فجر جديد يبزُغ من القدس
أميرة أبو الفتوح
كلما خيم الليل وحلك الظلام على الأمة واشتدت العتمة ويئس أبناؤها، بزغ الفجر من القدس وأضاء بنوره على الأمة كلها ونزع ما في صدور أبنائها من يأس وإحباط وليبعث فيها الأمل واليقين بالنصر..
نعم، إنه الفجر الجديد الذي انطلقت إرهاصاته مع قدوم شهر رمضان الكريم، والذي يفاجئنا فيه الفلسطينيون كل عام ببطولاتهم التي تعيد الروح إلى الأمة، فلازالت معركة "سيف القدس"، التي جرت رحاها في رمضان الماضي، عالقة في أذهاننا وها نحن نسترجعها هذا العام مع اقتحام قوات الاحتلال الصهيوني المدججة بالسلاح، ساحات المسجد الأقصي والتي أفرغته من المصلين بالقوة وأغلقت جميع أبوابه، ووضعت المتاريس الحديدية عند مدخل باب العامود، على خلفية دعوات خبيثة لتنظيمات قومية متطرفة من المستوطنين مع حلول عيد الفصح اليهودي لاقتحام المسجد وذبح قرابين داخله..
وعلّنا نتذكر أن سلطات الاحتلال قد قامت منذ عام 2015، بحظر الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني والتي يقودها الشيخ رائد صلاح ومنعت مسيرة البيارق، وهي قوافل حافلات تقل مصلين إلى الأقصى، كما حظرت مؤسسات كانت تخدم المسجد الأقصى، وهو ما يجعلنا على يقين بأن قوات الاحتلال متواطئة مع تلك التنظيمات المتطرفة وأن هناك تنسيقا بينهما وخاصة في ظل الحكومة اليمينية الحالية..
ولكن المرابطين الأبطال خيبوا أمالهم وأحبطوا مؤامراتهم الدنيئة واستطاعوا بصدورهم العارية وبإرادتهم الصلبة العنيدة وبقوة إيمانهم أن يردونهم على أدبارهم ويرجعونهم خائبين.
لقد سجل الفلسطينيون ملحمة بطولية جديدة تضاف إلى سجلهم الحافل بالبطولات، في مواجهة الاحتلال وأن يجبروه على فتح أبواب المسجد، بعد مواجهات عنيفة دارت بينهما أدت إلى إصابة ما يزيد عن 150 بالرصاص المطاطي والاختناق، واعتقال أكثر من 400 مصل،
عدد كبير منهم من الآراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، أو ما يطلقون عليهم عرب 48، وفي ذلك دلالة هامة يجب رصدها، إذ أن مقاومة الاحتلال لم تعد محصورة في قطاع غزة المحاصر، بل امتدت إلى الآراضى الفلسطينية المحتلة، داخل حدود الكيان الصهيوني، والتي حسب أنه قادر على ترويض سكانها ببعض المميزات التي يحرمها عن باقى الفلسطينيين في الضفة وغزة، أو ردعهم بقوة السلاح الغادر الذي يملكه.
ولقد اتضح ذلك جلياً أيضا قبل أسبوعين من اقتحام المسجد الأقصى، في العمليات الفدائية الأربع التي ضربت المدن الكبرى المحتلة، العاصمة تل أبيب، بئر السبع، الخضيرة، بني براك، أي بعيداً عن أعين قوات عباس العميلة التي تقوم بالتنسيق الأمني مع قوات العدو الصهيوني وتطارد المقاومين وتعتقلهم في غياهب السجون وتبلغ عنهم قوات الاحتلال ليقتلونهم.
لقد سجل الفلسطينيون ملحمة بطولية جديدة تضاف إلى سجلهم الحافل بالبطولات، في مواجهة الاحتلال وأن يجبروه على فتح أبواب المسجد، بعد مواجهات عنيفة دارت بينهما أدت إلى إصابة ما يزيد عن 150 بالرصاص المطاطي والاختناق، واعتقال أكثر من 400 مصل،لقد نجحت هذه العمليات العسكرية الأربع التي نفذها خمسة فدائيين لا ينتمون إلى أي فصيل فلسطيني مقاوم، في تحقيق أهدافها في إسقاط كل نظريات الأمن والاستقرار في الكيان الصهيوني واستطاعت أن تدمر معنويات المستوطنين في كل الآراضي الفلسطينية المحتلة، وتعيشهم في رعب وخوف من مصير مجهول..
أستطاعت هذه العمليات العسكرية الأربع أن تقتل 14 صهيونياً وإصابة ما لا يقل عن 20 آخرين، ولأنها لم تكن من تخطيط تنظيم أو حركة مقاومة فلسطينية، ولكنها جاءت بمبادرات فردية، فلم تستطع دولة الاحتلال أن تهدد هذا التنظيم أو هذه الحركة، أو تتدخل دول للتفاوض معها لوقف تلك العمليات، وهو ما يذكرنا بالانتفاضة الفلسطينية الأولى، لأن جميعها ضربت أهدافاً في أراضي فلسطينية محتلة عام 48، أعتبرها الكيان الصهيوني داخل حدوده الآمنة، ومن هنا كانت سر قوتها ودويها العالي الذي زلزل الكيان برمته، والتي لم تستطع قوات الكيان الصهيوني بكل ما تملكه من أسلحة ومعدات حربية أن تقتحم مخيم جينين الذي لا تزيد مساحته عن كيلومتر مربع واحد، والذي خرج منه رعد حازم منفذ عملية شارع ديزنغوف وسط مدينة تل أبيب..
لقد كانت مقاومة أهالى جينين ودفاعهم المستميت عن مخيمهم، آية من آيات البطولة والفداء أذهلت عدوهم وأرعبته فانسحبوا سريعاً تجنباً لمزيد من الخسائر، لقد أصبح مخيم جينين أيقونة المقاومة الفلسطينية لصلابة رجاله الأشداء، فلنتذكر قبل عشرين عاماً حاولت المدرعات الصهيونية اقتحام المخيم لاغتيال خلية للجهاد الإسلامي فيه واستمرت عملية الاقتحام أكثر من 12 يوماً تكبد المهاجمون فيه خسائر عظمى وعل أبرزها مقتل 24 جندياً من بينهم جنرالات وعمداء ورجال أمن كبار، ولهذا اختارت قيادات القوات المهاجمة اليوم الانسحاب بطريقة مهينة تقليصا للخسائر وحماية لسمعتها التي مُرغت من قبل في التراب، وضاعت هيبتها أمام العالم..
الاحتلال الصهيوني لا يفهم إلا لغة القوة، وهذا ما أثبته الفلسطينيين في القدس وفي الضفة وقطاع غزة ومناطق عام 48 المحتلة، لقد انتهي الزمن الذي كانت تحسم فيه قوات الاحتلال المعارك كما تشاء.. لقد أعماهم الغرور والغطرسة عن رؤية الحقائق المتغيرة بشكل متسارع على الأرض، واعتقدوا أن معاهدة أوسلو اللعينة والتي افرزت سلطة التنسيق الأمني معها ستحميهم وتمنع المقاومين وستحول بينهم وبين الوصول إلى كيانهم المغتصب، فجاء هؤلاء الفدائيون الخمسة ممن ولدوا بعد أوسلو..
لقد تمادى العدو الصهيوني في القتل والتنكيل وتوغل في الاستيطان في الآراضي الفلسطينية وزاد في عنصريته وانتهك المعاهدات الدولية والاتفاقات، وتحدى جميع القرارات الدولية ومارس أبشع أنواع الإرهاب والإذلال اعتقاداً منه أن الشعب الفلسطيني ركع واستسلم، وخاصة بعد أن هرولت إليه بعض الأنظمة العربية وتمادت في التطبيع معه، وخرست ما تسمى جامعة الدول العربية أمام جرائمه المستمرة في حق الشعب الفلسطيني، فظنوا أن لا سند لهم اليوم، وأن هذه فرصتهم للانقضاض عليهم ومحو القضية الفلسطينية من ذاكرة الأمة، فجاءت الانتفاضة المسلحة وهبة القدس الأخيرة لتقلب كل المعادلات وتنبئ بنصر قريب إن شاء الله..
لقد كانت مقاومة أهالى جينين ودفاعهم المستميت عن مخيمهم، آية من آيات البطولة والفداء أذهلت عدوهم وأرعبته فانسحبوا سريعاً تجنباً لمزيد من الخسائر، لقد أصبح مخيم جينين أيقونة المقاومة الفلسطينية لصلابة رجاله الأشداء،
إنه مما لا جدال فيه، بأن الشعب الفلسطيني المناضل يستحق قيادة وطنية حرة تثمن تضحياته لا أن تدين مقاومته وتطارد المقاومين، وأن تعيد حقوقه المغتصبة لا أن تقوم بالتنسيق الأمني مع العدو الذي يغتصب أرضه، كما تفعل قيادته الحالية، قيادة أوسلو التي تنصب مهمتها فقط في حماية المستوطنين الصهاينة وتوفير الأمن والآمان للكيان الصهيوني!
وجدير بالذكر أن سلطة عباس تمنع أهالي الضفة من التضامن مع أهل القدس وتحول بينهم وبين السفر للقدس للانضمام لإخوانهم المرابطين هناك، بل وتطارد المظاهرات التي تخرج احتجاجاً للهجوم على المسجد الأقصى، ما يعني ضمنياً موافقتها على ما يفعله الاحتلال من انتهاكات وجرائم في القدس..
إن قيادة عباس ورجال أوسلو، للشعب الفلسطيني لهو وصمة عار على جبين كل فلسطيني حر، فيجب ان يتخلص الفلسطينيون منهم أولاً فهم العائق أمام تحرير فلسطين، وأصبح لزاماً عليهم أن يمزقوا معاهدة أوسلو اللعينة التي لم يجنوا منها غير الخراب وضياع المزيد من الآراضي الفلسطينية، فلتجتمع تنظيمات المقاومة المختلفة وتنشئ كياناً جديداً بديلاً لمنظمة التحرير وتختار قيادة جديدة شابة تمزق معاهدة أوسلو المشؤومة بشجاعة وقوة وأن تكون قادرة على مواجهة التحديات ومعالجة كل إفرازاتها الكارثية وسيجدون الشارع الفلسطيني كله يؤيدها ويمشي في ركابها فلقد قال الشعب الفلسطيني كله، في الداخل والخارج، كلمته منذ معركة "سيف القدس" العام الماضي، واختار طريق المقاومة في استفتاء عام أمام العالم كله، وأنه لا بديل عن المقاومة لتحرير فلسطين من النهر إلى البحر..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق