السيسي والأزهر وقانون الزواج الجديد
قطب العربي
منذ العام 2016 فتح المشير عبد الفتاح السيسي معركة تجديد الخطاب الديني، وكان أحد نقاطها الحساسة عدم الاعتداد بالطلاق الشفهي، بدعوى مواجهة ارتفاع حالات الطلاق في مصر والتي ينجم عنها مشاكل اجتماعية كبيرة، لكن الأزهر تصدى مبكرا لتلك المحاولات، وأصدرت الهيئتان الكبيرتان في الأزهر واللتان يترأسهما شيخه الدكتور أحمد الطيب (هيئة كبار العلماء ومجمع البحوث الإسلامية) بيانين مطلع العام 2017 أكدتا فيه وقوع الطلاق الشفهي شرعا، ما اعتبره النظام موقفا مناوئا له.
حاول السيسي كثيرا خلال السنوات القليلة الماضية دفع الأزهر ترغيبا وترهيبا للعدول عن موقفه دون جدوى، فعمد إلى استخدام عضلاته التشريعية والتنفيذية مؤخرا لسن قانون جديد لا يعتد بالطلاق الشفهي، على خلاف الموقف الشرعي الذي أثبته الأزهر والذي أصدر بيانا جديدا قبل ثلاثة أيام فقط؛ جدد فيه تمسكه بموقفه وتنصل من أي قانون يصدر دون موافقته.
تضمن البيان الجديد للأزهر تأكيدا "للرأي الشرعي الثابت من وقوع الطلاق الشفوي المكتمل الشروط والأركان، والصادر من الزوج عن أهلية وإرادة واعية، وبالألفاظ الشرعية الدالة على الطلاق، وهو ما استقر عليه المسلمون منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم، حتى يوم الناس هذا".
كما أعاد الأزهر "التحذير من الاستهانة بأمر الطلاق، ومن التَّسرع في هدم الأسرة، وتشريد الأولاد، وتعريضهم للضياع وللأمراض الجسدية والنفسية والخلقية، وأن يتذكر الزوج توجيهَ النبي صلى الله عليه وسلم أنَّ الطلاق أبغض الحلال عند الله، فإذا ما قرَّر الزوجان الطلاق، واستنفدت كل طرق الإصلاح، وتحتم الفراق، فعلى الزوج أن يلتزم بالتوثيق دون تراخٍ؛ حفظا للحقوق، ومنعا للظلم الذي يقع على المطلقة والأبناء في مثل هذه الأحوال".
وفقا للدستور المصري في مادته السابعة، فإن "الأزهر الشريف هيئة إسلامية علمية مستقلة، يختص دون غيره بالقيام على كافة شئونه، وهو المرجع الأساسي في العلوم الدينية والشئون الإسلامية، ويتولى مسئولية الدعوة ونشر علوم الدين واللغة العربية في مصر والعالم. وتلتزم الدولة بتوفير الاعتمادات المالية الكافية لتحقيق أغراضه. وشيخ الأزهر مستقل غير قابل للعزل، وينظم القانون طريقة اختياره من بين أعضاء هيئة كبار العلماء".
هذا النص يبطل دستوريا أي قانون خاص بالزواج أو الطلاق دون موافقة الأزهر عليه، وقد أكد الأزهر أن التشريع الذي تعده لجنة حكومية الآن لم يعرض عليه رغم أن وزير العدل ادعى غير ذلك، كما أن الأزهر نفسه أعد مشروع قانون يعالج مشكلة تراخي البعض في إثبات حالة الطلاق لكن الحكومة لم تكترث له.
يريد السيسي من خلال تدخله في قانون الأسرة الجديد تقديم نفسه للغرب باعتباره رسول الحداثة، وأنه الوحيد القادر على مواجهة الفكر الإسلامي المستقر منذ فجر الإسلام، ومواجهة الأزهر رغم ما يتمتع به من وضع دستوري أقسم السيسي نفسه على احترامه، وهذا الوضع الدستوري يجعل للأزهر الكلمة الفصل في القضايا الإسلامية، كما يحصن شيخ الأزهر من العزل.
كما يهدف السيسي من القانون الجديد أيضا إلى تأسيس صندوق جديد تحت مسمى "دعم الأسرة" لينضم إلى مجموعة صناديق أسسها منذ العام 2015، بدءا بصندوق تحيا مصر والصندوق السيادي وصندوق قناة السويس.. إلخ، وهي صناديق مغلقة لا يعرف الناس عنها شيئا، ولا تتمتع بشفافية، أو تخضع لرقابة الجهات المختصة، بل أعلن السيسي أكثر من مرة أنه الوحيد المسئول عنها، وعن الصرف منها.
وينطبق هذا الأمر على صندوق دعم الأسرة الجديد الذي مثل قيدا على عمليات الزواج (بفرض رسوم لصالح الصندوق)، على عكس ما تدعو قواعد الشريعة من ضرورة تيسير الزواج للشباب تحصينا لهم، وتحقيقا للاستقرار المجتمعي. وإذا كان النظام يدعي أن الصندوق سيكون مخصصا للإنفاق على الأسر والأطفال في حال وقوع الطلاق، أو في فترة الخلاف قبل وقوع الطلاق فعليا، فإن هناك ما يقوم بهذه المهمة، وهو بنك ناصر الاجتماعي الذي يتوفر على هذا البند في أعماله، وكان من الممكن لو حسنت النوايا أن يطلب من المتزوجين وضع نسبة من قيمة مؤخر الصداق في بنك ناصر لذاك الهدف، لكن النوايا الغامضة هي التي دفعت لتأسيس صندوق جديد، وهناك شكوك في أن هذا الصندوق وغيره من الصناديق ستصرف أموالها في سداد أقساط الديون الخارجية، أو على مشروعات غير مدروسة، وليس للغرض الذي أنشئت من أجله.
إصرار السيسي على تمرير قانونه رغم مخالفته الشرعية سيضع المؤسسات الدينية، ونقصد هنا تحديدا وزارة الأوقاف ودار الإفتاء، أمام اختبار ديني، خاصة بعد أن أعلن الأزهر موقفه وجدده أكثر من مرة، وحتى لو انحازت هذه المؤسسات لرؤية السيسي كونها جزءا من السلطة التنفيذية فإن ذلك لن يفيد السيسي في شيء؛ كون الأزهر هو المختص وحده بهذا الأمر وفقا للدستور.
قد لا يكون الوضع الدستوري عقبة كبرى أمام السيسي للتخلص من شيخ الأزهر (المحصن من العزل)، فقد سبق له أن عزل المستشار هشام جنينة، رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات وهو محصن من العزل بنص الدستور أيضا، كما أنه عدل قانون السلطة القضائية ليكون هو صاحب قرار تعيين رؤساء الهيئات القضائية بالمخالفة للنصوص الدستورية حول استقلال السلطة القضائية، ولكن العقبة هي المكانة الاجتماعية والدينية الكبيرة التي يتمتع بها الأزهر وشيخه لدى المصريين وعموم المسلمين. ومع ذلك يبقى الاحتمال واردا، وقد لا يعدم النظام حيلة لدفع الشيخ نفسه للاستقالة في نهاية المطاف.. والرهان الآن على إدراك الأزهر لما يتعرض له من مكائد، وقدرته على مواجهتها بفطنة، وتفويت الفرصة على المتربصين به، مع بقائه على ثغره منافحا عن صحيح الدين والخلق القويم.
twitter.com/kotbelaraby