الثلاثاء، 6 ديسمبر 2022

عواصف التغيير، والحكم الإلهية في التدبير (٩)

 عواصف التغيير، والحكم الإلهية في التدبير (٩)
د.عبدالعزيز كامل


سنة الله في المتخالفين المخالفين
ليس هناك أخطر وأعظم ضررا على الدين من الاختلاف والفرقة بين المسلمين ، لأن ذلك يوهن قواهم، ويجرئ عليهم من عداهم وعاداهم ، ولذلك عظم النكير وتكرر التحذير في خطاب الوحي _ كتابا وسنة _ من كل خلاف يؤدي لشق الصفوف واختلاف القلوب واجتلاب الفتن ..
★.. وسنن الله القدرية الكونية لا تحابي المفرطين في سبل الائتلاف، والموغلين في أسباب الفرقةوالاختلاف، لمجرد نزاعات حزبية أو نزغات شخصية، أو عصبيات مذهبية خارجة عن منهاج السنة النبوية ، مهما كانت دعاوى اصحابها بحسن النية.
وقد لا يتصور بعضهم سوء العاقبة وأليم العقاب للمتخالفين المتفرقين في الدين ؛ إلا إذا تدبر ما تنزل به الكتاب المبين، وما نطق به الصادق الأمين ، صلى الله عليه وسلم .
★.. تأمل مثلا هذا التهديد والوعيد الشديد : { وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ۚ وَأُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [ آل عمران/ ١٥٦] .. وذاك العذاب العظيم مصحوب بمآل مهين للمتخالفين، و مقرون بتفخيم وتكريم للمتوافقين على الحق والدين.. { يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ ۚ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ} [ آل عمران/ ١٥٦] ..
وقد نقل المفسرون هنا قول ابن عباس رضي الله عنهما : " تبيض وجوه أهل السنة والجماعة ، وتسود وجوه أهل البدعة والفرقة "
★.. وذهب الطبري إلى أن اسوداد الوجوه هنا ليس خاصا بالكفار، بل هو أيضا في المختلفين في أصول الدين من المنسوبين للمسلمين ، واحتج بحديث النبي صلى الله عليه وسلم عندما قال لأصحابه : ( أنا فَرَطُكُمْ علَى الحَوْضِ، ولَيُرْفَعَنَّ مَعِي رِجالٌ مِنكُم ثُمَّ لَيُخْتَلَجُنَّ دُونِي، فأقُولُ: يا رَبِّ أصْحابِي، فيُقالُ: إنَّكَ لا تَدْرِي ما أحْدَثُوا بَعْدَكَ ). أخرجه البخاري/٦٥٧٦
★.. ولأن كثرة الاختلاف عن هوى وتعصب يورث العداوة والبغضاء غالبا؛ فقد حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم حتى في قراءة القرآن، فقال للمتخالفين في بعض وجوه القراءة : ( لَا تَخْتَلِفُوا، فإنَّ مَن كانَ قَبْلَكُمُ اخْتَلَفُوا فَهَلَكُوا) رواه البخاري/ ٣٤٧٦.
بل بين الرسول عليه الصلاة والسلام؛ أن اختلاف المسلمين حتى في صفوف الصلاة يورث تقلب القلوب واختلاف الوجوه ، فقال : ( اسْتَوُوا ولا تَختَلِفُوا ؛ فتَختلِفَ قلوبُكمْ) أخرجه مسلم/ ٤٣٢
★.. وقد اشتد خوف الصحابة من هذا التذير، ولم بستهينوا به ، وتبين ذلك من رواية الصحابي الجليل، النعمان بن بشير، عندما قال : ( أقبَل رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على النَّاسِ بوجهِه فقال: أقِيموا صفوفَكم، ثلاثًا، واللهِ لَتُقِيمُنَّ صفوفَكم أو ليُخالِفَنَّ اللهُ بينَ قلوبِكم، قال: فرأَيْتُ الرَّجُلَ يُلزِقُ مَنكِبَه بمَنكِبِ صاحبِه، ورُكبَتَه برُكبَةِ صاحبِه، وكعبَه بكعبِه) أخرجه أبو داود/٦٦٣ وصححه الألباني.
★..وما للصحابة وهم خير جيل ألا يخافوا من هذا النذير، وهم الذين خاطبهم الله تعالى بقوله
{ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} ..؟ الأنفال/٤٦
..لقد صبروا وثبتوا وامتثلوا قول الله تعالى : {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ } آل عمران/١٠٣
فاجتمعوا ولم يتفرقوا، حتى سادوا وقادوا، وحكى تفاصيل ذلك أهل التاريخ والتفسير والسير، ومنهم الإمام ابن كثير، حيث قال : " قهروا الجميع حتى علت كلمة الله وظهر دينه على سائر الأديان وامتدت الممالك الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها في أقل من ثلاثين سنة ، فرضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين وحشرنا في زمرتهم إنه كريم وهاب" ..
اللهم آمين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق