الاثنين، 3 يونيو 2024

دمعة على السودان

 

دمعة على السودان

يا لهف نفسي على السودان وأهله! أخصب أرض وأطيب شعب، لا ذنب لهما إلّا أنهما -منذ فجر التاريخ المعاصر- لم تتهيّأ لهما فرصة اللقاء الحميم، فعاش أطيب شعب فوق أخصب أرض دون أن يشعر كلٌّ منهما بالآخر، فلا هو مدّ يده ليسعد بمكنون خيراتها، ولا هي تفتقت له لتسعد بخير تسخير وأجود استخلاف، وما ذاك إلا لأنهما منذ رحيل الاحتلال لم يحظيا بقيادة رشيدة تَصِلُ بحسن تدبيرها بين القطبين: الشعب والأرض، ومضت السنون العجاف على بلد أركان دولته الثلاثة (الأرض والشعب والسلطة) كلٌّ في طريق، ولا فرق في ذلك بين عهد البشير وعهد النمير، ولا علاقة للإسلام في ذلك بواحد من العهدين، اللهم إلا الادعاء، حتى أسلمها ذلك الوضع المنحرف إلى مصير مختلف، لا ندري أهو التقسيم بين العملاء؟ أم الاستيلاء من الأعداء؟ أم ماذا بربّ السماء؟!

إهدار ليس بعده إهدار

بلد يجري فيه النيل الأبيض مندفعًا من بحيرة فيكتوريا، والنيل الأزرق منحدرًا من هضبة الحبشة، فيلتقيان حيث (الخرطوم) رابضة في نقطة الالتقاء فوق رأس المثلث الأخصب (أرض الجزيرة) التي تضم بين جناحيها العذبين أكثر من 5.8 ملايين من الأفدنة، ومن هذه النقطة ينطلق النيل الأسمر صوب مصر يتهادى بين جنبتيّ الوادي الخصيب. هذه المياه التي تجري ناشرة الخضرة والحياة ليست كل ما حظي به هذا البلد، فهناك 400 مليار متر مكعب أخرى تهطل سنويًّا من السماء، وهذه الأراضي الخصبة التي يتمطى بعضها بين ذراعيّ النّيلين قرب التقائهما، ويمتد سائرها شمالًا وجنوبًا كحلة خضراء تكسو النيل من مفرق رأسه في الشمال إلى أخمص قدميه في الجنوب، هذه الأراضي التي تفتن بخصوبتها كل من أراد أن يستولدها النماء والرخاء ليست كل ما في السودان من أراضٍ، فهناك ما بين 174-200 مليون من الأفدنة الصالحة للزراعة، سوى الغابات الحاضنة للخيرات، بلد كهذا ماذا يمثل للأمة؟

هذا البلد يمثل للأمة من مشرقها إلى مغربها سلّة غذاء ثريّة تكفل لملياريّ مسلم درجة لا بأس بها من الأمن الغذائيّ، وتضمن -من ثَمَّ- لعشرات الحكومات القدرة على الاستقلال السياسيّ إذا شاءت، وتحقق -من باب أولى- لشعب السودان حياة كريمة، بدلًا من هذا الضياع الذي يَلُفُّه، حيث يعاني 10 ملايين تقريبًا انعدام الأمن الغذائيّ، هذا سوى الخيرات الأخرى التي إن تهيّأ لها القويّ الأمين صارت رافعة قويّة على طريق نهضة الأمة بأسرها، فالسودان فيه ثروة بترولية ضخمة، خسر 75% منها بعد انفصال الجنوب، وفيه احتياطي من الذهب يبلغ 1550 طنًّا تقريبًا، يتم تهريب أكثر من 50% منه، إضافة إلى معادن أخرى ومحاصيل متميزة كالسمسم الأبيض والقطن والذرة وغيرها، وحوالي 110 ملايين من أجود بهيمة الأنعام، أما المنتج الاستراتيجيّ فَيُعَدُّ السودان أكبر البلاد حيازة للصمغ العربي في العالم، إذ به 80% مما يوجد على الكوكب الأرضيّ، وهو منتج غاية في الأهمية، حيث يدخل في أكثر من 180 صناعة، ومما يورث النكسة مشفوعة بالوكسة أن حصة السودان من تجارته العالمية 10% فقط، بسبب التهريب والاحتكار! ومما يورث الْهَمّ مُدْغَمًا في الغمّ أن إمكانيات الغابات تتيح إنتاج نصف مليون طن سنويًّا، ولكنّ السودان لا ينتج منه سوى 120 ألف طنّ وحسب!

المخرج على المستوى الرسميّ

لماذا لا تفكر أمتنا العربية والإسلامية خارج صندوق النظام الدوليّ؟ لماذا لا تبادر بعض الدول متضامنة بالذهاب إلى هناك؟ والقبض بقوة على مقاليد الأمور، وإنهاء هذه الحالة من الفوضى والاحتراب، وتسليم البلاد إلى شعبها ليختار بنفسه من يحكمه، ثم التعاون في استثمار خيرات البلاد لصالح أهلها ولصالح المسلمين، أليس بإمكانها أن تفعل هذا؟ أليس ميثاق جامعة الدول العربية واتفاقية الدفاع المشترك يشتملان على ما يهيئ لمثل هذا أو على الأقل لما يقرب منه؟ لماذا التنافس من البعض على النهب والسلب والعداء بدلًا من التعاون من الكلّ على الإصلاح والبر والرخاء؟! لماذا لا تسعين أرض السودان الخصبة بعقول مصرية وخبرات شامية وعراقية ويمنية وسواعد عربية وإفريقية وأموال خليجية لخير الجميع، ولماذا قبل ذلك لا تتحالف جيوش عربية وإسلامية على التدخل لفضّ ذلك النزاع الذي يحرق البلاد ويبيد العباد؟ أليست الآية الكريمة تخاطبنا نحن؟: {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ}، فإن لم نفعل فأضعف الإيمان أن نكفّ عن دعم الباغي الذي لا يرقب في السودانيين إلًّا ولا ذمة؟ إلى متى تنظر الشعوب إلى حكوماتها فتراها لا تتحرك بإرادتها صوب ما فيه حلٌّ لمشكلاتها ومشكلات شعوبها؟

المخرج بشكل مختلف

لا يستطيع المرء إذا تأمل هذا الوضع الذي بيَّنَّاه عن السودان آنفًا، ثم تابع أخبار ما يجري وعلم حجم المصاب، ثم رأى على “السوشيال ميديا” مشاهد الإبادة والإذلال لشعب أعزل لا ناقة له في الحرب الدائرة ولا جمل، لا يستطيع أن يُقنع نفسه بأنّه ينبغي عليه أن ينخرط في حياته متجاهلًا تلك المآسي التي لم تعد توصف، فلا ريب إذَنْ أن شعب السودان ينتابه مئات أضعاف ما ينتابنا، لذلك أرى أن الواجب عليه إذْ تخلت الدول العربية والإسلامية عنه وإذْ تآمر عليه بعضُها أن يدافع عن نفسه وعِرضه وماله وولده، وأن يتسلح بما يدفع به الصيّال على حُرَمِهِ، كما يجب أن يتعاون أهل السودان على ذلك، وأن يشكلوا مقاومة شعبية أو دفاعًا شعبيًّا، وحبَّذا لو تقدم لقيادتهم أهل الصدق والوعي منهم، ولا يوالوا هذا ولا ذاك من الفريقين، فإن فعلوا ذلك حازوا الرشد وأحرزوا المجد، فمن مات منهم مات شهيدًا ومن عاش عاش عزيزًا حميدًا، وإن لم يفعلوا فليس سوى (الشتات)، وأين سيكون هذا (الشتات)؟ في بلاد لم يبق لأهلها حتى الفتات، وتاريخ الإنسانية مترع بالأمجاد، وما الأمجاد إلّا ثمرة من ثمرات مقاومة الظلم ودفع البغي، فيا أهل السودان جددوا الإيمان، واستعينوا بالديّان، ولا تركنوا لعميل أو جبان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق