محنة العلماء .. (١)
د.عبدالعزيز كامل
لا أظن أن زمانا شهد تنكرا وتطاولا ، بل جحودا وكنودا (شبه عام) على أهل العلم بالدين؛ كما هو حاصل اليوم في كثير من بلاد المسلمين ، مع أن الله تعالى قد أعلى قدر العلماء، ورفع ذكرهم، وأوجب على الأمة التواضع لهم والنزول على أمرهم في المهمات والملمات، حيث قال سبحانه : { وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ۖ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ۗ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا } [ النساء/ ٨٣ ]
★ .. وأولوا الأمر في هذه الآية هم العلماء، كما قال المحققون من المفسرين.
ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( .. إنَّ العلماءَ ورثةُ الأنبياءِ ، وإنَّ الأنبياءَ لم يُورِّثُوا دينارًا ولا درهمًا ، ورَّثُوا العِلمَ، فمن أخذَه أخذ بحظٍّ وافرٍ).
أخرجه أبو داود(٣٦٤١) واللفظ له والترمذي ( ٢٦٨٢) وابن ماجه (٢٢٣) وأحمد(٢١٧١٥)
وصححه الألباني .
★.. مظاهر محنة العلماء تتعد وتتمدد ، ووراءها أطراف عديدة وتأخذ صورا متنوعة، دون روادع حكومية ولا موانع شعبية، وهذا نذير شؤم وفاتحة شر ، لكل من تورط فيه وشارك في مآسيه ..
والحديث في ذلك يطول، ولكني سأتحدث عن بعض صور الإهانة والاستهانة بالعلم وأهله في واقعنا المأزوم وراهن حالنا المهزوم..
★.. بكل أسف وأسى؛ لن أجد مثلا لهذه الظاهرة؛ أشر مما يحدث في البقاع المطهرة - بلاد الحرمين - حيث تشهد منذ سنوات حملة تنكيل وتحقير للعشرات من العلماء ، والمئات من طلاب العلم والدعاة والمفكرين، في حملات اعتقالات بلا محاكمات، تطول لسنوات، وأحكام قضائية جنونية دون تهم حقيقية، تمتد عقوباتها إلى السجن لثلاثين وأربعين عاما، لرجال قد يتجاوز بعضهم الخمسين أو يزيد..فماذا يبقى في عمرهم من مزيد..؟
★.. وكنت أرى بعيني _ خلسة _ منذ أكثر من ثلاثة عشر عاما، في سجن الحائر بالرياض؛ دعاة تجاوزوا السبعين، تغمى عيونهم، وتكبل أيديهم وأرجلهم بالسلاسل، يساقون بها في ممرات الأقبية ،ثم يلقون مهانين في قاع الزنازين..!
هذا على عهد الملك السابق، ثم ولي العهد اللاحق (بن نايف) المسجون منذ بضع سنين، فما بالنا بعهد من لا عهد له، وهو المرشح الحالي للملك التالي..؟!
★.. في الأيام القليلة الماضية سمعنا باعتقال علامة قد شارف التسعين ، وهو عالم الحديث السوري( صالح الشامي ).. وتناقلت صحف أجنبية في ذات الوقت ، أخبار مطالبات محمومة بإعدام الدكتور (عوض القرني) بتهم تافهة رغم كونها باطلة، تتعلق بالتعامل مع وسائل التواصل، ومن قبله طالب الادعاء العام بإعدام عدد من مشاهير الدعاة وأكابر المصلحين ، و أعيدت مؤخرا المحاكمة الصورية لكثيرين ممن أنهوا مدد عقوبات طويلة..، ليمدد لهم بسنوات أطول، والسبب واضح، وهو حملة إرهاب، بدعوى مكافحة الإرهاب، قبيل الإقدام على اللحاق بركب الراكعين المطبعين مع الصهاينة المعتدين..
★.. العجيب أن هذا الظلم الفادح والبغي الفاضح، يحصل ضد العلماء باسم " القضاء الشرعي" لا القانون الوضعي، وهو ما ذكرني بالجلسة الأخيرة بنهاية اعتقالي بالرياض أمام أحد القضاة الناريين ( الملتحين) ، حين طالبه ممثل الادعاء العام وأشار عليه بأن يحكم علي بثلاثين عاما ، عملا ببعض مواد ما يسمى ( النظام الأساسي) يعني الدستور ..
إلا أن الله تعالى نجاني بمنه وكرمه من شرور شوراهم ، وغدر قضاتهم..
★..هذا الحملات المنكرة التي تهين وتستهين بحملة وحماة الدين؛ تتزامن مع توجه رسمي حميم ومحموم ، لتكريم الأراذل والساقطين، من سفلة الفنانين وفشلة الإعلاميين، وبقايا أصحاب البغايا من الرياضيين غير المسلمين، حيث ينفق على الاحتفاء بهؤلاء وهؤلاء مئات الملايين من أموال المسلمين..
★.. ومن مظاهر محنة العلم والعلماء هناك ؛ تجريد وتجريف (هيئة كبار العلماء) من حقيقة مهامها، ثم تفريغها من أكثر الأخيار لحساب أغيار أغمار، لا يحسنون في قضايا المسلمين الكبرى غير السكوت عن الحق أو النطق بالباطل، ويكفيك عن تلويث سمعك ببعض أسمائهم؛ أن تتابع احتفاءهم بعاطفية مفرطة بالكفار والمشركين، في مقابل التجهم والتهجم على الأطهار الأخيار من دعاة المسلمين، الأحياء والميتين ..
كل هذا في بلاد الحرمين .. فماذا أبقوا للاحتلال في فلسطين..؟!
★.. كان تبجيل المسلمين واحترامهم لعلمائهم خلال عهودهم الماضية؛ دليلا على النقاء والارتقاء و التمسك والتماسك في أحوال الأمة المرحومة، أما اليوم..فكيف ينتسب لها من لا يرحم صغيرها ولا يوقر كبيرها ، ولا يقر بحق علمائها ودعاتها ..؟
إن الجواب فيما صح من قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( ليس منَّا مَنْ لم يُجِلَّ كبيرَنا ، ويرحمْ صغيرَنا ! ويَعْرِفْ لعالِمِنا حقَّهُ).
صحيح الجامع (برقم/٥٤٤٣) وإسناده حسن .
(يتبع بإذن الله) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق