العَجَب العُجَاب!أحمد عبد العزيز
تقول الرواية: التقى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) وصاحبٌ له فيروزَ النهاوندي الشهير بأبي لؤلؤة المجوسي (مولى المغيرة بن شعبة) في الطريق، فاستوقفه عمر ليسأله: ألم تقل يوما لو أشاء لصنعتُ رحى تطحن بالريح؟.. فالتفت إليه المجوسي عابسا وقال: لأصنعن لك رحى يتحدث الناس بها.. وما هي إلا خطوات، حتى مال عمر على صاحبه وقال: لقد توعدني هذا العبد.. وبعد حين، طعن المجوسي أمير المؤمنين وثلاثة عشر صحابيا وهم يؤدون صلاة الفجر، فاستشهِد عمر وسبعة آخرون، رضي الله عنهم وعن الصحابة أجمعين!
ولي مع هذه الرواية وقفتان:
الأولى: لغة "التعريض" التي تحدث بها المجوسي. إذ قال كلاما يعني ظاهرُه شيئا، بينما كان يقصد شيئا آخر، استشفه عمر (رضي الله عنه)، وهو ما كان.
الثانية: لماذا لم يتخذ عمر ضد ذلك المجوسي أي إجراء "احترازي" أو استباقي، كأن "يعتقله" أو ينفيه مثلا؟
أما لغة التعريض ذاتها، فقد استخدمها الجنرال المنقلب ياسر جلال في خطابه لأهالي المحروسة، يوم قال: "اصبروا واستروا العَجب العُجاب"! وقال في مناسبة أخرى: "وبُكره تشوفوا المحروسة"!.. غير أن الأغلبية الساحقة منهم ليس لهم فراسة عمر الذي التقط رسالة المجوسي في التو، وفسرها بأنها تهديد له بالقتل، فصدقوا ياسر جلال وظنوا به خيرا، لا سيما وأنه قال في بيان الانقلاب على رئيسه المنتخب: "إن هذا الشعب لم يجد مَن يحنو عليه"، ثم ثنَّى بيمين معقودة تنفي تطلعه للسلطة وحكم المحروسة فقال: "لا والله ما حكم عسكر، ولا فيه أي رغبة ولا إرادة لحكم المحروسة"!.. وغير ذلك من المعاريض والأيمان الغموس التي لن ينساها التاريخ له أبدا..
وكما صدق المجوسي في تهديده، فقتل أمير المؤمنين (رضي الله عنه)، صدق المنقلب ياسر جلال في وعيده، فرأى أهل المحروسة على يديه العجب العجاب!
بعضه فوق بعض
في لقاء (خضع لمونتاج رديء) مع رؤوس أبواقه الإعلامية، قبل أيام قلائل، قال الجنرال ياسر جلال: "كنت صريحا مع الشعب، وقلت إن التحديات الموجودة أكبر من أي رئيس وحكومة"..
لا يا جلال!.. لم تقل ذلك، إلا بعد أن علت أصوات أهالي المحروسة بالصراخ، محتجين على انفلات الأسعار الصاروخي، وهدم بيوتهم، ونهب أموالهم، وتردي أحوالهم.. أما الذي قلتَه، فقد ذكرتُ بعضا منه للتو في الفقرة السابقة!
ولنفرض (جدلا) أنك قلت ذلك.. هذا يعني أنك كنت تعي وتدرك وتعرف أن التحديات التي تواجهها المحروسة أكبر من أي رئيس وحكومة، فلِمَ تصديت (يا جلال) لمهمة تُقِر بأنها أكبر من أي رئيس وحكومة، فانقلبت انقلابا داميا على رئيسك المنتخب الذي كلفه الشعب بمواجهة هذه التحديات؟!
الحقيقة (يا جلال) أنك كنت مستعدا للحنث بيمينك والانقلاب على رئيسك، لفساد طبعك، فلم تتردد في تنفيذ الأمر بالانقلاب، فانقلبت لصالح جهات باتت معروفة للجميع، وكان منك ما كان من المجوسي، فأدخلت المحروسة وأهلها (عن سابق قصد وتصميم) في هذا الثقب الأسود الذي تتخبط فيه اليوم!
حقا.. إنه العجب العجاب!
اختطف الجنرال المنقلب رئيسه المنتخب، ووضعه في قفص زجاجي؛ كي لا يخرج صوته إلا بإذن الجالسين على منصة القضاء بالرشوة والمحسوبية، بينما قام هو بتسخير كل إمكانات الدولة حرفيا لإنتاج مسلسل (يذاع ثلاث مرات يوميا) يسرد فيه روايته التي لم يصدقها إلا البلهاء من أهل المحروسة، أما العقلاء (بمن فيهم خصوم الرئيس المنتخب) فقد تناولوها بالنقد اللاذع، والسخرية الحارقة..
لقد رأى بعض العقلاء أن المسلسل ليس أكثر من "وصفة طبية نفسية" لعلاج عُقد النقص لدى الجنرال المنقلب، كقِصَر القامة، والظهر المقوَّس، والرأس المطأطأ على الدوام، والتزلف الذي كان يمارسه مع رؤسائه، والانكسار الذي كان يبديه لهم، والازدراء الذي كان يلقاه منهم. وقد روى بلسانه طرفا من هذا الازدراء، حين قال على لسان أحد قادته الذي وجه حديثه إليه يوما: "مين الضابط النتن اللي حاطط الدبوس في الأستيكة؟!".
روشتة كلفت المحروسة (الفقيرة أوي) الملايين؛ لعلاج عُقد النقص لدى شخص مريض، مكانه الطبيعي المصحة النفسية، وليس قصر الحكم!
حقا.. إنه العجب العجاب!
بالمخالفة للدستور، واستخفافا بالشعب، قام الجنرال ياسر جلال بالتنازل عن جزيرتي تيران وصنافير لصالح السعودية، أو لصالح العدو الصهيوني على الحقيقة، رغم الحكم ببطلان هذا الإجراء الذي ينطبق عليه (تماما) توصيف "الخيانة العظمى"، ثم خرج غاضبا على أهالي المحروسة ليصرخ فيهم: "محدش [لا أحد] يتكلم في الموضوع تاني"؛ لأن الست والدته قالت له ذات يوم: "م تاخُدش [لا تأخذ] حق حد"!.. وقد رأى جلال (لأسباب باتت مفضوحة) أن الجزيرتين ليستا من "حقه" فتنازل عنهما لمن اعتبره "صاحب الحق" فيهما، وحاول تصوير الأمر كما لو كان تنازلا عن متر أرض في حديقة بيته، استولى عليه بطريق الخطأ من جاره "العزيز"!
حقا.. إنه العجب العجاب!
بالمخالفة للدستور، وتجاهل مهين للشعب، ولمجلس نوابه الذي اختاره الجنرال ياسر جلال على عينه، وقَّع جلال (سرا) اتفاقية مع السودان وإثيوبيا، تنازل بموجبها عن حصة مصر التاريخية في مياه النيل، ثم طلب (على الهواء) إلى رئيس الوزراء الإثيوبي، في مشهد غير مسبوق أن يردد خلفه: " قول والله والله لن نقوم بأي ضرر للمياه في المحروسة".. أليس هذا ضحكا على الذقون، واستخفافا بالعقول، واحتقارا للشعب، وإضراراً متعمدا بالمحروسة وأهلها، لم تعد آثاره تخفى على أحد؟!
حقا.. إنه العجب العجاب!
حسب التقارير الصادرة عن بيوت الخبرة والمؤسسات الدولية، فإن ديون المحروسة ستصل إلى 391 مليار دولار بنهاية هذا العام (2022)، لتصبح ثاني أكبر بلد مدين في العالم.. ديون هائلة، لم ير الشعب أي أثر إيجابي لها في حياته!.. فالشعب (رغم هذا الرقم المخيف) لم ير سوى إلغاء بطاقات التموين، وتدني الخدمات، وبيع أصول البلاد، وارتفاع جنوني للأسعار، وضرائب وإتاوات تحت مسميات عجيبة، فلا تنمية ولا تطوير ولا استثمار ولا إنتاج!
أين ذهبت وتذهب كل هذه المليارات؟!.. الظاهر أن جزءا منها أُنفِق في سداد ديون سابقة وفوائدها، وشق تفريعة قناة السويس لـ"رفع معنويات" المصريين! وبناء عاصمة جديدة قد لا تكتمل، وإنشاء خط قطار نخبوي سريع، لن يجرؤ 90 في المائة من المصريين على الاقتراب منه! وطرق لا يسير عليها إلا مَن استطاع إليها سبيلا، واقتناء أسطول طائرات رئاسي، وتشييد قصور واستراحات رئاسية، وبناء عدد كبير من السجون ذات السعة العالية، ومعدات حربية متنوعة، ليست للدفاع ولا للهجوم، وإنما لتحصيل العمولات وشراء السكوت على تردي حقوق الإنسان!.. أما باقي هذه المليارات، فتُسأل عنها البنوك السويسرية..
حقا.. إنه العجب العجاب!
في بلد الأزهر، وما أدراك ما الأزهر ومنزلته في نفوس المسلمين حول العالم.. في بلد دينه الإسلام بنص الدستور، 95 في المائة من أهله مسلمون، يصدر وزير "الأوقاف" قرارات لا تصدر إلا عن الحاكم العسكري في ظل احتلال أجنبي، في الحالات القصوى، منها: منع الاعتكاف في المساجد، في العشر الأواخر من رمضان؛ لأن "المسجد مش فندق"!.. وتكليف مفتشي الأوقاف بالمرور على المساجد للتأكد من غلقها، وخلوها من المعتكفين، مع ضرورة نشر صورهم لإثبات قيامهم بهذه المهمة "الوطنية"!.. ومن قرارته (أيضا) عدم أداء صلاة العيد في الساحات العامة، وعدم اصطحاب الأطفال! وألا تزيد صلاة العيد عن سبع دقائق!
حقا.. إنه العجب العجاب!
ومن العجب العجاب (أيضا) أن يرفع أحدهم دعوى لإطلاق اسم الجنرال المنقلب على العاصمة الإدارية الجديدة!.. هل أمر كهذا يحتاج إلى رفع دعوى في بلد بات كل شيء فيها تحت تصرف المشير ياسر جلال؟!
لأنه الراشد عمر
قد يسأل سائل: لماذا لم يتخذ عمر (رضي الله عنه) ضد ذلك المجوسي أي إجراء "احترازي" أو استباقي، كأن "يعتقله" أو ينفيه مثلا، بما أنه استشف التهديد في كلامه؟
قبل أن أجيب.. أرجو (عزيزي القارئ) أن تتخيل هذا الموقف.. عبد مجوسي، يعبس في وجه الحاكم، يناطحه ويتوعده، ولا يخشى على نفسه شيئا!.. مشهد لا تجده إلا في مجتمع تحكمه شريعة الإسلام، أعلى رأس فيه لا يرى لنفسه أي امتياز، ولو على عبد مجوسي!
إن دين عمر (رضي الله عنه) يمنعه من الافتئات على الشريعة، أو "التحايل" على ضوابطها القطعية.. فهو الخليفة الراشد الذي يعلم (بنص الحديث النبوي الشريف) أن ما يصدر عنه من "إجراءات" بصفته تلك، بمثابة تشريعات للمسلمين، ستظل سارية إلى يوم الدين.. فأنَّى له أن يُشرِّع بخلاف الشرع الحنيف الذي يقول: لا عقوبة إلا بجُرم، والشبهة تدرء العقوبة.. فما بالك والشبهة منتفية أصلا.. فالتعريض ليس جُرما ولا شُبهة، والاستشفاف والاستنباط ليسا دليلا إدانة.. ودفع الفاروق حياته ثمنا لصيانة الشريعة من الهوى، وحظ النفس، والتأويل الفاسد..
ولنفرض جدلا أن عمر حبس المجوسي "احترازيا" لشبهة التهديد بالقتل الذي تسربل بالتعريض، فهل كان سيسمح الصحابة (رضوان الله عليهم) بهذا "التلاعب" بالشريعة؟!.. كلا البتة، وحاشاهم جميعا أن يفعلوا.
إنه الإسلام العظيم الذي ارتضاه الله لنا دينا، ونتطلع إلى أن يعيش البشر جميعا تحت رايته، وإن ظل المشركون على شِركهم، والوثنيون على وثنيتهم، والملحدون على إلحادهم.. فلا نُكره أحدا على الدخول فيه، فمن شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر.. ومع ذلك، يتهمنا الطغاة بالإرهاب!.. أليس هذا من العجب العجاب؟!
أما في شريعة الغاب التي تحكمنا اليوم، فالمنتصر هو صاحب الحق ولو كان ظالما، وهو الصادق ولو كان كذوبا، وهو الأمين ولو كان خائنا، وهو الوطني ولو باع الوطن!.. وأما المغلوب فهو المخطئ ولو كان مظلوما، وهو الكاذب ولو كان صدوقا، وهو الخائن ولو كان أمينا، وهو الإرهابي وإن لم يقتل صرصارا في حياته!
في ظل هذه الشريعة الفاسدة التي تحكم المحروسة وغيرها من بلاد المسلمين، يؤخذ الابن بجريرة أبيه، ويؤخذ الأب بجريرة ابنه، بل يؤخذ الناس بجريرة أقاربهم حتى الدرجة الخامسة، وليس بالضرورة أن تتوفر جريرة من الأساس!.. يكفي "الاشتباه"!.. حتى الاشتباه (في زمن ياسر جلال) لم يعد ضروريا.. يكفي جدا أن يقرر جلال ومَن دونه أن يُزج بهذا في السجن، وأن يُعلَّق ذاك على حبل المشنقة، ومعدومو الضمير من القضاة في الخدمة، والمخرج (الملاكي) بيتر ميمي جاهز (في أي وقت) للقص واللصق؛ ليصنع مسلسلات بميزانية مفتوحة!
حقا.. إنه العجب العجاب!
twitter.com/AAAzizMisr
ولي مع هذه الرواية وقفتان:
الأولى: لغة "التعريض" التي تحدث بها المجوسي. إذ قال كلاما يعني ظاهرُه شيئا، بينما كان يقصد شيئا آخر، استشفه عمر (رضي الله عنه)، وهو ما كان.
الثانية: لماذا لم يتخذ عمر ضد ذلك المجوسي أي إجراء "احترازي" أو استباقي، كأن "يعتقله" أو ينفيه مثلا؟
أما لغة التعريض ذاتها، فقد استخدمها الجنرال المنقلب ياسر جلال في خطابه لأهالي المحروسة، يوم قال: "اصبروا واستروا العَجب العُجاب"! وقال في مناسبة أخرى: "وبُكره تشوفوا المحروسة"!.. غير أن الأغلبية الساحقة منهم ليس لهم فراسة عمر الذي التقط رسالة المجوسي في التو، وفسرها بأنها تهديد له بالقتل، فصدقوا ياسر جلال وظنوا به خيرا، لا سيما وأنه قال في بيان الانقلاب على رئيسه المنتخب: "إن هذا الشعب لم يجد مَن يحنو عليه"، ثم ثنَّى بيمين معقودة تنفي تطلعه للسلطة وحكم المحروسة فقال: "لا والله ما حكم عسكر، ولا فيه أي رغبة ولا إرادة لحكم المحروسة"!.. وغير ذلك من المعاريض والأيمان الغموس التي لن ينساها التاريخ له أبدا..
وكما صدق المجوسي في تهديده، فقتل أمير المؤمنين (رضي الله عنه)، صدق المنقلب ياسر جلال في وعيده، فرأى أهل المحروسة على يديه العجب العجاب!
بعضه فوق بعض
في لقاء (خضع لمونتاج رديء) مع رؤوس أبواقه الإعلامية، قبل أيام قلائل، قال الجنرال ياسر جلال: "كنت صريحا مع الشعب، وقلت إن التحديات الموجودة أكبر من أي رئيس وحكومة"..
لا يا جلال!.. لم تقل ذلك، إلا بعد أن علت أصوات أهالي المحروسة بالصراخ، محتجين على انفلات الأسعار الصاروخي، وهدم بيوتهم، ونهب أموالهم، وتردي أحوالهم.. أما الذي قلتَه، فقد ذكرتُ بعضا منه للتو في الفقرة السابقة!
ولنفرض (جدلا) أنك قلت ذلك.. هذا يعني أنك كنت تعي وتدرك وتعرف أن التحديات التي تواجهها المحروسة أكبر من أي رئيس وحكومة، فلِمَ تصديت (يا جلال) لمهمة تُقِر بأنها أكبر من أي رئيس وحكومة، فانقلبت انقلابا داميا على رئيسك المنتخب الذي كلفه الشعب بمواجهة هذه التحديات؟!
الحقيقة (يا جلال) أنك كنت مستعدا للحنث بيمينك والانقلاب على رئيسك، لفساد طبعك، فلم تتردد في تنفيذ الأمر بالانقلاب، فانقلبت لصالح جهات باتت معروفة للجميع، وكان منك ما كان من المجوسي، فأدخلت المحروسة وأهلها (عن سابق قصد وتصميم) في هذا الثقب الأسود الذي تتخبط فيه اليوم!
حقا.. إنه العجب العجاب!
اختطف الجنرال المنقلب رئيسه المنتخب، ووضعه في قفص زجاجي؛ كي لا يخرج صوته إلا بإذن الجالسين على منصة القضاء بالرشوة والمحسوبية، بينما قام هو بتسخير كل إمكانات الدولة حرفيا لإنتاج مسلسل (يذاع ثلاث مرات يوميا) يسرد فيه روايته التي لم يصدقها إلا البلهاء من أهل المحروسة، أما العقلاء (بمن فيهم خصوم الرئيس المنتخب) فقد تناولوها بالنقد اللاذع، والسخرية الحارقة..
لقد رأى بعض العقلاء أن المسلسل ليس أكثر من "وصفة طبية نفسية" لعلاج عُقد النقص لدى الجنرال المنقلب، كقِصَر القامة، والظهر المقوَّس، والرأس المطأطأ على الدوام، والتزلف الذي كان يمارسه مع رؤسائه، والانكسار الذي كان يبديه لهم، والازدراء الذي كان يلقاه منهم. وقد روى بلسانه طرفا من هذا الازدراء، حين قال على لسان أحد قادته الذي وجه حديثه إليه يوما: "مين الضابط النتن اللي حاطط الدبوس في الأستيكة؟!".
روشتة كلفت المحروسة (الفقيرة أوي) الملايين؛ لعلاج عُقد النقص لدى شخص مريض، مكانه الطبيعي المصحة النفسية، وليس قصر الحكم!
حقا.. إنه العجب العجاب!
بالمخالفة للدستور، واستخفافا بالشعب، قام الجنرال ياسر جلال بالتنازل عن جزيرتي تيران وصنافير لصالح السعودية، أو لصالح العدو الصهيوني على الحقيقة، رغم الحكم ببطلان هذا الإجراء الذي ينطبق عليه (تماما) توصيف "الخيانة العظمى"، ثم خرج غاضبا على أهالي المحروسة ليصرخ فيهم: "محدش [لا أحد] يتكلم في الموضوع تاني"؛ لأن الست والدته قالت له ذات يوم: "م تاخُدش [لا تأخذ] حق حد"!.. وقد رأى جلال (لأسباب باتت مفضوحة) أن الجزيرتين ليستا من "حقه" فتنازل عنهما لمن اعتبره "صاحب الحق" فيهما، وحاول تصوير الأمر كما لو كان تنازلا عن متر أرض في حديقة بيته، استولى عليه بطريق الخطأ من جاره "العزيز"!
حقا.. إنه العجب العجاب!
بالمخالفة للدستور، وتجاهل مهين للشعب، ولمجلس نوابه الذي اختاره الجنرال ياسر جلال على عينه، وقَّع جلال (سرا) اتفاقية مع السودان وإثيوبيا، تنازل بموجبها عن حصة مصر التاريخية في مياه النيل، ثم طلب (على الهواء) إلى رئيس الوزراء الإثيوبي، في مشهد غير مسبوق أن يردد خلفه: " قول والله والله لن نقوم بأي ضرر للمياه في المحروسة".. أليس هذا ضحكا على الذقون، واستخفافا بالعقول، واحتقارا للشعب، وإضراراً متعمدا بالمحروسة وأهلها، لم تعد آثاره تخفى على أحد؟!
حقا.. إنه العجب العجاب!
حسب التقارير الصادرة عن بيوت الخبرة والمؤسسات الدولية، فإن ديون المحروسة ستصل إلى 391 مليار دولار بنهاية هذا العام (2022)، لتصبح ثاني أكبر بلد مدين في العالم.. ديون هائلة، لم ير الشعب أي أثر إيجابي لها في حياته!.. فالشعب (رغم هذا الرقم المخيف) لم ير سوى إلغاء بطاقات التموين، وتدني الخدمات، وبيع أصول البلاد، وارتفاع جنوني للأسعار، وضرائب وإتاوات تحت مسميات عجيبة، فلا تنمية ولا تطوير ولا استثمار ولا إنتاج!
أين ذهبت وتذهب كل هذه المليارات؟!.. الظاهر أن جزءا منها أُنفِق في سداد ديون سابقة وفوائدها، وشق تفريعة قناة السويس لـ"رفع معنويات" المصريين! وبناء عاصمة جديدة قد لا تكتمل، وإنشاء خط قطار نخبوي سريع، لن يجرؤ 90 في المائة من المصريين على الاقتراب منه! وطرق لا يسير عليها إلا مَن استطاع إليها سبيلا، واقتناء أسطول طائرات رئاسي، وتشييد قصور واستراحات رئاسية، وبناء عدد كبير من السجون ذات السعة العالية، ومعدات حربية متنوعة، ليست للدفاع ولا للهجوم، وإنما لتحصيل العمولات وشراء السكوت على تردي حقوق الإنسان!.. أما باقي هذه المليارات، فتُسأل عنها البنوك السويسرية..
حقا.. إنه العجب العجاب!
في بلد الأزهر، وما أدراك ما الأزهر ومنزلته في نفوس المسلمين حول العالم.. في بلد دينه الإسلام بنص الدستور، 95 في المائة من أهله مسلمون، يصدر وزير "الأوقاف" قرارات لا تصدر إلا عن الحاكم العسكري في ظل احتلال أجنبي، في الحالات القصوى، منها: منع الاعتكاف في المساجد، في العشر الأواخر من رمضان؛ لأن "المسجد مش فندق"!.. وتكليف مفتشي الأوقاف بالمرور على المساجد للتأكد من غلقها، وخلوها من المعتكفين، مع ضرورة نشر صورهم لإثبات قيامهم بهذه المهمة "الوطنية"!.. ومن قرارته (أيضا) عدم أداء صلاة العيد في الساحات العامة، وعدم اصطحاب الأطفال! وألا تزيد صلاة العيد عن سبع دقائق!
حقا.. إنه العجب العجاب!
ومن العجب العجاب (أيضا) أن يرفع أحدهم دعوى لإطلاق اسم الجنرال المنقلب على العاصمة الإدارية الجديدة!.. هل أمر كهذا يحتاج إلى رفع دعوى في بلد بات كل شيء فيها تحت تصرف المشير ياسر جلال؟!
لأنه الراشد عمر
قد يسأل سائل: لماذا لم يتخذ عمر (رضي الله عنه) ضد ذلك المجوسي أي إجراء "احترازي" أو استباقي، كأن "يعتقله" أو ينفيه مثلا، بما أنه استشف التهديد في كلامه؟
قبل أن أجيب.. أرجو (عزيزي القارئ) أن تتخيل هذا الموقف.. عبد مجوسي، يعبس في وجه الحاكم، يناطحه ويتوعده، ولا يخشى على نفسه شيئا!.. مشهد لا تجده إلا في مجتمع تحكمه شريعة الإسلام، أعلى رأس فيه لا يرى لنفسه أي امتياز، ولو على عبد مجوسي!
إن دين عمر (رضي الله عنه) يمنعه من الافتئات على الشريعة، أو "التحايل" على ضوابطها القطعية.. فهو الخليفة الراشد الذي يعلم (بنص الحديث النبوي الشريف) أن ما يصدر عنه من "إجراءات" بصفته تلك، بمثابة تشريعات للمسلمين، ستظل سارية إلى يوم الدين.. فأنَّى له أن يُشرِّع بخلاف الشرع الحنيف الذي يقول: لا عقوبة إلا بجُرم، والشبهة تدرء العقوبة.. فما بالك والشبهة منتفية أصلا.. فالتعريض ليس جُرما ولا شُبهة، والاستشفاف والاستنباط ليسا دليلا إدانة.. ودفع الفاروق حياته ثمنا لصيانة الشريعة من الهوى، وحظ النفس، والتأويل الفاسد..
ولنفرض جدلا أن عمر حبس المجوسي "احترازيا" لشبهة التهديد بالقتل الذي تسربل بالتعريض، فهل كان سيسمح الصحابة (رضوان الله عليهم) بهذا "التلاعب" بالشريعة؟!.. كلا البتة، وحاشاهم جميعا أن يفعلوا.
إنه الإسلام العظيم الذي ارتضاه الله لنا دينا، ونتطلع إلى أن يعيش البشر جميعا تحت رايته، وإن ظل المشركون على شِركهم، والوثنيون على وثنيتهم، والملحدون على إلحادهم.. فلا نُكره أحدا على الدخول فيه، فمن شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر.. ومع ذلك، يتهمنا الطغاة بالإرهاب!.. أليس هذا من العجب العجاب؟!
أما في شريعة الغاب التي تحكمنا اليوم، فالمنتصر هو صاحب الحق ولو كان ظالما، وهو الصادق ولو كان كذوبا، وهو الأمين ولو كان خائنا، وهو الوطني ولو باع الوطن!.. وأما المغلوب فهو المخطئ ولو كان مظلوما، وهو الكاذب ولو كان صدوقا، وهو الخائن ولو كان أمينا، وهو الإرهابي وإن لم يقتل صرصارا في حياته!
في ظل هذه الشريعة الفاسدة التي تحكم المحروسة وغيرها من بلاد المسلمين، يؤخذ الابن بجريرة أبيه، ويؤخذ الأب بجريرة ابنه، بل يؤخذ الناس بجريرة أقاربهم حتى الدرجة الخامسة، وليس بالضرورة أن تتوفر جريرة من الأساس!.. يكفي "الاشتباه"!.. حتى الاشتباه (في زمن ياسر جلال) لم يعد ضروريا.. يكفي جدا أن يقرر جلال ومَن دونه أن يُزج بهذا في السجن، وأن يُعلَّق ذاك على حبل المشنقة، ومعدومو الضمير من القضاة في الخدمة، والمخرج (الملاكي) بيتر ميمي جاهز (في أي وقت) للقص واللصق؛ ليصنع مسلسلات بميزانية مفتوحة!
حقا.. إنه العجب العجاب!
twitter.com/AAAzizMisr
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق