الأربعاء، 11 سبتمبر 2024

تخيّل نفسك تكون وافداً!

ربيع الكلمات

تخيّل نفسك تكون وافداً!



عبدالعزيز الكندري

شاهدت مقطعاً لرجل من الوافدين يريد السفر لإحدى الدول للعمل من أجل لقمة العيش وبجانبه أبناؤه الصغار يبكون يحاولون أن يمنعونه من السفر، مشهد آخر لامرأة في المطار تريد السفر لإحدى الدول للعمل كذلك، وسط بكاء وصراخ أبنائها الصغار في المطار وأمام الناس، لاشك أن هذه المواقف الإنسانية تجعل الإنسان يعجز عن الكلام والتعبير وسط مشاعر الأطفال وحزن الآباء والأمهات في هذه اللحظات المعبرة، وهذه المواقف لا نتمناها لأحد، لأن الكل يريد أن يكون بجانب أسرته، والغربة نوع من أنواع العذاب.


والوافدون في الكويت أعدادهم كثيرة، ويشكلون غالبية سكان البلد، وهم أكثر من 100 جنسية، ويأتون بحثاً عن فرص عمل وحياة أفضل لهم، وتوفير لقمة عيش كريمة لأبنائهم، ولهم مساهمات كبيرة في تلبية احتياجات سوق العمل علاوة على تنمية الاقتصاد، ويواجهون الكثير من التحديات التي تؤثر على حياتهم سواءً في المعاملة أو السكن أو ظروف العمل، والتضييق عليهم سيسبب اختلالات على مختلف المجالات مثل التعليم والصحة والأعمال الحرفية، ونحن بحاجة إلى معالجات وخطط بعيدة لعلاج مشكلة التركيبة السكانية، وليس استخدام أسلوب الصدمات أو التعامل بعنصرية، وهل تعلم أن أكثر من 700 ألف وافد هم تحت بند العمالة المنزلية، ويشكلون أكثر من 20 في المئة من نسبة الوافدين؟!

وهناك أعداد كبيرة من الوافدين يعملون في مهن صعبة وتحتاج جهداً كبيراً مثل عمال البناء أو العمالة المنزلية، في ظل ظروف عمل قاسية جداً تتمثل في ساعات طويلة جداً وأجور قليلة، مع فصل صيف جاف وحار ودرجات حرارة تعتبر من أعلى دول العالم. ولاننسى الحنين والبعد    عن الأهل والأبناء والوطن كل هذه تعتبر مشاكل نفسية غير ظاهرة ولكنها مؤثرة وبشكل كبير، لأن مشكلة الجروح الداخلية تأثيرها أكبر، لأنه -لا قدر الله- إذا كان لديك جُرح في يدك فأنت تستطيع أن تعالجه، ولكن ماذا عن الجروح الداخلية؟!

ويقول أهل الإدارة: «لكل جهد منظم عائد مضاعف»، فما ذنب الوافد إذا كانت خطة سوق العمل واحتياجاتها غير واضحة، أو ليس لدينا ربط بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل؟ 

لذلك لابد من وجود رؤية واضحة وخطة نبدأ من خلالها إصلاح الأمور، وهناك دول قريبة منا لديها أعداد أكبر من الوافدين ولكن وفق خطة واضحة ومحددة، والمحسن يقال له أحسنت، والذي يخطئ يحاسب، وتخيل نفسك مكان الوافد، ما لا تقبله لغيرك فلا تفعله للآخرين.

ومن يتابع وسائل التواصل الاجتماعي وبعض الحسابات يقرأ كيف أن قضية الوافدين في غاية الحساسية، ويتم التعامل معها بهذه الطريقة السطحية وفق ردات الأفعال، بل وأصبحت شماعة لدى البعض في هذه الأيام، والعديد منهم لا يعرف بلداً غير هذا البلد الطيب الكويت، حيث العيشة والنشأة والذكريات والصداقات.

وبدل أن نتحدث عن الوافدين بكل صغيرة وكبيرة ونلقي باللائمة عليهم، هل شاهدت أين يسكنون؟ لماذا لا نقوم بتحسين ظروفهم المعيشية التي تليق بالإنسان؟ حاول أن تزور بعض الأماكن التي يسكنون فيها، هل تستطيع أن تسكن فيها أنت وأبناؤك؟ وما لا ترضاه لنفسك يجب ألا ترضاه للآخرين كذلك. 

هم ليسوا سواسية، وأي جالية وشعب يعيش على هذه الأرض تجد فيه الإنسان الصالح والإنسان السيء، ولكن تسليط الضوء على عناصر وصفات معينة والنظر بعين واحدة هنا تكمُن المشكلة، وتعميم النظرة السلبية على الجميع، وللأسف من أناس كان من المفترض أن يكونوا منصفين وإلّا فهم أبعد الناس عن الموضوعية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق