاجرين بشكل عام ويعتبر الهجرة هي الباب الذي يدخل منه المسلمون، والحقيقة أن استقبال المهاجرين أصبح ضرورة في المملكة المتحدة، بسبب تراجع الخصوبة وشيخوخة المجتمع ونقص الشباب، فمعدل الخصوبة في بريطانيا عام 2023 بلغ 1.6 مولود لكل امرأة في سن الزاوج، بينما المعدل الطبيعي للإحلال والحفاظ على حيوية المجتمع هو 2.1 مولود، ولهذا فلولا الاستمرار في استقبال المهاجرين لتأثرت الحياة وتوقف العديد من المصالح التي تعتمد على المهاجرين.

تراجع الخصوبة ظاهرة تعاني منها معظم الدول الغربية وليس فقط بريطانيا، ففي ألمانيا انخفض معدل الخصوبة إلى 1.4 وفي فرنسا 1.6 وفي إيطاليا 1.2 وفي الولايات المتحدة انخفض إلى 1.6 وفي كندا 1.3، ويرجع هذا الانخفاض إلى الفساد الاخلاقي ومعاداة الفطرة وانتشار الشذوذ وتغيير شكل الأسرة، ولهذا تحتاج المجتمعات الغربية إلى استقبال المهاجرين كي تبقى على قيد الحياة.

إن تدفق المهاجرين المسلمين في العقدين الأخيرين على أوروبا، سببه الحروب التي تخوضها الجيوش الغربية في العالم الإسلامي، وقصف العواصم العربية بالقنابل، وتخريب الكثير من الدول في الحقبة الاستعمارية وحتى الآن، حيث تتدخل الدول الأوروبية بطرق مختلفة عسكرية وغير عسكرية لدعم حكام مستبدين فاسدين، لمنع الشعوب من اختيار حكومات مستقلة، ليستمر النهب الاستعماري، ولو توقفت هذه الحروب لتوقفت الهجرة التي يشكون منها.

تبدو الهجمة على المسلمين في بريطانيا وكأنها قد انكسرت؛ لكن سيظل من مصلحة اللوبي الصهيوني إثارة الفتنة وإشعال الحرب الأهلية، خاصة مع الضربات التي تلقاها مؤيدو إسرائيل في الغرب منذ بداية العدوان على غزة، وظهور لوبي مضاد يرفض الإبادة الجماعية، ويفضح الدعاية الصهيونية التي ظلت لعقود تحتكر تقديم صورة مشوهة لفلسطين وللمسلمين في العالم العربي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق