الحماية الأمريكية للإبادة وتجويع غزة
أثبت العدوان على غزة فشل النظام الدولي في التصدي للإرهاب الذي يمارسه الاحتلال الإسرائيلي، فلا احترام لمجلس الأمن ولا لأي محكمة أو منظمة دولية في ظل “الفيتو” والحماية الأمريكية للجرائم الإسرائيلية، وأصبح واضحًا أن النظام الدولي عاجز عن وضع نهاية لجريمة الإبادة الجماعية التي تجري، ولا توجد قوة دولية قادرة على منع الاحتلال من مواصلة التدمير وقتل الأطفال والنساء بكل أنواع الأسلحة الفتاكة.
رغم صدور قرار واضح من مجلس الأمن بوقف الحرب والانسحاب الإسرائيلي من غزة واتمام صفقة التبادل؛ يرفض نتنياهو الاستجابة للقرارات الدولية، ويؤكد قادة الاحتلال الاستمرار في العدوان حتى القضاء على حماس وتحقيق أهدافهم المستحيلة، وتساند إدارة بايدن التعنت الإسرائيلي، وتصدر البيانات والتصريحات المضللة التي تدين المقاومة الفلسطينية وتتهمها بأنها هي التي تعرقل الصفقة!
ما لم يحدث تغير كبير، وبروز عامل جديد يقلب الحسابات؛ فإن المواقف ستظل على حالها، فحماس وفصائل المقاومة لن تقبل بأي اتفاق لا يتضمن وقف إطلاق النار الدائم، والانسحاب الشامل من غزة، ودخول المساعدات، والإعمار ورفع الحصار، وصفقة تبادل للأسرى يخرج بمقتضاها السجناء الفلسطينيون؛ وهذه الشروط ترفضها حكومة الاحتلال ومعها إدارة بايدن، فالإسرئيليون والأمريكيون يريدون إطلاق الرهائن الإسرائيليين ثم معاودة الحرب واستكمال الهدم والإبادة.
الخطط الأمريكية هي التي تمنع وقف الحرب
واضح أن القادة الأمريكيين يرفضون الوقف التام للحرب، وحرصهم على عدم الانسحاب الإسرائيلي الكامل، وموقفهم الاستراتيجي هو استمرار العمليات العسكرية لمطاردة كتائب المقاومة بعمليات نوعية، لإزالة وجود حماس -حسب أوهامهم- لتسليم القطاع لحكومة عميلة وفق الخطط الموضوعة، ونقل السلطة من المقاومة إلى هذه الإدارة التي ستتولى تنفيذ خطط الإعمار وستكون مهمتها استخدام المساعدات والأموال لتمكين الاحتلال من السيطرة الدائمة على القطاع.
بعد صدور قرار مجلس الأمن لم يتحدث بلينكن والمسؤولون الأمريكيون عن وقف الحرب، وإنما عن “خطط اليوم التالي” واستبعاد حماس من حكم غزة، بما يتناقض مع ما ورد في خطة مجلس الأمن التي طورت مبادرة بايدن وتبنت مطالب الفلسطينيين العادلة والمنطقية، ورغم أن حماس أعلنت قبولها لقرار مجلس الأمن، وأبدت استعدادها للمفاوضات غير المباشرة والتعاون مع الوسطاء لا يزال الأمريكيون يهاجمون المقاومة، وأعلن بايدن أن الحرب لن تتوقف الآن!
إدارة بايدن تستخدم التجويع لتركيع غزة
عندما عارضت إدارة بايدن “عملية كبيرة في رفح” كانت تؤيد شن عمليات صغيرة بالأسلحة والقنابل والقذائف الأمريكية، حتى وقعت مذبحة رفح التي هزت الرأي العام الدولي، وعندما كان العالم مشغولًا برفح تمت “العملية الكبيرة” في جباليا بدون أي إدانة أو اعتراض أمريكي، بل تم استخدام القصف السجادي والقنابل التي تزن ألفي رطل في تدمير ومسح أحياء بسكانها.
الأخطر الآن أن المجاعة التي تفتك بالفلسطينيين في غزة، خاصة في الشمال تقف خلفها إدارة بايدن، للضغط على الفلسطينيين لإجبار حماس على الاستسلام ورفع الراية البيضاء، ومنذ دخول قوات الاحتلال رفح توقفت تصريحات الرئيس الأمريكي عن ضرورة إدخال المساعدات، بل صدرت تصريحات بلينكن وجون كيربي التي تؤيد الاحتلال الإسرائيلي لرفح والبقاء في ممر صلاح الدين وإغلاق المنفذ البري الوحيد الذي يعمل!
من الأدلة التي تؤكد الدور الأمريكي في المجاعة المقصودة والمتعمدة الإعلان عن تعطل الرصيف الأمريكي بالتزامن مع إغلاق معبر رفح، لخنق الفلسطينيين وتجويعهم، وكشفت عملية تحرير الرهائن الأربعة في مخيم النصيرات استخدام الرصيف العائم الذي قالوا إن الأمواج أطاحت به في العملية العسكرية، حيث أظهرت الصور المنشورة أنه يعمل وأنه تم استخدامه كقاعدة عسكرية متقدمة لنقل المعدات العسكرية والجنود، ودعم الاحتلال الإسرائيلي لمحور نتساريم.
ليس صحيحًا أن حكومة بايدن غير قادرة على فرض كلمتها على نتنياهو، بل ما يفعله نتنياهو يتماشى مع المخطط الأمريكي مع بعض الخلافات غير الجوهرية مراعاة لحسابات داخلية، فالحكومة الأمريكية تجبر الاحتلال على تحمل ضربات حزب الله وعدم توسيع جبهة الحرب في الشمال، ويستجيب الإسرائيليون رغم الخسائر الكبيرة التي يتعرضون لها، ومن قبل أجبرت الحكومة الأمريكية الإسرائيليين على تقبل الضربة الإيرانية وابتلاع الإهانة.
حماس لن تستسلم
يظن السياسيون الأمريكيون أن الضربات العسكرية وتجويع الفلسطينيين سيكسر حماس، وهذا تفكير استعماري أحمق لا يفهم طبيعة الخصم، فالتفكير العسكري الأمريكي التقليدي المتوارث منذ إبادة الهنود الحمر أن الجيش الضعيف يستسلم للجيش القوي تحت ضغط القوة النارية والتجويع، ومثل هذه النظريات التي يدرسها من يجلسون في المكاتب المكيفة ثبت فشلها في تجارب معاصرة، فالشعوب التي تقاوم الاحتلال لا تستسلم، ولهم في فيتنام وجنوب إفريقيا والعراق وأفغانستان عبر ودروس.
لقد أمدت إدارة بايدن الجيش الإسرائيلي بكميات هائلة من الأسلحة والذخائر لقصف المدنيين في قطاع غزة، ولم تتأخر عن المشاركة في الإبادة بعشرات الآلاف من أطنان القنابل، وآلاف الصواريخ، وأعداد لا حصر لها من قذائف الدبابات والمدفعية، ومع ذلك لم يحقق الاحتلال أي هدف من أهداف الحرب، ولم تستسلم حماس ولم يخضع الشعب الفلسطيني.
بعد 9 أشهر من الحرب لا تزال غزة صامدة، وحماس وفصائل المقاومة متماسكة، تتصدى بقوة للقوات المعتدية، وتقتل وتجرح العشرات من أفرادها كل يوم، وتواصل نصب الكمائن المميتة في الطرق والبنايات، وتقطف أرواح الجنود الغزاة وتصطادهم بالجملة، ورغم الجوع والحصار يظهر الفلسطينيون ثباتهم ورفضهم لمخطط التهجير والطرد من أرضهم.
في المقابل تضرب الانقسامات الجبهة الإسرائيلية ويعيش الكيان حالة من الفوضى لم يرها أفراده منذ الإعلان عن دولتهم، وتتساقط الصواريخ فوق رؤوسهم طوال الوقت، وصفارات الإنذار تدوي باستمرار في كل مكان، ونصف الإسرائيليين نازحين مطرودين من مستوطناتهم، في غلاف غزة وفي الشمال الفلسطيني، ومن غير المتوقع عودتهم إلى بيوتهم في ظل استمرار الحرب، وجيش الاحتلال مستنزف في غزة وعلى حدود لبنان وفي الضفة التي اشتعلت وتحولت إلى جحيم للمحتلين.
استمرار الحرب يعني المزيد من المعاناة لدول أوربا حيث تعطلت الملاحة الدولية في البحر الأحمر منذ سيطر الحوثيون على باب المندب، ووسعوا دائرة الاستهداف لتشمل المحيط الهندي والبحر العربي، بل والبحر المتوسط، وعدم ملائمة طريق رأس الرجاء الصالح لاستيعاب حركة النقل البحري، وثبوت عجز الجيش الأمريكي عن تأمين الملاحة وتعرض المدمرات وحاملات الطائرات للاستهداف والإذلال.
الوقت ليس في صالح الحكومة الأمريكية الحالية، فالانتخابات الرئاسية تقترب وإذا لم تتوقف الحرب فستكون نهاية بايدن وعودة ترمب الذي سيدفعه الانتقام للإجهاز على الديمقراطية الأمريكية، وسيكون سقوط بايدن بسبب موقفه من غزة نهاية اللوبي الصهيوني الذي ستعصف به أصوات الأمريكيين المساندين لفلسطين وغزة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق