إضاءات منهجية سياسية حركية،
ماذا يعني لك عقم الأمة تجاه فلسطين؟
فلسطين تذبح اليوم من الوريد إلى الوريد فأين أمة التوحيد؟
لا شك بأن الأمة وشعوبها حاضرة وعواطفها ملتهبة وهي مجيشة وولاؤها للأقصى وفلسطين غير منقوص، ومن لم ير ذلك فهو أعمى وأحمق أو أناني وصاحب شهوة سياسية وارتباطات خفية!
فلماذا تعجز شعوب الأمة عن إحداث تغيير في ميزان الصراع في أسمى وأعلى قضايا العرب والمسلمين تأثيرا؟
الجواب السهل والسريع -وهو صحيح- هو اتهام الأنظمة العربية ودولها الوطنية وأجهزتها الأمنية التي كانت منذ نشأتها وحتى اليوم وكيلة عن المحتلين، وخادمة للغرب، وطالبة ود أمريكا ورضا إسرائيل؟
فما هو الجديد؟
الجديد هو الجواب الصعب والممتنع الذي يمعن النظر في ذواتنا ومشاريعنا العربية والاسلامية ليكتشف أن سبب عجز الأمة هو ليس تنكر ولا خذلان الشعوب، بل هو غياب مشروع حقيقي يجمع الأمة وينطلق من حقيقة وحدتها الثقافية ويسعى لاستعادة وحدتها السياسية خارج التصورات المأزومة القطرية، وهي الثغرة الكبرى المسؤولة عن استباحة المحتلين لدمائنا في فلسطين.
وإذا كنا حقا بلا مشروع يعبر عن الأمة وثقافتها ويسعى لتحقيق وحدتها السياسية.. فأين إذن هي حركات التغيير العربية والإسلامية؟
نعم الحركات العربية والاسلامية متواجدة في معظم الساحات ولكن يشغلها أمرين :
1/ فإما تفعيل الاقتتال بين الأشاعرة والسلفية بهدف استنفاذ وهدر الطاقات العقلية، وتبديد الجهود الاصلاحية، وخلق آلية احتراب داخلية وذاتية.
2/ وإما أنها تصل الليل بالنهار لتحصيل مكاسب سياسية حزبية من خلال اللقاء والتفاهم مع وكلاء المحتل في الدولة الوطنية تحت عناوين اصلاحية مخادعة تخفي شهوة السلطة الخفية، أو تسعى لتموضع سياسي في بقعة جغرافية غير آخذة بالاعتبار مصالح ومفاسد في حق الأمة، ضاربة بعرض الحائط أحكام دين الله ومبدعة أحكام دين جديد عنوانه ابن تيمية والماوردي وابن الجوزية، ومضمونه ابن المجوسية وابن اليهودية وابن الصليبية، وكل ذلك حتى تتألق كحركة أو كحزب أو كجماعة سياسية، متجاوزة آثامها وكبائرها السياسية، ومروجة بين قطيع أتباعها أنها لو زالت فانه لن يعبد الله من بعدها في الأرض، ولن يخلص الأمة من الموت غرقا سواها أحد !
وبكلمة فإننا لابد أن نعترف أمام شعوب الأمة بأننا لا نملك مشروع تغيير وتحرير قويم حر وسليم، وإنما هي محاولات لجماعات قاصرة في مناهجها معوجة في بوصلتها السياسية مغرورة ومغترة عن جهل في كثير من قياداتها القاصرة والمراهقة، ولذلك فإن دماءنا تسيل في فلسطين اليوم كما بالأمس بلا رصيد حقيقي يصنع التحرير، تماما كما سالت في مصر والعراق واليمن وسورية دون أن تحقق التغيير!
فهل بعد كل هذا الهدر تكون التوبة الشاملة والعميقة والجادة واجبة في حقنا ودين في رقاب قياداتنا؟ أم أن التوبة لا تجوز إلا في حق صحابة رسول الله المعدلين بنص القرآن الكريم؟
لن تفلح كل تجاربنا الحالية -وهي لم تفلح أصلا خلال قرن- إذا لم نستمع لكلمة الله فنتوب ونؤوب إليه، وذلك بالشكل الذي ينعكس عمليا على أخلاقنا وتفكيرنا وسلوكنا وخطواتنا في الحقل العربي والاسلامي، وما لم تتواضع قياداتنا المتنفذة الجاهلة والمغرورة، فتستمع متهمة نفسها بالنقص طالبة حقيقة النصح والهداية، فستبقى تجاربنا القادمة كما هي الحالية والسابقة.
وإن أول أمارات السوية في حركات التغيير الاسلامي هو المفاصلة والابتعاد عن مشاريع الباطل وقوى الكفر والمشاريع المعادية لله والدين والأمة، سواء أسمت نفسها مشاريع إصلاح نهضوية أم مشاريع نهضة قومية عربية أو أسمت نفسها مشاريع تنوير غربية أو حتى مقاومة وتحرير وهي ترتبط وتدور في فلك الثعابين السامة الملالي الايرانية.
وإن الشعوب العربية والاسلامية التي يلعنها البعض ويصفها بالتخاذل هي التي أهملتها وزبلتها واستبدلتها حركات التغير والتحرير الحالية وذهبت تشمشم روائح الامكانيات والنفوذ والسلطة متزلفة للسلاطين ومتلطفة مع الأجهزة السيادية والأمنية لعلها تنال موقعا معها والى جانبها، فوقعت في الفخ وبقيت شعوب الأمة هائمة على وجهها بلا مشروع وبلا رأس سوية تقودها على الصراط الموصل للنصر والتمكين بالمعنى والشكل الذي أراده الله، وليس المعنى وال show الذي تشتهيه القيادات الدونية.
مضر أبو الهيجاء فلسطين-جنين 28/5/2024
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق