علمتنا سورة الكهف
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول ﷲ، أما بعد:
– تعلمنا سورة الكهف؛ أن البلاء إذا اشتد، والكرب إذا اسود، وزادت المحن، فالمسلم يحتاج إلى أن يأوي إلى عاصم يعصمه من ذلك، كما أوى الفتية إلى الكهف.
– وتعلمنا سورة الكهف؛ أن الفتن إذا توحشت، وبلغت أعالي الجبال؛ فالمسلم محتاج أن يقرأ أولها، كما ثبت في مسلم.
– وتعلمنا سورة الكهف؛ أن الطريق إذا أظلم بالشبهات والشهوات فالمسلم محتاج إلى نور، كما في حديث أبي سعيد: ﻣﻦ ﻗﺮﺃ ﺳﻮﺭﺓ اﻟﻜﻬﻒ ﻓﻲ ﻳﻮﻡ اﻟﺠﻤﻌﺔ ﺃﺿﺎء ﻟﻪ ﻣﻦ النور ﻣﺎ ﺑﻴﻦ اﻟﺠﻤﻌﺘﻴﻦ “، هذا لفظ الحاكم والبيهقي، ولفظ الدارمي: «ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻴﻨﻪ ﻭﺑﻴﻦ اﻟﺒﻴﺖ اﻟﻌﺘﻴﻖ»،
ولقد نزلت سورة الكهف بمكّة، وقد اشتدّ على النبي ﷺ الأذى، وزاد على صحابته البلاء.
– وتعلمنا سورة الكهف كما علمتنا سورة يوسف؛ ما للقصص من أثر في التربية الإيمانية، والأسوة الدينية، ولذا كانت أكثر مواضيع سورة الكهف قصصا، قصة أهل الكهف، ثم صاحب الجنتين، ثم قصة موسى والخضر، ثم قصة ذي القرنين.
– وتعلمنا سورة الكهف؛ أن القرآن نعمة من أعظم النعم تستوجب شكرًا، قال سبحانه في أوّل السورة: {ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِیۤ أَنزَلَ عَلَىٰ عَبۡدِهِ ٱلۡكِتَـٰبَ}، فالقرآن هو النور الذي يحمي من الفتن.
– وتعلمنا سورة الكهف أن القرآن ميزان يقيم به كل شيء، توزن به الأفكار والمعتقدات والأفعال والأخلاق، قال سبحانه: {وَلَمۡ یَجۡعَل لَّهُۥ عِوَجَا قَیِّمࣰا}.
– وتعلمنا سورة الكهف؛ ألا نحزن ولا نأسى على صاحب الضلالة، قال سبحانه: (فَلَعَلَّكَ بَـٰخِعࣱ نَّفۡسَكَ عَلَىٰۤ ءَاثَـٰرِهِمۡ إِن لَّمۡ یُؤۡمِنُوا۟ بِهَـٰذَا ٱلۡحَدِیثِ أَسَفًا)، فالله قد جعل الحياة فتنة.
– ولذا تعلمنا سورة الكهف، (ﺇﻥ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﺣﻠﻮﺓ ﺧﻀﺮﺓ، ﻭﺇﻥ اﻟﻠﻪ ﻣﺴﺘﺨﻠﻔﻜﻢ ﻓﻴﻬﺎ، ﻓﻴﻨﻈﺮ ﻛﻴﻒ ﺗﻌﻤﻠﻮﻥ، ﻓﺎﺗﻘﻮا اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭاﺗﻘﻮا اﻟﻨﺴﺎء)، قال ﷻ (إِنَّا جَعَلۡنَا مَا عَلَى ٱلۡأَرۡضِ زِینَةࣰ لَّهَا لِنَبۡلُوَهُمۡ أَیُّهُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلࣰا).
– وتعلّمنا سورة الكهف أنَّ المؤمن يبتلى ليمتحن صبره، وشكره:
• فقصة أهل الكهف ابتلوا ابتلاء الصبر.
• وقصة صاحب الجنتين ابتلي ابتلاء الشكر.
• وقصة موسى مع الخضر كانت قصة من قصص ابتلاء الصبر.
• وقصة ذي القرنين، كانت قصة من قصص ابتلاء الشكر.
– وتعلمنا سورة الكهف أنه ليس شيء عجيب في خلق ﷲ بالنسبة إلى قدرة ﷲ العظيم: (أَمۡ حَسِبۡتَ أَنَّ أَصۡحَـٰبَ ٱلۡكَهۡفِ وَٱلرَّقِیمِ كَانُوا۟ مِنۡ ءَایَـٰتِنَا عَجَبًا)، والإنسان يعجب من كل ما لم يعتد عليه، ولم يجر على ما عهده، وإلّا فإنَّ خلق السموات والأرض، وزينة الدنيا، ثم جعلها جرزا، أمر عجيب، فليست ﻗﺼﺔ ﺃﻫﻞ اﻟﻜﻬﻒ ﻣﻨﻔﺮﺩﺓ ﺑﺎﻟﻌﺠﺐ ﻣﻦ ﺑﻴﻦ اﻵﻳﺎﺕ اﻷﺧﺮﻯ.
– علمتنا سورة الكهف أنَّ الصراع بين الحق والباطل صراع تاريخي، فلقد كان الفتية في مجتمع جاهلي شركي، كمجتمع مكة.
– وعلمتنا السورة المريمة أن أول ما يدفع به المؤمن الفتن والبلاء؛ أن يلجأ إلى ﷲ بالدعاء:
(فَقَالُوا۟ رَبَّنَاۤ ءَاتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحۡمَةࣰ وَهَیِّئۡ لَنَا مِنۡ أَمۡرِنَا رَشَدࣰا).
– وتعلمنا سورة الكهف: أن من أقبل على ﷲ أقبل ﷲ عليه، (نَّحۡنُ نَقُصُّ عَلَیۡكَ نَبَأَهُم بِٱلۡحَقِّۚ إِنَّهُمۡ فِتۡیَةٌ ءَامَنُوا۟ بِرَبِّهِمۡ وَزِدۡنَـٰهُمۡ هُدࣰى)، فمن أدار ظهره للدنيا وفتنتها وأقبل على ﷲ آتاه الله كل خير.
– وتعلمنا سورة الكهف: أن المؤمن في معركته مع الباطل، ومواجهته للشرك، محتاج مع الهداية إلى سكينة القلب، يعوزها سكينة القلب، وطمأنينة الفؤاد، وشجاعته، ولذا قال ﷲ عن نبيه ﷺ: (إِذۡ هُمَا فِی ٱلۡغَارِ إِذۡ یَقُولُ لِصَـٰحِبِهِۦ لَا تَحۡزَنۡ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَاۖ فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِینَتَهُۥ عَلَیۡهِ وَأَیَّدَهُۥ بِجُنُودࣲ لَّمۡ تَرَوۡهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ ٱلسُّفۡلَىٰۗ وَكَلِمَةُ ٱللَّهِ هِیَ ٱلۡعُلۡیَاۗ وَٱللَّهُ عَزِیزٌ حَكِیمٌ).
– وتعلّمنا سورة الكهف حقيقة الدنيا، وحقيقة فتنتها، فمن قوله تعالى: (إِنَّا جَعَلۡنَا مَا عَلَى ٱلۡأَرۡضِ زِینَةࣰ لَّهَا لِنَبۡلُوَهُمۡ أَیُّهُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلࣰا )، ينتقل السياق إلى قوله: (وَإِنَّا لَجَـٰعِلُونَ مَا عَلَیۡهَا صَعِیدࣰا جُرُزًا)، ومن أوتي هذه البصيرة في الدنيا لم يفتن بها، وكان في عصمة من فتنة الدجال، وهذا هو الذي جرى مع فتية الكهف، الذين لم تغرهم الدنيا بزينتها، فجافوها في ذات ﷲ.
ولذا تكرر ذكر الزينة في ثلاثة مواطن فيها.
– وتعلمنا سورة الكهف، أن المؤمن يجب ألا يخضع لظروفه، ولكن لينطلق ليبحث عن الحلول، فإن تلفتية لم يظلوا واقفين دون حركة وجهد وبذل.
– وتعلمنا سورة الكهف أن الرفقة الصالحة، والكتاب الهادي، مما يعين على اعتزال الباطل وأهله، (أَمۡ حَسِبۡتَ أَنَّ أَصۡحَـٰبَ ٱلۡكَهۡفِ وَٱلرَّقِیمِ كَانُوا۟ مِنۡ ءَایَـٰتِنَا عَجَبًا)، والرقيم هو الكتاب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق