الأربعاء، 12 يونيو 2024

غزة.. وما زالت الإنسانية غائبة


غزة.. وما زالت الإنسانية غائبة

د. ياسين أقطاي
أكاديمي وسياسي وكاتب تركي

أمام أعين العالم، لا يتوقف الاحتلال الإسرائيلي المجرم بدعم أمريكي لا محدود عن ارتكاب جرائمه في كل أطراف غزة، وذلك رغم الاحتجاجات والمظاهرات المنتشرة في كل مكان بالعالم. وفي الواقع لم يعد بإمكان أحد أن يدعي تجاهل الإنسانية لهذه الوحشية، ففي كل مكان من الجامعات والشوارع والساحات وأماكن الحفلات الموسيقية، هناك احتجاجات غير مسبوقة تبث الأمل في الضمير البشري، وترفض هذه الوحشية. والحقيقة أن هذه المجازر بكل فظاعتها ووحشيتها ودناءتها، تُشعل جذوةَ الأمل في نفوس البشرية كلها.

ولكن من المؤسف ألا تنجح كل هذه الاحتجاجات والثورات والوقفات الرافضة لها، في وقف هذه القوة المتوحشة. 
لكنها وضعت النقاط على الحروف، وبات الجميع يعلم ما الذي يمكن أن يوقفها. 
فهناك هوة سحيقة بين الشعوب التي تمثل الاحتجاجات وبين حكومات دولها التي تعيش وكأنها في وادٍ وشعوبها في وادٍ آخر؛ حيث ترتفع الشعارات الجوفاء في الاستحقاقات الانتخابية ومواسم الديمقراطية التي لا تعدو مجرد وهم لخداع الشعوب، فكثير من الحكومات التي جاءت بانتخاب شعبي، ترضخ في مساحة من السكون الذي يقتضي عدم إصدارها أي صوت ضد جرائم الحرب العديدة التي ترتكبها إسرائيل وداعموها في فلسطين وخصوصًا غزة.


واليوم تأكد الجميع أن هذا الكيان لا يعرف سوى القوة التي تمثل السبيل الوحيد لإيقافه والتصدي لرعونته. ومن المخزي للبشرية كلها عدم تمكنها من اتخاذ أي خطوة فعلية لبناء تلك القوة لمواجهة المعتدين الذين يلقون الدعم غير المحدود من أمريكا صاحبة القوة العظمى في عالم اليوم. 
ولذلك لا يزال من يقفون في صف غزة يبحثون وهُم يتابعون على مدار الساعة ما يحدث بغضب ويطلقون صرخات الاحتجاج، عن بصيص أمل لحماية الشعب الغزاوي من هجمات إسرائيل الوحشية المستمرة ووقاحتها التي امتدت لتطال مخيمات اللاجئين في رفح التي هاجر إليها الناس باعتبارها ملاذًا آمنًا من الهجمات. 
وقد شاهد العالم أجمع، على الهواء مباشرة، احتراق الناس والأطفال والنساء في تلك المخيمات، ورأى الجميع أجساد الأطفال الممزقة المحترقة.

لو ارتكبت أي دولة عادية جريمة كهذه، لاعتُبرت جريمة ضد الإنسانية لبشاعتها وخستها، ولأثارت غضب العالم أجمع وتعرضت لشتى أنواع العقوبات. 
لكن إسرائيل لم تُحاسَب حتى الآن على جرائمها، وسلوكها الإجرامي، بل ما زالت تمارسها وكأنها حقٌّ مشروعٌ لها، ما دامت أمريكا وأوروبا لا ترى في هذه الجرائم البشعة ما يستدعي فرض أي عقوبات.

ولذلك يجب على العالم العربي والإسلامي أن يدرك جيدًا أنَّ كل قنبلة تسقط على غزة هي هجوم صارخ على شرفه وكرامته، وعليه ألا يركن إلى الضعف والخور بسبب معايير القوة العالمية، بل من الضروري رفع الأصوات ولم الشمل والاتحاد مع دول المنطقة المناهضة لهذا الظلم الذي لا يقتصر على غزة وحدها. 
وهم إن فعلوا ذلك لجعلوا أمريكا ومَن على شاكلتها يفكرون ألف مرة قبل تقديم الدعم غير المحدود لإسرائيل، ولما تصرفت إسرائيل نفسها بهذه الوقاحة والغطرسة لو انقطع الدعم الأمريكي عنها.

واليوم مع اغتيال أصوات القوى في العالم الإسلامي، فماذا سيحدث للمقاومة التي تدافع عن الإنسانية كلها في وجه الظلم والطغيان، أكثر مما تعاني منه منذ السابع من أكتوبر 2023؟!

ها هو عدد المسلمين يتجاوز المليارين، لكنهم يتركون غزة وحماس وحدهما دون دعم يُذكَر؛ للدفاع عنهم في وجه المخططات الصهيونية، وحال بعضهم الانتظار بفارغ الصبر أن تبيد دولة الإرهاب الإسرائيلية المقاومة وحماس؛ ليصبحوا هم أيضًا في مأمن من أي حركة مقاومة؛ خشية أن تمتد هذه الروح الطامحة في الحرية والاستقلال الحقيقي إلى بلادهم.

كل دقيقة تمر على غزة وحماس اليوم تؤكد أنها تُمثل حماسةَ العرب وعدالةَ المسلمين وضميرَ الإنسانية. فلا فائدة من التباكي على أحد ممن أصابهم الوهن الذي حذر منه النبي محمد صلى الله عليه وسلم، بل يجب التركيز على تفعيل دور الوحدة الإسلامية وتنظيم قوة المسلمين الحقيقية لتصير دافعًا يعيد للأمة كرامتها، وللعالم الإسلامي سابق عهده قبل أن تغرس هذه النبتة الخبيثة في قلبه. 
ومن ثم تنهض الأمة كلها على قلب رجل واحد للتخلص مما ابتليت به منذ أكثر من 75 عامًا، وتستعيد مكانتها وريادتها للحضارة الإنسانية في الشرق والغرب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق