حقبة ترامب لن تتوقف عنده
د.صفوت بركات
ومن المهم أن نعترف أن إزاحة ترامب عن صدارة السلطة بأمريكا لن يغير من الأمر شىء بل سيعجل بما هو اسوء إذ ترامب عنوان مختصر لحالة عالمية ومزاج شعبى متنامى فى الغرب اسوء من ترامب وما يحمله من شعارات ديموجوجية مع عودة المكارثية ونشر كتاب كفاحى لهتلر والذى أعيد نشره بعد حظر سبعين عام ولابد ان نعلم أن هذه الحقبة ستشهد مثل ما وقع فى التاريخ ولكن بصورة أسوء إذ الحضارة الانسانية اليوم أكثر هشاشة ووسائل تدميرها سهلة يسيرة ومتوفرة بكل يد لمن شاء حتى سفلة المجتمعات ولكنها اليوم كاشفة عن حكمة قاطعة أن اليمين الاقتصادى اى مذهب المحافظين فى الاقتصاد والمسمى يمين اصطلاحا ليس منبت الصلة بالعنصرية واليمين الهوياتى وليس كما كان يشاع انه مذهب اقتصادى واجتهاد متحفظ فى الاقتصاد والادارة ....
البعض لا يعلم أن الحضارة البشرية موجات ولكل موجة سمة , وقيم ومعالم ومسار تحاول تحقيقه والجولة الآفلة كانت العولمة وقيمها الحرية لإنتقال الافكار والاموال والسلع والخدمات ...
ولكن تلك الحقبة قصرت رفاهيتها وعدالتها على رقعة جغرافية دون رقعة مما ساهمت فى دخول المظلومين والفقراء للعولمة هربا عبر الجنوب والشرق للشمال والغرب وتم الترحيب بهم فى بادئ الأمر ولكن بسبب الازمة الاقتصادية كانوا عبأ على حساب السكان الاصليين والقدامى من المهاجريين,والذين بلغ تعدادهم 55مليون لاجئ ثم جاء الربيع العربى والذى حولته الثورات المضادة لجحيم وأشعلته النظم الأقليمية الملكية والقوى العظمى لحدائق خلفية لتصفية حساباتهم مع بعضهم وفرض النفوذ مما أظهر فشل النظام الدولى ومجلس الأمن والمؤسسات الأممية فى معالجة الأزمات المتتالية فظهرت سوءات العولمة والتى لم تكن عادلة فى بسط قيمها على كامل الجغرافيا وتركت مهمشين تحت وطئة الظلم والفقر فى ظل عالم أصبح فى حكم القرية الواحدة بسبب ثورة الاتصالات وتكنولوجيا الصورة الحية والمباشرة وهو ما ساهم فى دخول الفقراء والاجئين من هول الحروب العولمة قهرا دون رغبة من الدول المضيفة لهم فكان اليمين الذى عاش على هامش العولمة وكاد ينحسر إذ به ينشط وتنشطه التشريعات القانونية والتى تمس حقوق العمال وساعات عملهم ومدخيلهم وكل ما يمس حياتهم شيئا فاشىء مما جعل لليمين حجج حقيقية يعيد نفسه للشارع والفضاءات مرة ثانية حاملا شعار وقيم الهوية وباعث لها وبدأ بخروج انجلترا من الاتحاد الاوربى ثم تبعه اليمين الشعبوى والعشوائى الترامبى بأمريكا ...
و بسبب النظرية السياسية للعولمة والتى لم تكون عادلة فى توزيع ثمراتها ومكاسبها على كامل الجغرافيا العالمية وفشل النظام الدولى ومؤسساته نشئت على هوامشها أزمات من جنسها ويرفض العالم مواجهتها هى بذاتها أو يعيد النظر وهى عولمة الفقراء والذين وجدوا الطريق للجوء والهجرة هى رد الفعل الطبيعى والذى تسمح به حرية الانتقال للبضائع وفقط والافكار والسلع والخدمات والثروات ..
واليوم العالم يستتر بإجترار أزمة الهوية ليواجه الفشل فى النظرية السياسية والنظام الدولى
وعندما تشتعل معارك الهوية ويستدعيها مرة أخرى فى هذه الموجة ..وحين وتبدا معركة الهوية وفى رأس النظام أو القوة الأولى فيه والتى حكمته لنصف قرن أو يزيد تجد طريقها إلى كل توابعه والمناطق التى تواجه نفس العلة و تصطحب الدين والعقيدة والعرق وتكون ضحايها بالملايين واليوم الخوف من وقوع فعل ارهابى سيستدعى رد شعوبى وليس قاصر على السلطات والمؤسسات الأمنية وفقط بفعل المناخ العام خطر أكيد وحقيقى وكان لابد من صناعة رأى عام مقاوم قبل وقوع المحظور...
وكما كانت موجة العولمة فى قمتها هدمت سور برلين ثم كانت معاهدة التجارة الحرة وغيرها من معاهدات وأصبح العالم كالقبائل يتعارف ويتفاضل بقدر اسهام كل قبيلة فى سد الحاجات والتنافس فى حرب البشر مع الجهل وفك اسرار الكون وتسخيره لكنوزه وتفعيل البحث العلمى ثم انقلب بسبب الهوامش وضحايا تلك العولمة والتى تجنبتهم منظومة العدالة ولم تأبه لهم وقصرت العدالة على رقعة جغرافية دون رقعة اخرى وجنس دون جنس وملة وعقيدة دون عقيدة وبسبب تعارض المصالح سستكون هناك موجة والتى بدأت فعليا بحقبة ترامب وهذه سمات الموجات واتجاهاتها ولهذا حذرت من زمن مستشرفا وقوعها من عام 2012 وستفضى للاسف لمنظور اسوء بإنتقال ثقل العالم إلى الصين وهى منظومة تحول البشر لآلات مما سيجعل المستقبل مظلم بكل المعانى والتصورات ...
لماذا يستنهض صناع الرأى والفكر وعلماء الاجتماع بعضهم لمواجهة ترامب
لا يظنن أحد أن حرب الهوية ستستهدف المسلمين فقط فهى البداية وستشمل ملل أخرى وأعراق وأجناس أخرى وستصبح حروب الهوية كل هوية ضد الأخرى لأن حروب الهويات ستجعل العالم كله ساحة للحرب ولن يستثنى منها جنس أو عرق أو دين ولأنها أيضا تغذى العنصرية ولأنها لا تحل معضلات النظام الدولى الآنية ولا تواجه الأزمات الحالة الآن فعليا بل هى انحراف عن الحقيقة الثابتة والدامغة والتى هى غياب بسط العدالة فى توزيع منجزات العولمة على كامل الجغرافيا الكونية بكل قيمها وإفساح الفضاء المحايد والعادل والمنصف لتدافع الشعوب فى فضاءات أمنة للأفكار والسلع والخدمات وضمان حرية انتقال الأفراد كأنتقال الأموال
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق