أَوهامُ العَوَامِ.. التَّقريبِ بَينَ المُسلمِينَ والشِّيعةِ (4)
د. علي فريد
@ly_fryd_alhash
القرضاوي والنفيسي ليسا وَهَّابِيَّيْنِ ولا نَاصِبِيَّيْنِ..
لا أَحدَ -يَملكُ عقلاً- يُمكِنُ أن يَتَّهِمَهما بهذه التُّهمةِ المُعَلَّبَةِ التي يَرفَعُها الشِّيعةُ وأذنابُهم في وَجهِ مَنْ يُحَذِّرُ من الشِّيعةِ وأَذنابِهم!!
القرضاويُّ والنفيسيُّ -بحَسَبِ إعلامِ هذا الزَّمنِ- عَلَمَان من أَعلامِ الفقهِ والفكرِ الإسلاميِّ، وكلاهما خَرَجَ من عَباءةِ جماعةِ الإخوانِ المسلمينَ.. تلك الجماعةُ التي جَمَعَتْ كلَّ الألوانِ لتَظَلَّ دائماً بلا لونٍ!!
وعلى ذِكْرِ جماعةِ الإخوانِ المُسلِمِينَ -والهَمُّ بالهَّمِّ يُذكَرُ- فقد كانَتْ هذه الجماعةُ أكبرَ بوابةٍ إسلاميةٍ في العَصرِ الحديثِ دَخَلَ منها التَّشيُّعُ إلى عُقولِ المسلمينَ وقُلوبِهم -بالإِضافةِ إلى التَّصوُّفِ كبوابةٍ ثانيةٍ- وكان هذا الدُّخولُ في بداياتِه سياسياً مَحضاً، ثُم انداحَ واتَّسَعَ بَعدَ ذلك ليَأخُذَ شَكلَه الدِّينيَّ تَحتَ سِتارِ السِّياسةِ.. ولم يَكُنِ الشِّيعةُ يَحتاجون أكثرَ مِن هذا الدُّخولِ المَبدئيِّ ليَتَمَدَّدُوا دِينياً بَعدَ ذلك في خَواصرِ أُمَّتِنا الرَّخْوَةِ.. وما أَكثرَ خَواصِرَنا الرَّخْوَةَ في هذا الزَّمنِ!!
إلَّا أنَّ الإنصافَ يَقتضي أنْ نَقولَ: إنَّ علاقةَ جماعةِ الإخوانِ المسلمينَ بالشِّيعة علاقةٌ شديدةُ التَّعقيدِ والإرباكِ والتَّشابُكِ، ولا يُمكِنُ لباحثٍ يَحترمُ نَفْسَه أن يُطلِقَ عليها -مَعَ تَشابُكِها وتَعقيدِها وإِرباكِها- حُكماً جَازماً؛ فيَصِفَها وَصفاً صَحيحاً بجُملةٍ أو جُملتَينِ، ثُم يَرتاحَ لهذا الوَصفِ؛ فهي حِيناً جَهلٌ فاضحٌ، وحِيناً غَفلةٌ قاتلةٌ، وحِيناً مِثاليةٌ حمقاءُ، وحِيناً براجماتيةٌ مُقزِّزةٌ، وحِيناً خيانةٌ للهِ ولرسولِه وللمسلمِينَ!!
والغريبُ أنَّ الإخوانَ المُسلمينَ لم يَكونُوا في بِداياتِ هذه العِلاقةِ تَابِعينَ للشِّيعةِ؛ بل العكسُ هو الصَّحيحُ؛ فمُفكِّرو الشِّيعةِ وحَرَكِيُّوهم- إبَّانَ تَشَرْذُمِهم في أواسطِ القرنِ العشرينَ الميلاديِّ وقَبْلَ انفجارِ الثَّورةِ الإيرانيةِ ونَجاحِها-؛ كانوا عِيالاً على الفِكرِ الحركيِّ الإخوانيِّ، وَيَرَوْنَ أَقطابَ الإخوانِ أَمثالَ الشَّهيدَينِ -بإِذنِ اللهِ-: (البنا، وقُطب) أَساتذةً لهم.. بل كانوا يَرَوْنَ أنَّ الطَّريقَ الوَحيدَ لإنشاءِ الحُكمِ الإِسلاميِّ لا بُدَّ أن يَمُرَّ عَبْرَ الفِكرِ الحَركيِّ للإخوانِ المُسلمِينَ.. ولعلَّنا لا نَتجاوَزُ الحَقيقةَ إنْ قُلْنا: إنَّ الفِكرَ السِّياسيَّ الشِّيعيَّ الحديثَ لم يَنشأْ حِينَ نَشَأَ إلَّا استجابةً لتأثيرِ الفِكرِ الحَركيِّ الإخوانيِّ الذي رَأى فيه مُفكِّرو الشِّيعةِ المُحْدَثُون المُعاصِرون حالةً انعتاقيةً من قُيودِ التَّديُّن التَّقليديِّ للمَرجعيَّةِ الشِّيعيَّةِ التَّقليديَّةِ، أو تحديثاً فكرياً يُضافُ إلى قُيودِها التَّقليديَّةِ؛ فيُخلْخِلُ جُمودهَا مِن جِهةٍ ويُثَبِّتُ وُجودَها مِن جِهةٍ، ويُطوِّرُ أَداءَها مِن جهةٍ.. كما أنَّ بَعضَ شَبابِ الشِّيعةِ في العِراقِ والشَّامِ كانوا أعضاءً في جماعةِ الإخوانِ المُسلمِينَ، وحِزبِ التَّحريرِ، قَبْلَ تَأسيسِ (حِزبِ الدَّعوةِ) الشِّيعيِّ العراقيِّ في أَواخِرِ السِّتينياتِ، والذي أُسِّسَ مُتأثراً بحركيَّةِ الإخوانِ وحِزبِ التَّحريرِ معاً، وكان أَكبَرُ سَببين لتأسيسِه هما: مُناهضةَ الشُّيوعيَّةِ، وجَذبَ الشَّبابِ الشِّيعيِّ وحِفْظَه من التَّأثُّرِ الفكريِّ لِما سَمَّاه بعضُ مُؤرِّخِيهم: الإسلامَ السُّنِّيَّ!!
ورَغمَ كُلِّ هذا التَّداخُلِ؛ فإنَّ جَمَّاً غفيراً من الأفاضلِ الأوائلِ في جَماعةِ الإخوانِ المُسلمِينَ -في بِلادِ الشَّامِ خاصةً- حَذَّروا جماعَتَهم مِن وَهْمِ التَّقريبِ تَحذيراً شديداً، والتمسوا الأعذارَ للشَّيخِ حسن البنا -غَفرَ اللهُ له- بالزمنِ والسياق.. وكان على رَأسِ هَؤلاءِ الأفاضلِ: المُراقبُ العامُّ الأستاذُ (مصطفى السِّباعي) الذي دَعا للتَّقريبِ ابْتِداءً، ثُم عادَ وحَذَّرَ منه بَعدَ اكتشافِه خَطَرَه وسَرَابِيَّتَه.. أمَّا الشَّيخُ (سعيد حوى) فقد كَتَبَ رِسالةً نفيسةً عن الخُمينيِّ؛ سَمَّاها: (الخُمينيَّةُ: شذوذٌ في العقائدِ وشُذوذٌ في المَواقفِ)، وكان الشَّيخُ سعيد قد التقى الخمينيَّ في مايو 1979 على رأسِ وفدٍ من الإخوانِ المسلمِينَ، ودَارَ بينهما حديثٌ مُقتَضَبٌ أَخبَرَه فيه الخمينيُّ بأنَّه مُطَّلعٌ على الأحداثِ في سوريا، ووَعَدَه بالتَّوسُّطِ لدى حافظ أسد ليَكُفَّ أذاه عن المسلمِينَ في الشَّامِ.. وقد صَدَّقَ الشيخُ سعيد حوى وُعودَ الخُمَيْنيِّ كما صَدَّقَهَا غالبُ الإسلاميِّين من الإخوانِ وغَيرِهم، وتَمَنَّى الشيخُ ألَّا تَتَوَرَّطَ الثورةُ الإيرانيةُ في سوريا، ولكنَّها -على حَدِّ قَوْلِه في مُذكِّراتِه- تَوَرَّطَتْ.
بل إنَّ الخُمَيْنيَّ -وكعادةِ الشِّيعةِ- لم يَكتفِ بتجاهُلِ وُعودِه حِينَ اشْتَدَّتْ حاجةُ الإخوانِ المسلمِينَ لوَساطَتِه إِبَّانَ مَذابحِ حافظ أسد لهم وللشَّعبِ السُّوريِّ في الثمانينيَّاتِ؛ بل وَقَفَ مع حافظ أسد وسانَدَه ضِدَّ الإخوانِ المُسلمينَ، وهاجَمَتْ صُحُفُه الرَّسميةُ ومنابرُ مساجدِه الإخوانَ المسلمِينَ ووَصَفَتْهم بالمنافقِينَ والعُملاءِ.. كما زار سَفَّاحُ الثَّورةِ الإيرانيةِ ومُدَّعِيها العامُّ آنذاك (محمد صادق خلخالي) دِمشقَ لمؤازرةِ حافظ أسد، وسَمَّى الإخوانَ المسلمين في تَصريحٍ له -مِن قَلْبِ دِمشقَ إِبَّانَ تلك المَذابحِ- بإخوانِ الشَّياطينِ!!
حَدَثَ ذلك في الثَّمانينياتِ من القرنِ العشرينِ، كما يَحدُثُ الآنَ في العشرينياتِ من القرنِ الحادي والعشرين دُونَ أن تَتَعَلَّمَ الجماعةُ الدَّرسَ، أو يَظهَرَ في الأُفقِ أنَّها يُمكِنُ أن تَتَعَلَّمَ مِن أيِّ دَرسٍ!!
***
لا يَصفُو شِيعيٌّ لمُسلمٍ أبداً.. وإنِّي -واللهِ- لا أَدري كيف يُمكنُ لِمُسلِمٍ بالغٍ عَاقلٍ مُكَلَّفٍ أن يَدعُوَ للتَّقارُبِ معَ الشِّيعةِ بَعدَ قِراءةِ كُتُبِهم ومَعرفةِ أُصولِهم والِاطِّلاعِ على تَاريخِهم قَديماً وحديثاً؟! لقد التمستُ لهؤلاءِ الأعذارَ السَّبعين؛ مرةً بالزَّمنِ والسِّياقِ، ومرةً باشتدادِ الخِداعِ، ومَرَّاتٍ بالمثاليةِ الحَمقاءِ؛ حتى صَارَتِ الأعذارُ تَبريراً والتَّبريرُ إرجاءً والإرجاءُ خِيانةً للهِ ولرسولِه وللمُسلمين!!
كيف يُمكِنُ أن نَتقارَبَ -دِينياً- مَعَ قومٍ يَرَوْنَ (الإِمامةَ) أَصلاً مِن أُصولِ الدِّينِ لا يَكُونُ المسلمُ مُسلماً إلَّا إذا اعتَقَدَها وَسَلَّمَ بها، وآمنَ أنها نَصٌّ مِن اللهِ تعالى في كِتابِه الكريمِ، ووَصيةٌ من رَسولِه -صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ- في حَديثِه الشَّريفِ، وأنَّ مَن أَنْكَرَها فقد أَنْكَرَ النُّبُوَّةَ والأنبياءَ -بل إنَّ إِنكارَها أَشَدُّ كُفراً مِن إِنكارِ النُّبوَّةِ والأَنبياءِ-، ولا فَرقَ بَينَ كُفرِ مَنْ كَفَرَ باللهِ ورَسولِه وبَينَ كُفْرِ من كَفَر بإِمامةِ الأَئمَّةِ الاثنيْ عَشَرَ، وأنَّ مَنْ آمَنَ بإِمامٍ واحدٍ وجَحَدَ أيَّ إمامٍ آخَرَ؛ كان كمَن آمَن بعِيسى وكَفَرَ بمُحمَّدٍ، أو آمَنَ بمُحمَّدٍ وكَفَرَ بعيسى -عليهما الصَّلاةُ والسَّلامُ-!!
كيف يُمكِنُ أن نَتقارَبَ -دينياً- مَعَ قومٍ يَرَوْنَ القرآنَ الكريمَ مُحَرَّفاً زيادةً ونقصاناً، ويَزعُمون أنَّ علياً -رَضِيَ اللهُ عنه- جَمَعَ القرآنَ الصَّحيحَ، ثُم عَرَضَه على أبي بكرٍ وعُمرَ -رَضِيَ اللهُ عنهما-؛ فرَأَيَا في أوَّلِ صفحةٍ منه فضائحَ المُهاجِرِينَ والأَنصارِ بأَسمائِهم؛ فرَفَضَاه وأَمَرَا زيدَ بنَ ثابتٍ -رَضِيَ اللهُ عنه- أن يَجمَعَ لهما قرآناً يَمحُو منه تلك الفَضائحَ ويُسقِطُ منه إِمَامَةَ عليٍّ وأَبنائِه.. صَرَّح بهذا وأمثالِهِ غالبُ عُلمائِهم المُعتَبَرين؛ مِثلُ: الكليني، والمفيد، والمجلسي، والجزائري، والعياشي.. ولا تَكادُ تَجِدُ عالماً لهم يُشارُ له بالبَنانِ إلَّا وَجدْتَ له تَصريحاً بالتَّحريفِ أو تَصديقاً به، أو تَلْمِيحاً يُقارِبُ التَّصريحَ كَذِباً وتَقِيَّةً؛ حتى كَتَبَ أَحدُ عُلمائِهم- وهو النُّوريُّ الطبرسي- كتاباً كاملاً وسَمَّاه: (فَصْل الخطابِ في تَحريفِ كِتابِ رَبِّ الأربابِ)!!
كيف يُمكِنُ أن نَتقارَبَ -دِينياً- مَعَ قَومٍ يَعتقدُونَ (العِصمةَ) في اثْنَيْ عَشَرَ رجلاً يَرَوْنَهم مُنَزَّهِينَ عن الذُّنوبِ كَبيرِها وصَغيرِها، وعن الخَطأِ والنِّسيانِ والسَّهوِ واللَّهْوِ مِن الميلادِ حتى المَماتِ، وأنَّهم يَعلَمُون عِلمَ ما كان وما سيَكونُ، ويَحْيَوْنَ برَغبَتِهم ويَموتُونَ برَغبَتِهم، وأنَّهم مَصدرٌ للتَّشريعِ ما أَحَلُّوه فهو حلالٌ وما حَرَّمُوه فهو حَرامٌ، ولهم مِن المَنزلةِ ما لا يَبْلُغُه مَلكٌ مُقَرَّبٌ ولا نَبيٌّ مُرسَلٌ -كما قَالَ الخُمَيْنِيُّ- فكأنَّهم بهذا اتَّخَذُوا هؤلاءِ الأئمةَ أربابَاً مِن دُونِ اللهِ أو مَعَ اللهِ.. ولا أَعرِفُ لهذا وأَمثالِه مُسَمّىً سِوى مُسَمَّى شِركِ العِبادةِ، وهو عَينُ ما قَالَه رَسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ- لعَدِيِّ بنِ حَاتِمٍ حِينَ سَمِعَ آية: “اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابَاً مِنْ دُونِ اللهِ”؛ فقالَ عَدِيٌّ: إِنَّا لَسْنَا نَعْبُدُهُمْ! فقَالَ رَسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ-: “أَلَيْسَ يُحَرِّمُونَ مَا أَحَلَّ اللهُ فتُحَرِّمُونَهُ؟ وَيُحِلُّونَ مَا حَرَّمَ اللهُ فتُحِلُّونَهُ؟ فقالَ عَدِيٌّ: بَلَى؛ فقَالَ رَسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ-: فَتِلْكَ عِبَادَتُهُمْ”!!
كيف يُمكِنُ أن نَتقارَبَ -دِينياً- مَعَ قَومٍ يُجيزُونَ (البَدَاءَ) على اللهِ -جَلَّ وعَلَا- بمَعنَى ظُهورِ الأَمْرِ له بَعدَ خَفائِه، أو تَجَدُّدِ العِلمِ له بتَجَدُّدِ الأحداثِ؛ فيَرَوْنَه -جَلَّ وعَلَا- يُقَدِّرُ قَدَرَاً ثُمَّ يَرجِعُ عنه إنْ ظَهَرَ له خِلافُه -تَعالَى اللهُ عمَّا يَقولُونَ عُلُواً كَبيراً-.. وهي عقيدةٌ يهوديةٌ في الأصلِ ظَهَرَتْ عِندَهم أَوَّلَ ما ظَهَرَتْ على يَدِ المُختارِ الثَّقفيِّ الذي كانَ يَتنَبَّأُ لأَتْبَاعِهِ بالأَحداثِ قَبْلَ وُقوعِها؛ فإنْ حَدَثَتْ عَظُمَ في أَعيُنِهم، وإن لم تَحدُثْ قال لهم: (لقد بَدَا لرَبِّكم بَدْوَةٌ)؛ أي: ظَهَرَ للهِ -جَلَّ وعلا- أَمرٌ فغَيَّرَ قَدَرَه.. ثُم اتَّسَعَتْ هذه العَقيدةُ عِندَهم فاسْتَخَدَمَها كِبارُ كَذَّابِيهم -وكُلُّهم كَذَّابٌ- في تَبريرِ كَذِبِ تَنبُّؤَاتِهم لأَتباعِهم عن زَمنِ ظُهورِ مَهْدِيِّهم المَزعومِ.. وهذه العَقيدةُ الكُفريةُ يَعتبرُها بَعضُهم مِن لَوازمِ الإِيمانِ، ثُم يُفسِّرُونها تَفسيراتٍ مُراوغةً تَقِيَّةً وكَذِبًا!!
كيف يُمكِنُ أن نَتقارَبَ -دِينياً- مَعَ قَومٍ يُؤمِنون بـ (رَجْعَةِ) كَثيرٍ من الأمواتِ في الدُّنيا قَبْلَ الآخِرةِ، ويَرَوْنَها من وَاجباتِ الدِّينِ وضَرورِيَّاتِه ومَحَلِّ الإجماعِ والتَّواتُرِ.. وهي عَقيدةٌ يَهوديَّةٌ أيضاً قال بها ابنُ سَبَأٍ قَدِيماً وحَصَرَها في رَسولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ-، ثُم في عليٍّ -رَضِيَ اللهُ عنه-، ثُم انْداحَ أَمرُها واتَّسَعَ حتَّى أَعطَوْها لكثيرٍ من أَئمَّتِهم وبَعضِ صَالحِيهم وفَاسِدِيهم على حَدٍّ سَواءٍ.. ثُم أَلْصَقُوها بالمَهديِّ الذي يُسَمُّونه قائمَ آلِ مُحمَّدٍ، والذي سيَعودُ آخِرَ الزَّمانِ ليَنتَقِمَ مِن العربِ عَامةً وقُريشٍ خاصَّةً، ويُخرِجَ جَثَامِينَ عَائشةَ وأبي بكرٍ وعُمرَ -رَضِيَ اللهُ عنهم-؛ فيَرجُمَ عائشةَ حَدَّ الزِّنا، ويَصلِبَ أَبا بكرٍ وعُمرَ، ثُم يُحرِقَهما، ويَقطَعَ أَيادي بَنِي شَيْبَةَ سَدَنَةِ الكَعبةِ، ويُحيي خَمسَ مئةٍ من قُريشٍ فيَضرِبَ أَعناقَهم، ثُم خمسَ مئةٍ فيَضرِبَ أَعناقَهم، ثُم خَمسَ مئةٍ فيَضرِبَ أَعناقَهم.. يَفعَلُ ذلك سِتَّ مَرَّاتٍ؛ كما ذَكَرَ شَيخُ طائفتِهم (المفيد) في كتابِه (الإرشاد)، و(النعماني) في كتابه (الغَيبة).
كيف يُمكِنُ أنْ نَتقارَبَ -دِينياً- مَعَ قومٍ يُكَفِّرونَ الصَّحابةَ جَميعاً عدا ثلاثةٍ أو أربعةٍ أو ستةٍ -على خلافٍ بينَهم في العددِ لَعَنَهم اللهُ- ويَرَوْن المُهاجِرِينَ والأَنصارَ كُفَّاراً رَفَضُوا إِمامةَ عليٍّ، وحَرَّفُوا القُرآنَ، وبَدَّلوا الدِّينَ، وغَيَّرُوا الشَّريعةَ، واتَّبعُوا أَهواءَهم، ويُسَمُّون أبا بَكرٍ وعُمرَ صَنَمَيْ قُريشٍ ويَلعَنُونَهما في سُجودِهم، ويُكَفِّرونهما ويُكفِّرون مَن يُحِبُّهما، وأنَّ من يَرى لهما حَظاً في الإِسلامِ فهو من الثلاثةِ الذين لا يُكَلِّمُهُم اللهُ يومَ القيامةِ ولا يَنظُرُ إليهم ولهم عذابٌ أليمٌ، وأنَّ عَذابَ عُمرَ -رَضِيَ اللهُ عنه- يَومَ القيامةِ سيَكونُ أَشَدَّ مِن عَذابِ إِبليسَ الذي سَيُغَلُّ بسَبعين غُلاً من حَديدِ جَهَنَّمَ؛ بينما سيُغَلُّ عُمرُ بمئةٍ وعشرين غُلاً.. أمَّا عائشةُ وحَفصةُ -رَضِيَ اللهُ عنهما- فهما مَلعونَتانِ عِندَهم يَرَى بَعضُهم أنَّهما اتَّفَقَتا مَعَ أَبَوَيْهما أبي بكرٍ وعُمرَ على قَتْلِ النَّبيِّ -صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ- بالسُّمِّ!!
كيف يُمكِنُ أن نَتقارَبَ -دِينياً- مَعَ قومٍ يُكفِّرونَ المُسلمين جميعاً ويَرَوْنَ نَجاسَتَهم، ويُسَمُّونهم (نَواصِبَ)، ويُفتونَ لأَتباعِهم بحِلِّ دِمائِهم وأَموالِهم، وجَوازِ تَغريقِهم أو تَحريقِهم أو سَمِّهم أو هَدْمِ الحوائطِ عليهم، شَريطَةَ أنْ يَكونَ ذلك في السِّرِّ -إنْ كانَ النِّظامُ الحَاكمُ سُنيَّاً- حتَّى لا يَتأذَّى الشِّيعيُّ أو يُحاكَمَ.. وقد جَزَمَ (كمال الحيدري) -وهو مَرجعٌ شِيعيٌّ عِراقيٌّ مُعاصِرٌ- في تسجيلٍ مُصوَّرٍ له أنَّ جَميعَ عُلماءِ الشِّيعةِ اتَّفَقُوا على أنَّ جَميعَ أَهلِ السُّنَّةِ كُفارٌ لا يُحسَبون من المُسلِمِين.. وقد وَصَلَ الأمرُ بالخُمَيْنِيِّ نَفْسِه إلى مَدحِ شَخصِيَّتَينِ تَاريخِيَّتَينِ أَقامَتَا المَذابحَ للمُسلمِينَ؛ هما: (علي بن يَقطينَ) الذي أَحسَنَ هَارونُ الرَّشيدُ الظَّنَّ فيه فوَلَّاه الوزارةَ فهَدَمَ السِّجنِ على خمسِ مئةٍ من أَهلِ السُّنَّةِ، و(نصير الدين الطوسي) وزير هولاكو الذي أَدارَ مَعَ (ابنِ العلقميِّ) مَجزرةَ التَّتارِ في بَغدادَ.. قَالَ الخُمَيْنِيُّ في كتابِه المعروفِ (الحكومةُ الإسلاميَّةُ): “وإذا كَانَتْ ظُروفُ التَّقِيَّةِ تُلْزِمُ أَحَداً مِنَّا بالدُّخولِ في رَكْبِ السَّلاطينِ فهنا يَجِبُ الِامتناعُ عن ذلك حتَّى لو أَدَّى الامتناعُ إلى قَتْلِه، إلَّا أنْ يَكونَ في دُخولِه الشَّكليِّ نَصرٌ حَقيقيٌّ للإِسلامِ والمُسلمينَ مِثْلُ دُخولِ عليِّ بنِ يَقطينَ ونصيرِ الدِّينِ الطُّوسيِّ -رَحِمَهما اللهُ-“.. فالخُمينيُّ يَرَى أنَّ ما فَعَلَه ابنُ يَقطينَ بقَتْلِ المَساجينِ المُسلمينَ غِيلةً وغَدْراً، وما فَعَلَه الطُّوسيُّ بتَزْيِينِه مَذْبَحَةَ بَغدادَ لهُولاكو؛ نصرٌ للإسلامِ والمُسلمينَ، ويَمْدَحُهما على ذلك، ويَمنَعُ دُخُولَ الشِّيعيِّ في رَكْبِ السَّلاطينِ، إلَّا إذا كان دُخولُه سيُحدِثُ للمُسلمِينَ هذه المَجازرَ وأَمْثالَها.. ولَعَلَّ ذلك يَضَعُ أَيدِيَنا على الأَصلِ الدِّينيِّ لهذه المَجازرِ التي قَامُوا ويَقومُون بها اليَومَ في الشَّامِ والعِراقِ واليَمنِ!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق