حال الأمة مع رمضان في مختلف الأزماند. سلمان بن فهد العودة
ألف وأربعمائة وثلاثة وعشرون رمضان مرت على أمة محمد صلى الله عليه وسلم منذ فرض الصيام إلى هذه الأيام، ألفاهم فيها رمضان وهم منهمكون ابتداءً في عمل جاد ناصب في تأسيس المجتمع وتشكيل مؤسساته وصياغة برامجه وتكوين دولته الناشئة في المدينة ، وأدركهم تارة وهم يحزمون حقائبهم -أو كانت لهم حقائب- متهيئين لمدافعة عدو متربص، أو زحزحة خطر ماثل.وحيناً في استقرار وهدوء وبلهنية عيش وأمن وغنى، وهم يعبدون رب هذا البيت، الذي أطعمهم من جوع، وآمنهم من خوف.وأتاهم في أزمنة وهم ينحدرون من قمتهم رويداً رويداً، وعوامل الضعف والتراجع تنخر في عقولهم وحياتهم ومجتمعاتهم.ومر عليهم غير مرة وهم يتجرعون مرارات الهزيمة والانكسار تحت سنابك خيل عادية معادية، أو تحت تأثير فكر نشط متوقد لم يكونوا مؤهلين للتعامل معه، أو حضارة مدججة ذات إبداع وإنجاز، على حين هم يرسفون في قيود الجهل والتخلف والشتات.لو استنطقت هذا الشهر الكريم المتميز لنطق وأبان، ولكان مؤشراً معبراً عن حال الأمة ورفعتها أو هبوطها، قوتها أو ضعفها، وتلك سنة الله في العباد، أن مجرد التشبث بالاسم أو بأصل الانتساب لا يغني ما لم يكن معه تحقيق وتطبيق .قوانين المادة ونواميس الكون لا تحابي أحداً، وهي تحق على الأنبياء فمن بعدهم ، يقول الله جل وعلا: (( وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ))[آل عمران:161]. ويقول سبحانه: (( مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ))[الأنفال:67].ويقول تبارك وتعالى: (( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ))[الأحزاب:1].ويقول سبحانه وتعالى: (( يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ))[المؤمنون:51].مهما كانت الدعاوى العريضة فلا جواز لها إلا بأدلتها الشاهدة وحججها الصادقة وواقعها المعاش، ولو استنطقت هذا الشهر لكشف لك عن خلود هذه الأمة وبقائها، وأنها ماضية في هذا الطريق، تصعد جبلاً، وتهبط وادياً، وتخوض نهراً، وتعبر منعرجاً، وتجتاز أخطاراً وأزمات ومحناً، لكنها ماضية في طريقها المكتوب، تتعثر ولا تقف، تمرض ولا تموت.و من حكمة منزل الشريعة تعالى أن جعل هذه المعالم الكبرى في حياتها مناسك تحفظ بقاء الأمة وتحقق خلودها ، انزل أي بلد إسلامي ستجد لرمضان شخصيته المتميزة، وحضوره المشهود، يستعصي على التدمير الأخلاقي، والتهجين السياسي، والتخريب العدواني.تصفد الشياطين، وأي معنى يحدثك عنه هذا الحرف من كلام صاحب الوحي صلى الله عليه وسلم، إنه بلاغ كوني عن صوت الفساد الذي يلقيه الشيطان فيقطع صلات الخير وبناء النفس وتجمع الخير.إن التصفيد يعني فتح أكبر بوابة سنوية لصناع الخيرية من الناس حينما لا تزاحمهم الشياطين؛ بل يدخلون بوابة الخير آمنين رافعين رءوسهم ومقبلين لا يخافون، فعلم ما لم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحاً قريباً ، حينما فتح الله لبني الإنسان أن سلمهم من رهق الشياطين ليختبر إرادتهم في جوها الآمن برحمة الله وفضله، فتقمع النفوس الأمارة، ويرتفع منسوب الإيمان، وتنيب النفس إلى بارئها، وتشم روحاً من العافية يكثر أو يقل. تتهيأ المؤسسات الإعلامية ببرامجها ومسلسلاتها المجافية لمفهوم الصيام، المنافية لآداب الإسلام، وتستعد الشركات التجارية بإعلاناتها وبضائعها وتسويقها المادي.. ويتفوق الإيمان على هذا، فيظل رمضان موسم الطاعة والعبادة، والصيام والقيام، والعمرة والقرآن!ولو سألت الشهر لأفتاك عن التغيير الذي يحدثه في النفوس والجو الذي يصنعه ليكون منعطفاً في حياة الكثيرين، أو ليكون بداية جديدة يتغلبون فيها على العادة المرذولة، أو الإدمان القاهر، أو التعلق بالأوهام، فيرتقون من ترك ما هو حلال في الأصل من الطعام والشراب إلى ترك ما يؤمنون أنه مسخطة لله في كل حين.لو استنطقت رمضان لحدثك عن أمة واحدة جمعتها أواصر الإيمان والوحدانية وضمها تاريخ واحد، وحضنتها رقعة متصلة، ووعدها مستقبل مشترك، وواجهتها التحديات المتشابهة، ولأبان لك أن هذه الأمة ما نصرت إلا بوحدتها واجتماع رأيها على الحق، وصدق إرادتها، وصحة يقينها بربها، ولا هزمت إلا بتفرقها وشتاتها وانغماسها بأنانيتها، سواء كانت أنانية فرد أو قبيلة، أو منطقة، أو دولة، أو حزب، أو جماعة، أو مذهب.ولعل من التحديات لها وهي تعيش عصر العولمة والانفتاح، وعصر التقنية والتقدم، وعصر المعلوماتية أن تتدبر أمر شهرها في استقباله ووداعه، وأمر عيدها وفرحها بإكمال العدة، وهل بمقدورها أن تتوحد في ذلك؟!وهو رأي فقهي معتبر، يرى الخطاب النبوي ( صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته ) خطاباً عاماً للأمة، إذا تحققت رؤيته الشرعية في بلد لزم الناس كلهم الصيام، وهكذا العيد.واختيار هذا القول يرسخ الروابط بين الشعوب، ويزيل الجفوة، ويهيئ لما هو أبعد من ذلك من الاتفاق على المشروعات والبرامج المشتركة في سياساتها واقتصادها وثقافتها.إن هذا القرار من المسائل اليسيرة التي لا عناء فيها، ومع هذا يدرك الخبير بشئون الأمة كم من العقبات أمامه، وكم من الوقت يحتاج ليتحول إلى واقع مشهود.التحدي الصادق.. هل نستطيع أن نحافظ على تفاؤلنا أو على آمالنا الغالية في ظل أوضاع لا ترشد إلى إصلاح ولا تمهد لوحدة؟!أو يفضي بنا طول الطريق وتلاطم الموج إلى يأس وقنوط أقل ثماره المرة: ترك العمل والاستسلام؟!نحتاج إلى قدر معتدل من القلق يحملنا على تلمس الطريق والبحث عن المخرج ، فـ من غير المنطقي أن نكرر الأسباب نفسها ونريد الحصول على نتائج أفضل ، لكننا لا نحتاج إلى الخوف المفرط على هذه الأمة الذي يقودنا إلى التهلكة أو يحملنا على حرق المراحل واستعجال الخطوات . تقبل الله منا ومنكم الصيام والقيام وصالح القول والعمل.والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ألف وأربعمائة وثلاثة وعشرون رمضان مرت على أمة محمد صلى الله عليه وسلم منذ فرض الصيام إلى هذه الأيام، ألفاهم فيها رمضان وهم منهمكون ابتداءً في عمل جاد ناصب في تأسيس المجتمع وتشكيل مؤسساته وصياغة برامجه وتكوين دولته الناشئة في المدينة ، وأدركهم تارة وهم يحزمون حقائبهم -أو كانت لهم حقائب- متهيئين لمدافعة عدو متربص، أو زحزحة خطر ماثل.
وحيناً في استقرار وهدوء وبلهنية عيش وأمن وغنى، وهم يعبدون رب هذا البيت، الذي أطعمهم من جوع، وآمنهم من خوف.
وأتاهم في أزمنة وهم ينحدرون من قمتهم رويداً رويداً، وعوامل الضعف والتراجع تنخر في عقولهم وحياتهم ومجتمعاتهم.
ومر عليهم غير مرة وهم يتجرعون مرارات الهزيمة والانكسار تحت سنابك خيل عادية معادية، أو تحت تأثير فكر نشط متوقد لم يكونوا مؤهلين للتعامل معه، أو حضارة مدججة ذات إبداع وإنجاز، على حين هم يرسفون في قيود الجهل والتخلف والشتات.
لو استنطقت هذا الشهر الكريم المتميز لنطق وأبان، ولكان مؤشراً معبراً عن حال الأمة ورفعتها أو هبوطها، قوتها أو ضعفها، وتلك سنة الله في العباد، أن مجرد التشبث بالاسم أو بأصل الانتساب لا يغني ما لم يكن معه تحقيق وتطبيق .
ويقول سبحانه: (( مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ))[الأنفال:67].
ويقول تبارك وتعالى: (( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ))[الأحزاب:1].
ويقول سبحانه وتعالى: (( يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ))[المؤمنون:51].
مهما كانت الدعاوى العريضة فلا جواز لها إلا بأدلتها الشاهدة وحججها الصادقة وواقعها المعاش، ولو استنطقت هذا الشهر لكشف لك عن خلود هذه الأمة وبقائها، وأنها ماضية في هذا الطريق، تصعد جبلاً، وتهبط وادياً، وتخوض نهراً، وتعبر منعرجاً، وتجتاز أخطاراً وأزمات ومحناً، لكنها ماضية في طريقها المكتوب، تتعثر ولا تقف، تمرض ولا تموت.
و من حكمة منزل الشريعة تعالى أن جعل هذه المعالم الكبرى في حياتها مناسك تحفظ بقاء الأمة وتحقق خلودها ، انزل أي بلد إسلامي ستجد لرمضان شخصيته المتميزة، وحضوره المشهود، يستعصي على التدمير الأخلاقي، والتهجين السياسي، والتخريب العدواني.
تصفد الشياطين، وأي معنى يحدثك عنه هذا الحرف من كلام صاحب الوحي صلى الله عليه وسلم، إنه بلاغ كوني عن صوت الفساد الذي يلقيه الشيطان فيقطع صلات الخير وبناء النفس وتجمع الخير.
تتهيأ المؤسسات الإعلامية ببرامجها ومسلسلاتها المجافية لمفهوم الصيام، المنافية لآداب الإسلام، وتستعد الشركات التجارية بإعلاناتها وبضائعها وتسويقها المادي.. ويتفوق الإيمان على هذا، فيظل رمضان موسم الطاعة والعبادة، والصيام والقيام، والعمرة والقرآن!
ولو سألت الشهر لأفتاك عن التغيير الذي يحدثه في النفوس والجو الذي يصنعه ليكون منعطفاً في حياة الكثيرين، أو ليكون بداية جديدة يتغلبون فيها على العادة المرذولة، أو الإدمان القاهر، أو التعلق بالأوهام، فيرتقون من ترك ما هو حلال في الأصل من الطعام والشراب إلى ترك ما يؤمنون أنه مسخطة لله في كل حين.
لو استنطقت رمضان لحدثك عن أمة واحدة جمعتها أواصر الإيمان والوحدانية وضمها تاريخ واحد، وحضنتها رقعة متصلة، ووعدها مستقبل مشترك، وواجهتها التحديات المتشابهة، ولأبان لك أن هذه الأمة ما نصرت إلا بوحدتها واجتماع رأيها على الحق، وصدق إرادتها، وصحة يقينها بربها، ولا هزمت إلا بتفرقها وشتاتها وانغماسها بأنانيتها، سواء كانت أنانية فرد أو قبيلة، أو منطقة، أو دولة، أو حزب، أو جماعة، أو مذهب.
ولعل من التحديات لها وهي تعيش عصر العولمة والانفتاح، وعصر التقنية والتقدم، وعصر المعلوماتية أن تتدبر أمر شهرها في استقباله ووداعه، وأمر عيدها وفرحها بإكمال العدة، وهل بمقدورها أن تتوحد في ذلك؟!
وهو رأي فقهي معتبر، يرى الخطاب النبوي ( صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته ) خطاباً عاماً للأمة، إذا تحققت رؤيته الشرعية في بلد لزم الناس كلهم الصيام، وهكذا العيد.
واختيار هذا القول يرسخ الروابط بين الشعوب، ويزيل الجفوة، ويهيئ لما هو أبعد من ذلك من الاتفاق على المشروعات والبرامج المشتركة في سياساتها واقتصادها وثقافتها.
إن هذا القرار من المسائل اليسيرة التي لا عناء فيها، ومع هذا يدرك الخبير بشئون الأمة كم من العقبات أمامه، وكم من الوقت يحتاج ليتحول إلى واقع مشهود.
التحدي الصادق.. هل نستطيع أن نحافظ على تفاؤلنا أو على آمالنا الغالية في ظل أوضاع لا ترشد إلى إصلاح ولا تمهد لوحدة؟!
أو يفضي بنا طول الطريق وتلاطم الموج إلى يأس وقنوط أقل ثماره المرة: ترك العمل والاستسلام؟!
تقبل الله منا ومنكم الصيام والقيام وصالح القول والعمل.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مواضيع ذات صله
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق