الثلاثاء، 11 يونيو 2024

حماس تهزم “إسرائيل” في مجلس الأمن

حماس تهزم “إسرائيل” في مجلس الأمن
عامر عبد المنعم


كما نجحت المقاومة الفلسطينية في هزيمة الاحتلال عسكريا، وتكبيد الجيش الإسرائيلي خسائر ضخمة في المعدات والأرواح، حققت حركة حماس إنجازا سياسيا كبيرا في مجلس الأمن، وأجبرت الولايات المتحدة على التراجع، بعد فترة طويلة من المراوغة والخداع، واضطرت إلى إعادة صياغة المشروع الذي قدمته لمجلس الأمن بما يتوافق مع مطالب الفلسطينيين.

وافق مجلس الأمن بأغلبية 14 دولة وامتناع روسيا على قرار ينص على وقف فوري تام وكامل لإطلاق النار، وانسحاب كامل للقوات الإسرائيلية من القطاع، وعودة النازحين إلى ديارهم في جميع مناطق غزة؛ بما في ذلك الشمال والتوزيع الآمن والفعال للمساعدات الإنسانية على نطاق واسع في جميع أنحاء القطاع.

استجابة لمطالب بعض الدول المهمة والمؤثرة جاء في القرار أن “المجلس يكرر تأكيد التزامه الثابت برؤية حل الدولتين”، ويشدد في هذا الصدد على “أهمية توحيد قطاع غزة مع الضفة الغربية تحت السلطة الفلسطينية”، وهو القرار الذي تؤيده الدول العربية ودول في أوروبا وأمريكا اللاتينية، ويرفضه نتنياهو وقادة الأحزاب الإسرائيلية العلمانية والدينية.

فور صدور قرار مجلس الأمن أصدرت حماس بيانا رحبت فيه بما صدر، وأكدت أن “حركة المقاومة الإسلامية حماس ترحب بما تضمنه قرار مجلس الأمن”، وقالت إن “الحركة تود التأكيد على استعدادها للتعاون مع الإخوة الوسطاء للدخول في مفاوضات غير مباشرة حول تطبيق هذه المبادئ التي تتماشى مع مطالب شعبنا ومقاومتنا”.

وجاء رد حماس السريع لقطع الطريق على الدعاية الأمريكية التي تزعم أن حماس هي التي ترفض وقف الحرب، وقد مارست إدارة بايدن ضغوطا علنية وسرية على الحركة للقبول بالمبادرة قبل تعديلها، وتجاهل البيت الأبيض أن رئيس الوزراء الإسرائيلي هو الذي يرفض وقف الحرب، ولم يوافق على ما طرحه بايدن، بل كان رفض نتنياهو سببا في تفكك مجلس الحرب الإسرائيلي!

أمريكا تتراجع تحت الضغط

صدور قرار من مجلس الأمن بوقف الحرب لا يعني أن الإدارة الأمريكية ستلتزم وتضغط على الإسرائيليين، لتنفيذ ما تضمنته المراحل الثلاث التي تم تفصيلها، فقد صدرت قرارات من مجلس الأمن والأمم المتحدة والعدل الدولية والجنائية الدولية بوقف الحرب وإدخال المساعدات ومنع اجتياح رفح ولكن لم تلتزم بها إسرائيل، ولم تحترم الولايات المتحدة أي قرار، بل بالغت في دعمها للإسرائيليين بتهديد أعضاء الجنائية الدولية وتوقيع عقوبات عليهم.

التراجع في الموقف الأمريكي، والموافقة على وقف الحرب والمطالب الفلسطينية جاء بعد 9 أشهر من الدعم اللا محدود للعدوان الإسرائيلي، والدفاع عن جرائم الإبادة في غزة وإعطائها الوقت والمشروعية، وحماية مجرمي الاحتلال في الساحات الدولية، بل ومواصلة إمداد الجيش الإسرائيلي حتى الآن بكل الأسلحة والقنابل التي تستخدم في تدمير القطاع وقتل الفلسطينيين.

لقد خسرت أمريكا سمعتها، وفشلت خدعة بايدن بـ”الهدنة المؤقتة” وعدم النص على الوقف الفوري والتام للعدوان، وكذلك عدم الانسحاب الإسرائيلي من كل قطاع غزة، والتركيز فقط على تحرير الرهائن ثم عودة العدوان لإزالة حكم حماس، فقد عجز الجيش الإسرائيلي عن تحقيق “الانتصار الساحق الماحق” الذي كان يهذي به نتنياهو، وتصاعدت الضغوط الداخلية واتهام بايدن بالمشاركة في الإبادة وتراجع شعبيته وصعود مؤشرات هزيمته في الانتخابات القادمة.

وكما فقدت إسرائيل “الردع” منذ السابع من أكتوبر 2023 فقدت أمريكا سمعتها ومكانتها العسكرية، ولم تعد تخيف أحدا كما كانت من قبل، فقد ثبت عجزها عن حماية الملاحة في باب المندب ونجح الحوثيون في إعاقة حركة السفن، بل وبدؤوا خلال الأسابيع الأخيرة يوسعون من حجم الاستهداف ليشمل المدمرات وحاملات الطائرات الأمريكية وفرض واقع جديد أثر في حركة التجارة العالمية.

ولم تستطع أمريكا منع اشتعال الجبهة الشمالية واستطاع حزب الله رغم الحسابات حول حجم التصعيد إشعال الجبهة الشمالية، وأظهر مؤخرا أسلحة جديدة أكدت أن توسيع الحرب مع لبنان ليس في صالح الاحتلال وسيكون مدمرا للشمال والوسط الإسرائيلي، فلديهم أسلحة حديثة وطائرات مسيّرة لا ترصدها منظومات الدفاع الجوي، وصواريخ قادرة على إحداث دمار هائل.

الخداع الأمريكي لن يتوقف

تعديل الموقف الأمريكي جاء بعد التأكد من استحالة تحقيق الأهداف الخيالية التي وضعوها منذ بداية العدوان، وجاء القبول بوقف الحرب لإنقاذ الاحتلال من الانهيار، فالجبهة الداخلية ممزقة، والجيش منهك يتلقى الضربات المميتة، وما تبثه كتائب القسام وسرايا القدس يوميا من لقطات الفيديو عن العمليات العسكرية يؤكد الحجم الهائل للخسائر التي يتعرض لها الإسرائيليون، الذين يتكتمون على خسائرهم، وأخيرا تفكك مجلس الحرب وتصدعت الحكومة الإسرائيلية؛ مما يشير إلى قرب الانهيار الكامل.

لكن التراجع لا يعني التنازل عن كل الأهداف التي يتفق عليها الأمريكيون والإسرائيليون، فقبولهم بوقف الحرب والانسحاب من القطاع -تحت الضغط- لا يعني قبولهم ببقاء حماس تحكم غزة، فسيحاولون زرع الفتن ونشر الفوضى لتمرير “خطط اليوم التالي للحرب” من خلال المساعدات والإعمار، والضغط على الدول العربية “تحالف أبراهام” للمشاركة في تشكيل سلطة عميلة لمحاربة حماس والمقاومة الفلسطينية.

لن يأخذوا بالخداع والمكر السياسي ما فشلوا في تحقيقه بالنار

سيحاولون إفساد كل المراحل ولن يمرروا الموافقات بسهولة فهذا دأبهم، وسيعطل الإسرائيليون المفاوضات بكل الافتراءات والمزاعم، وسيوفر لهم كيربي وبلينكن وبايدن الغطاء الإعلامي لإظهار حماس متعنتة، لكن تبقى الحقيقة التي فرضتها المعركة أن ما فشلوا في تحقيقه بالقوة النارية لن يحققوه بالخداع والمناورات والسياسية.

إن أفلتت المفاوضات في المراحل كما وردت في قرار مجلس الأمن من العراقيل المتوقعة فلن يبقى لهم غير المكر السياسي في ملف المساعدات والمعابر والإعمار، واستخدام عناصر من السلطة الفلسطينية المتعاونة مع الإسرائيليين لتفجير غزة من الداخل، باصطناع طابور من العملاء، ويغريهم بعض القادة العرب بالمشاركة في هذه الخطط، لكن حماس والمقاومة التي انتصرت على الاحتلال بكل ما يمتلكه من أسلحة لن تقف أمامها حفنة من الخونة.

لقد هزمت الولايات المتحدة في هذه المعركة، فهي لم تستطع مساعدة الإسرائيليين على تحقيق النصر أمام قطاع صغير محاصر منذ عقدين، ولم تستطع استعادة الهيبة التي خسرتها منذ الانسحاب من العراق وأفغانستان، وحتى صورتها الأخلاقية والحضارية انهارت، ولن تستطيع النخبة الأمريكية المتصهينة التطهر من رجس الإبادة الجماعية، التي شاهدتها شعوب العالم على شاشات التلفاز على مدار تسعة أشهر، وفي مقدمتها الشعب الأمريكي.

الخطط الأمريكية عن “اليوم التالي للحرب” مصيرها سلة المهملات، وستكون نهاية مراكز الدراسات الأمريكية التي يحركها اللوبي الصهيوني، والتي وضعت أهدافا غير واقعية وغير منطقية وغير أخلاقية، وظنوا أن غزة قطعة من الجبن يمكن تقطيعها بالسكين والتهامها وفق رغبة الإسرائيلي، لكن كان الدرس قاسيا وذاقوا ما لم يكونوا يتوقعون.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق