ممدوح الولي
بعد أكثر من 11 شهرا من عملية طوفان الأقصى لم يتغير شيء في المشهد الإقليمي والدولي، فإسرائيل مستمرة في الإبادة الجماعية يوميا، والإدارة الأمريكية متمسكة بالدفاع عن أمن إسرائيل من خلال وقوف حاملات الطائرات قرب سواحلها واستمرار إمدادها بالسلاح، والعزوف عن أي ضغط على الإدارة الإسرائيلية لوقف إطلاق النار، والاتحاد الأوروبي مستمر بدعمه لإسرائيل متجاهلا ما ترتكبه من مجازر يومية، والصين وروسيا من مصلحتهما طول أمد الحرب، وقيادات دول العالم الإسلامي تواصل ممارسة دور المتفرج على مسلسل القتل المستمر.
وها هي المبادرات الأمريكية لوقف إطلاق النار لا تسفر عن شيء، حيث لا تستطيع الضغط على الإدارة الإسرائيلية قبل أسابيع من الانتخابات الرئاسية الأمريكية، والتي يحتاج فيها الديمقراطيون لأصوات اليهود، وتعوض ذلك باتهام حماس بتعطيل المفاوضات. أما مجلس الأمن فغائب تماما، ونفس الشيء لمحكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية، ولمنظمات حقوق الإنسان التي لا ترى شيئا مما يحدث من عمليات إبادة على مدار الساعة للأطفال والنساء والشيوخ، ووسائل الإعلام الدولية مستمرة بتبني الرواية الإسرائيلية للأحداث.
أما إسرائيل فمستمرة في عمليات القصف الجوي وإطلاق المدافع تجاه المدنيين في غزة، واحتجاز الآلاف من سكانها في سجونها في أوضاع غير آدمية، وتضييق الحصار عليها لمنع دخول الغذاء والدواء والوقود، والدفع بالسكان للنزوح من مكان إلى آخر، وتوسيع العمليات في الضفة الغربية بشكل غير مسبوق منذ 22 عاما، في ظل إصدار بيانات الإدانة رغم التواطؤ، حيث تمارس سفكها للدماء وهي ضامنة للصمت العربي والدولي والعتاب الأمريكي الرقيق، حتى ولو كان من بين الضحايا مواطنون يحملون الجنسية الأمريكية،
حتى تجهض أية إمكانية لامتداد المقاومة إلى مدن الضفة الغربية التي تعاني اقتصاديا طوال الشهور العشرة الماضية، نتيجة منع العمالة الفلسطينية من العمل في إسرائيل، واحتجاز الضرائب الجمركية المستحقة للسلطة الفلسطينية، والتي تمثل أحد مواردها الرئيسية لصرف رواتب العاملين وتقديم المساعدات للأسر.
وتواصل الدول العربية نفس سياسات الخذلان لمعاناة سكان غزة، والالتزام بإرضاء الولايات المتحدة والدول الغربية من خلال النأي بنفسها عن اتخاذ أي موقف يضر بإسرائيل، وأمين الجامعة العربية ما زال ينادي العالم بالتحرك لوقف إطلاق النار، دون أن يطالب أعضاء الجامعة بنفس المطلب، ولو من خلال تجميد العلاقات بالدول المُطبعة.
وعدد من الدول العربية مستمرة في التواطؤ مع إسرائيل والولايات المتحدة وأوروبا، للتنسيق معها للإسراع بالقضاء على المقاومة وعلى حاضنتها الشعبية، من خلال سياسات التجويع واستمرار غياب المقومات الأساسية للمعيشة، ومنع المظاهر الشعبية المؤيدة للحق الفلسطيني، لدرجة منع الدعاء لأهل غزة في المساجد، ومنع صلاة الغائب على شهدائهم، وفي نفس الوقت الاستمرار بإصدار بيانات الإدانة الشكلية مع المذابح ذات الأعداد الكبيرة من الضحايا.
والشعوب العربية مرهقة ومشغولة بتدبير أساسيات الحياة، ما بين دول تطحنها الحروب الأهلية، ودول ترتفع فيها نسب الفقر والبطالة والمعاناة من غلاء الأسعار والاستبداد، وشغل الناس بكيفية إطعام البطون الجائعة والأحداث الرياضية والفنية وإشباع الغرائز، والانتخابات الصورية كما يحدث حاليا في الجزائر وتونس، لكن تبقى فئة مؤيدة لحق المقاومة الفلسطينية في الدفاع عن أرضها، ولا تكف عن الدعاء لها ومقاطعة منتجات الشركات الغربية الداعمة لإسرائيل، ومحاولة إدخال بعض المساعدات الغذائية لسكان غزة المحاصرين، حيث يدرك الكثيرون منهم أنه إذا تحررت غزة فإنها يمكن أن تحررهم يوما ما من تلك الأنظمة العميلة المهيمنة على أوطانهم.
حصار حزب الله من الداخل والخارج
وما زالت إيران عازفة عن المشاركة المباشرة في التصدي لاستمرار العدوان الإسرائيلي، كي تحافظ على تحقيق خطوات بملفها النووي، وعلى أمل أن تتحسن علاقتها بالولايات المتحدة وحلفائها لتخفيف حدة الحصار الاقتصادي عليها، كما أن تدخلها المباشر بالحرب يضعف من موقف المقاومة الفلسطينية دوليا من خلال إضعاف التعاطف الدولي من قبل بعض الجماعات معها، حيث تعتبرها كثير من الدول الغربية راعية للإرهاب.
وحزب الله محاصر بتيار يرفض مشاركة لبنان بالحرب، ومحاصر من ناحية أخرى بسعى من رئيس الوزراء الإسرائيلي لجره إلى التصعيد، حتى تساعده الإدارة الأمريكية على التخلص من القوة النووية الإيرانية، مما يعطيه نصرا يعوض ما فقده في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، كما يحرص الحزب على عدم توسيع نطاق العمليات إلى المدنيين الإسرائيليين، حتى لا تقوم إسرائيل بتدمير أحياء من بيروت وتحميل الحزب مسؤولية ذلك بين الشعب اللبناني، كما أنه لا يريد منح الولايات المتحدة والدول الأوروبية المبرر للتدخل ضده بحجة حماية اللبنانيين بطلب من بعض الطوائف المسيحية.
والحوثيون مستمرون في إلحاق الضرر بعض السفن المتجهة إلى إسرائيل بين الحين والآخر، مع التريث في الرد على الهجوم الإسرائيلي على الحديدة والإضرار بمنشآت الوقود بها، وعمليات المقاومة العراقية ضد إسرائيل تباعدت توقيتاتها، مع الأخذ في الاعتبار ما عليها من ضغوط من قبل الحكومة العراقية بمبرر السعى لصفقة لخروج قوات التحالف الدولي من العراق.
وعلى الجانب الآخر، ما زالت المقاومة صامدة وتكبد العدو بعض الخسائر بالأفراد والمعدات، وما زال شعب غزة صامدا رغم ما تعرض له من أهوال، وما زال سكان الضفة الغربية صامدين رغم ما لحق بهم من عمليات قتل وأسر وتدمير للبنية التحتية وممارسات عنيفة من قبل المستوطنين، مع توقع استمرار عمليات الإسناد للمقاومة في غزة خاصة من قبل حزب الله، لأنه يدرك أنه اذا تمكنت إسرائيل من حماس فإنها ستتجه للتخلص منه مباشرة، وكذلك من إيران حتى لا تخسر مكاسبها في جبهات المقاومة.
وليظل السؤال الجوهري: وماذا بعد؟ والذي ستكون الإجابة عليه بالأجل القصير توقع استمرار نفس المواقف من قبل كافة الأطراف، وهو ما يعني توقع استمرار عمليات الإبادة والخذلان العربي والإسلامي، فالجميع ما زال ماثلا أمامهم ما حدث لرئيس الوزراء الباكستانى السابق عمران خان عندما لم ينصع للمطالب الأمريكية، وكذلك توقع استمرار التواطؤ الدولي والعربي تجاه القضية الفلسطينية، في انتظار متغيرات لم تكن في الحسبان يمكن أن تساهم في تغيير معادلة القوى الحالية وتتجه بالأحداث إلى متغيرات جديدة.
وهنا سيقول البعض: هل يعني ذلك أننا في انتظار معجزة؟ والإجابة: ولِمَ لا؟ أليست عملية طوفان الأقصى بما نجم عنها من متغيرات على الموقف الإسرائيلي من اختراق وكسر نظرية الردع معجزة؟ أليس صمود المقاومة تلك الشهور أمام إسرائيل المدعومة عسكريا من الولايات المتحدة والعديد من الدول الأوروبية معجزة؟ أليس صمود شعب غزة المحاصر منذ 18 عاما وليس فقط طوال السنوات الإحدى عشرة الأخيرة معجزة؟
من كان يتوقع تعاطفا وتظاهرات من قبل الطلاب الأمريكان تدعو لوقف إطلاق النار، وامتداد تلك التظاهرات إلى العديد من جامعات الدول الأخرى؟ من كان يتوقع هذا الموقف الرائع من قبل جنوب أفريقيا لتبني التحقيق مع إسرائيل بسبب عمليات الإبادة الجماعية لدى محكمة العدل الدولية؟ من كان يتوقع موقف عدد من دول أمريكا اللاتينية بقطع العلاقات مع إسرائيل بسبب غزة؟ من كان يتوقع بعد خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي في الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي يتحدث فيه عن إسرائيل الكبرى، بأقل من شهر واحد، أن تبدأ عمليات هجرة عكسية من إسرائيل إلى الخارج؟
ومن كان يتوقع أن يتسبب صمود المقاومة في تكبيد الاقتصاد الإسرائيلي تلك الخسائر في الاستثمارات والموازنة وغيرها، والتي تسببت في خفض وكالات التصنيف الأمريكية الثلاثة لتصنيفها؟ ومن كان يتوقع أن يتعطل الخط البحري البري الرابط بين الهند وأوروبا عبر دول الخليج وميناء حيفا الذي أُعلن عنه في قمة العشرين في الهند؟ ومن كان يتوقع أن يؤدي اكتشاف القوات الإسرائيلية جثث ستة أسرى في غزة مؤخرا إلى تلك التظاهرات الحاشدة المطالبة باتفاق سريع لوقف إطلاق النار؟
فكما تراجع بايدن عن تصلبه لشهور عن الترشح لفترة رئاسية جديدة، سيتراجع رئيس الوزراء الإسرائيلي عن موقفه من استمرار التواجد بمحور فيلادلفيا، وستزداد التصدعات في الداخل الإسرائيلي بعد هذا الإنهاك الاقتصادي والعسكري والنفسي، وستعود التظاهرات الجامعية الأمريكية الأوروبية المنددة في عمليات الإبادة الجماعية، وسيحقق الله وعده للمؤمنين بالنصر بصور ربما لم نتوقعها، لكننا على يقين من تحققها ولو بعد حين.
x.com/mamdouh_alwaly
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق