واضح تماماً للقاصي والداني أن إسرائيل تستطيع أن تفعل ما تشاء في المنطقة والعالم دون خوف أو وجل من أحد، فهي تقصف يميناً وشمالاً ليس فقط في بلدان الجوار، بل هي قادرة للذهاب إلى أي نقطة في الدنيا لتصطاد خصومها.
وفي الفترة الماضية، وصلت نيرانها إلى اليمن، وإيران، وكانت قد وصلت من قبل إلى أقاصي أفريقيا. وكما نرى يومياً فهي لديها قوة استخباراتية رهيبة مستمدة من القوة الاستخباراتية والتكنولوجيا الأمريكية الخارقة تمكنها من معرفة السيارة التي يستقلها هذا الشخص المطلوب لديها أو ذاك، فترسل له طائراتها المسيرة وتغتاله بكل يسر وسهولة دون أن يرف لها جفن أو تخاف لومة لائم، لأنها تعلم علم اليقين أنها محمية عسكرياً وسياسياً ودبلوماسياً وقضائياً، وبالتالي فهي قادرة على ممارسة كل أنواع العدوان والإرهاب دون أي مساءلة أو ملاحقة أو قلق. هل سمعتم يوماً أن أحداً يلاحق أمريكا راعية إسرائيل؟ طبعاً مستحيل. باختصار، فإن أذرع إسرائيل طويلة بطول أبعد قاعدة عسكرية أمريكية في العالم. وكما هو معلوم، فإن القواعد العسكرية الأمريكية موجودة في أقصى نقطة من المعمورة، ولديها قواعد لا تبعد عن البر الصيني سوى خمسة وأربعين كيلومتراً فقط. وإذا كانت القواعد الأمريكية تطوّق ثاني أكبر وأقوى قوة اقتصادية في العالم، ألا وهي الصين، فلا عجب أبداً إذاً أن تصل نيران إسرائيل إلى أي بقعة في هذا العالم طالما أن هناك قواعد أمريكية تسندها. بعبارة أخرى، فإن إسرائيل من الآخر تضرب بسيف أمريكا لا أكثر ولا أقل. ونحن هنا لا نأتي بجديد أبداً، فقد أصبحت هذه المعطيات من البديهيات للجميع، لكن لا بأس من التذكير بها بين الحين والآخر لمن مازال يعتقد أن إسرائيل قوة أسطورية لم يشهد لها التاريخ مثيلاً. لا يا عزيزي، فالمسألة ليست بذاك التعقيد والغموض، بل هي واضحة وضوح الشمس، وبشهادات متكررة من كفلاء كلب الصيد الإسرائيلي الذي يصطاد لمشغليه في أمريكا وأوروبا.
قد يقول البعض إن لدى إسرائيل ترسانة عسكرية لا مثيل لها في الشرق الأوسط، وهذا صحيح. لكن هذا الترسانة هي أولاً وأخيراً ترسانة أمريكية في إسرائيل، وليست ترسانة إسرائيلية. وإسرائيل نفسها هي قاعدة عسكرية أمريكية وأوروبية متقدمة في منطقتنا أكثر منها دولة أو بالأحرى مجرد أداة، بدليل أن سكانها عبارة عن خليط من جنسيات مختلفة مازالوا يحتفظون بجوازات سفرهم الأصلية كي يعودوا إلى البلدان التي أتوا منها في حال انهارت القاعدة العسكرية المسماة إسرائيل أو تخلى عنها مشغلوها وداعموها. بعبارة أخرى أدق، فإن الجيش الإسرائيلي يقاتل بترسانة أمريكية لمصلحة أمريكية وغربية. وقد سمعنا الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن يعترف بعظمة لسانه بأن إسرائيل ضرورة استراتيجية أمريكية في الشرق الأوسط مهما كلفتنا من أموال، ولو لم تكن إسرائيل موجودة لأوجدناها، حسب بايدن. لا بل إن الرئيس الأمريكي اعترف أيضاً أن إسرائيل تحقق أغراضاً وأهدافاً استراتيجية لأمريكا والغرب عموماً بكلفة بسيطة، ولو أرادت أمريكا أن تكون موجودة بقواعدها في المنطقة لكلفها الأمر أكثر من وجود إسرائيل.
أي حركة تحاول أن تواجه إسرائيل كبعض الحركات الفلسطينية واللبنانية، فإنها تتلقى ضربات قاصمة لم يشهد لها التاريخ مثيلاً، وكل تلك الضربات بضوء أخضر ودعم وتوجيه ومباركة وحماية أمريكية
لا شك أن البعض سيرد قائلاً إن إسرائيل هي ليست أقوى قوة عسكرية في المنطقة فحسب، بل هي أيضاً أكثر بلد متطور صناعياً وتكنولوجياً وزراعياً، وهذا أيضاً صحيح، لكن إسرائيل تتباهى بالتكنولوجيا الأمريكية، ولولاها لما كان لها أي شأن من الناحية التكنولوجية والصناعية في المنطقة. ومما يساعد في قوة إسرائيل أيضاً هو الدولار الأمريكي الذي يحكم العالم. صحيح أن عملة إسرائيل هي الشيكل، لكن العملة الحقيقة هي الدولار، فلولا المليارات الأمريكية التي تتدفق سنوياً على الخزينة الإسرائيلية لما كان لإسرائيل أي شأن صناعي أو تقني. ولا ننسى أن معظم سكانها هم أصلاً قادمون من بلدان متقدمة تكنولوجياً وصناعياً كأوروبا وأمريكا. وبالتالي من السخف الحديث عن شيء اسمه إسرائيل من دون ربطه بإسرائيل الكبرى ألا وهي أمريكا.
قد يظن البعض أن إسرائيل تستمد قوتها في المنطقة ليس فقط من الدعم والرعاية الأمريكية الفائقة لها، بل أيضاً من ضعف الأنظمة العربية وعمالتها، وأنه لولا الخنوع العربي، لما تسيّدت إسرائيل المنطقة وحكمتها بالحديد والنار وأذلت حكوماتها وشعوبها. وهذا أيضاً تصوّر خاطئ، فهل يا ترى الأنظمة العربية أقوى من الصين وروسيا والدول العظمى الأخرى كي تتحدى وتواجه الجبروت الأمريكي الذي يحمي إسرائيل؟ بالطبع لا، فلا ننسى أن الصين التي سيتجاوز إجمالي الناتج المحلي لديها الولايات المتحدة قريباً جداً، لا تستطيع حتى الآن أن تتحدى أمريكا أو تواجهها. ولعلنا نتذكر قبل سنوات قليلة أن الصين هددت بأنها ستفعل الأفاعيل فيما لو نفذت نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب الأمريكي وقتها زيارتها لتايوان، لكن بيلوسي زارت تايوان محمية بطائرات حربية أمريكية وعادت سالمة غانمة دون أن تتجرأ الصين على فعل أي شيء لا ضد بيلوسي ولا ضد تايوان. فإذا كانت الصين لا تتجرأ على مواجهة أمريكا، فكيف تتوقعون من أنظمة عربية مهترئة لا تملك عشر ما تملكه الصين من قوة مالية واقتصادية وتكنولوجية وعسكرية أن تتصدى لإسرائيل ربيبة أمريكا في المنطقة؟
وكما ترون فإن أي حركة تحاول أن تواجه إسرائيل كبعض الحركات الفلسطينية واللبنانية، فإنها تتلقى ضربات قاصمة لم يشهد لها التاريخ مثيلاً، وكل تلك الضربات بضوء أخضر ودعم وتوجيه ومباركة وحماية أمريكية. وعندما تشعر إسرائيل بخطر حقيقي بسيط تحشد لها أمريكا أساطيلها وحاملات طائراتها في المنطقة بسرعة البرق لردع أي جهة يمكن أن تنال منها. لهذا لا تلوموا حتى إيران لترددها في الرد على إسرائيل، فقد اعترف الرئيس الإيراني الأسبق محمود أحمدي نجاد ذات مرة «بأننا نستطيع أن نشتم أمريكا وإسرائيل ليل نهار، لكننا لا نستطيع أن نطلق عليها رصاصة لأننا نعرف أن أمريكا يمكن أن تحرق إيران». ولا ننسى أن أمريكا استخدمت القنبلة الذرية ذات يوم للحفاظ على مصالحها وتفوقها، فكيف يمكن أن تواجهها أنظمتنا العربية التي جاءت إلى الحكم أصلاً بدعم ورعاية أمريكية؟ هل تتوقعون من الحكام العرب أن يدافعوا عن غزة أو يواجهوا إسرائيل (الأمريكية) التي تحميهم داخلياً وخارجياً؟
كاتب واعلامي سوري
falkasim@gmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق