ألم يأن للعالم الإسلامي أن يتحرك؟
ها هو العدوان الإسرائيلي الغاشم على غزة يتجاوز يومه الـ245، وفي كل يوم يزداد مستوى الدناءة، وتنكشف للجميع آفة الصهيونية البلاء الذي ابتُليت به كل البشرية، تلك الأيدولوجية العنصرية الاستعلائية التي لا تراعي في أحد إلًّا ولا ذمة، ولهذا يجب التكاتف من أجل إيقاف ذلك الغول وإلا فسيعاني الجميع من وحشيته وظلمه.
بالطبع، الصهيونية لا تتعلق فقط بإسرائيل التي ليست سوى حلقة في المشروع الصهيوني الأكبر.
فالنظام الذي أنشأته أمريكا في العالم، للهيمنة على كل شيء، هو نظام احتلال يهدد الجميع تقريبًا ويسلبهم ما في أيديهم. وفي ظل هذا النظام، لا أحد آمن على ممتلكاته وحياته ودينه وعقله وذريته. والحقيقة أن غزة هي المكان الوحيد في العالم الذي لا يخضع للاحتلال، ولذلك فإن شعبها الحر يدفع ثمن مقاومته للاحتلال بأرواحه وكل شيء على أرضه.
نظام صهيوني بالأساس
إن النظام العالمي الذي يروجون له تحت ستار ما يسمى الحداثة هو في الأساس نظام صهيوني يضع الناس بين شِقَّي رحًى: إما أن تعيش في منطقة الراحة الضيقة وتتخلى عن عقلك وكرامتك وشخصيتك وحريتك وأمنك وأمن ذريتك، أي تكون خادمًا مطيعًا، وإما أن ترى مثل غزة ما سيحدث لك إذا خرجت عن ذلك الإطار. ولهذا فإن كل الحكومات القومية التي ظهرت في القرن العشرين وضعت لشعوبها أنماطًا معينة وعزلتها عن هوياتها وعقولها وحرياتها. خلعت الناس من حقيقتهم، وجعلتهم مسوخًا مسجونة في أنماط الهوية المستعارة، يعيشون عبيدًا لتلك الهويات وسجونها.
من يستطيع أن يقول إن ألمانيا اليوم هي ألمانيا؟ إلى أي مدى يمكن للألمان أن يقرؤوا ويفهموا كانت وهيغل وغوته وهايدغر؟ هل يمكن للألماني أن يفكر ويتصرف مثل الألماني الماضي؟
وهل اللعبة التي تمارَس اليوم في العالم الإسلامي مختلفة عن ذلك؟ فاليوم يبدو غريبا وغير منطقي تهافت دور العالم الإسلامي الذي يبلغ عدد سكانه مليارَي نسمة، في مواجهة ما يحدث من اعتداءات وتدمير وغطرسة وإذلال للإسلام والمسلمين، لكن الحقيقة أنه لا غرابة في ذلك اليوم ولا يقاس الأمر بالعدد. فرغم أن المسلمين كانوا قِلَّة في عصور الإسلام الأولى فإنهم تمكنوا من تغيير العالم بأسره على كافة الأصعدة، وأقاموا حضارة شهد لها القاصي والداني. وذلك حينما كانوا يدًا واحدة وهدفهم مشترك. فعندما يعود المسلمون إلى سابق عهدهم بالوحدة والأخوة الحقيقية، فلن تتمكن أي قوة من الوقوف أمامهم. وحتى تلك اللحظة لن يتغير الوضع ولو بلغوا 100 مليار.
الموقف الحاسم.. متى؟
فماذا ينتظر العالم الإسلامي لاتخاذ قرار مشترك؟! وقد تآكلت جثث الشهداء، وعبث بها الجنود الإسرائيليون المرتزقة الذين يقطعون رؤوس الأطفال ويحرقون الشعب في الخيام.
متى سيتخذ المسلمون موقفًا حاسمًا؟! متى سيحمي أعضاء منظمة التعاون الإسلامي إخوانهم وأخواتهم الفلسطينيين؟! سيحاسبنا الله تعالى جميعا على ذلك التخاذل.
لا أحد يستطيع أن يزعم أن منظمة المؤتمر الإسلامي ليس لديها نفوذ ولا يمكنها فعل أي شيء إذا أرادت ذلك.
ففي الواقع كان هذا هو السبب الحقيقي الذي دفع مؤسِّسَها الملك الراحل فيصل إلى تأسيسها. فحتى لو لم يتمكن المسلمون بعددهم الكبير، من أن يصبحوا دولة واحدة، وهم يحتاجون إلى ذلك، فبوسعهم على الأقل أن يتخذوا مواقف فعالة بشأن العديد من القضايا حولهم. فالخطوات التي يتعين اتخاذها على أساس “التعاون” بين الدول الإسلامية يمكن أن تجعل مسلمي العالم قوة مؤثرة لا يمكن تجاهلها.
وحينما تحركت منظمة التعاون الإسلامي خلال عامي 2017 و2018 ردًّا على الانتهاكات التي تعرضت لها غزة والقدس في تلك الأيام، وعقدت قمتين استثنائيتين في إسطنبول، فقد كان لها جانب مشرق ولو ضئيلًا، وهو الشعور الجمعي بالمسؤولية والتذكير بالروابط الإسلامية التي من المفيد إحياؤها والتذكير بها بطريقة أو بأخرى. ومن المهم أن تكون قضية غزة على جدول أعمال المسؤولين والدبلوماسيين في دول المنطقة أينما ذهبوا، ولا بد من تكثيف ذلك في كل المحافل الدولية.
لا ينبغي أن ننسى أن السياسة تعني أخذ زمام المبادرة. ولذلك تمثل منظمة مؤتمر التعاون الإسلامي فرصة عظيمة لتحويل مليارَي مسلم إلى قوة فاعلة بما لديهم من إمكانات غير محدودة باتخاذ المزيد من المبادرات للاستفادة من هذه الأرضية، وذلك بدلًا من تبادل التهم واللوم فيما بيننا، فإنه من الضروري تعبئة هذه المنظمة وكل المنظمات الداعمة للوقوف جنبًا إلى جنب بمصداقية وتجرُّد؛ لحل تلك المعضلة وإنقاذ أهل غزة الأحرار من هذا الظلم والإبادة الجماعية، وبالتالي إنقاذ البشرية كلها من هذه الصهيونية وشبكتها التي تكاد تهيمن على كل شيء وكأنها أخطبوط سام لا يرى شيئًا سوى مصلحته الخاصة مهما كلَّف الأمر.
برنامج التوسع الصهيوني
ودعونا نقلها بصوت عالٍ وواضح مرة أخرى: إن احتلال إسرائيل لفلسطين وهجماتها على غزة جزء من برنامج التوسع الصهيوني الذي يشمل مساحات واسعة من دول المنطقة في مرحلة ما. وتشكل مقاومة حماس خط الدفاع الأول في وجه الاحتلال وأذنابه من المنظمات الإرهابية التي تدعمها أمريكا وأوروبا. واليوم على الجميع أن يحددوا مواقفهم والجانب الذي سيكونون فيه حين ينجلي الغبار.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق