عندما يتعلق الأمر بجرائم الحرب فإن بريطانيا تشيح بوجهها
لا يوجد أدنى شك الآن في أن القوات الروسية ارتكبت جرائم حرب فظيعة في بوتشا وإربين وبوروديانكا. ومع تحرير المزيد من المناطق حول المدن الأوكرانية مثل كييف وخاركيف تطفو على السطح المزيد من التفاصيل حول ما ارتكب من مذابح.
لقد ألقوا بالجثث في الآبار وفي الحفر، وتركوا بعض الجثث بلا دفن لأسابيع، وهددوا تحت فوهة البنادق من جاء لينقذ جيرانه الذين دفنوا تحت أنقاض البنايات التي دمرها القصف.
وأطلقت القوات الروسية الرصاص على زعماء القرى الذين رفضوا التعاون معها، ولم يوقروا حتى أفراد عائلاتهم. اغتصبوا النساء، كما صرح بذلك عضو في البرلمان الأوكراني واستخدموا المدنيين دروعاً بشرية.
بل لقد وجدت سيارات العائلات التي حاولت الهرب مخردقة بالرصاص رغم أنها كانت تحمل ملصقات كتب عليها كلمة "أطفال".
لقد عاملوا السكان بأسرهم على أنهم نازيون، والأدلة التي تم الحصول عليها فقط من الاتصالات التي تم اعتراضها بين القادة العسكريين الروس أدلة ساحقة ماحقة.
ولا مصداقية إطلاقاً لمزاعم ممثل روسيا الدائم في الأمم المتحدة، فازيلي نبنزيا، بأنه تم فبركة مقتل المدنيين وأن الجثث إنما أحضرها جنود أوكرانيون هم من ألقوا بها في الشوارع والطرقات بعد انسحاب القوات الروسية.
لم يكن لدى الوحدات الروسية المنسحبة وقت لإخفاء جرائمها في قبور جماعية فتركت ما يكفي من الأدلة عليها. كان من الأفضل لهم أن يبقوا صامتين بدلاً من أن يفتروا الكذبة بعد الأخرى. ولا شك في أن المكان الأنسب للحكم بشأن جرائم بهذا الحجم هو محكمة جنايات دولية.
يستحق الغزو الروسي لأوكرانيا أن يجري بشأنه تحقيق دولي شامل.
إعاقة العدالة
تتوالى المطالبات بإجراء تحقيق في جرائم الحرب، إلا أن ثمة مشكلة واحدة صغيرة.
فاليوم نفس البلدان التي تدعو إلى محاكمة دولية حول سلوك القوات الروسية هي نفس البلدان التي ما لبثت باستمرار تقوض وتؤخر التحقيقات في جرائم الحرب الموثقة التي ارتكبت باسمها.
وأوكرانيا بالضبط هي السبب الذي من أجله كان ينبغي على حلفاء الناتو – وبالذات الولايات المتحدة وبريطانيا – توخي الدقة الشديدة للحفاظ على إطار دولي للعدالة عندما كانت قواتها هي التي تقوم بالغزو والقصف.
وهذه البلدان لم تخفق فقط في إجراء تحقيق شامل في جرائمها هي، بل سعت بفعالية إلى إعاقة كيانات مثل محكمة الجنايات الدولية ومنعها من القيام بمهامها. استمرت تلك الإعاقة للعدالة عقوداً من الزمن وما زالت مستمرة بكل قوة وعنفوان حتى هذا اليوم.
كان رأس حربة عدوانهم على العدالة الدولية هو قرار الرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترامب فرض عقوبات على مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية فاتو بن سوده وعلى مسؤول كبير في الادعاء لدى المحكمة هو فاكيسو موتشوتشوكو.
أعلن ترامب أن التحقيقات التي يجريها هؤلاء المسؤولون في محكمة الجنايات الدولية في جرائم الحرب الأمريكية في أفغانستان وفي الجرائم الإسرائيلية في فلسطين تمثل تهديداً للأمن القومي الأمريكي. إضافة إلى ذلك أعلن مايك بومبيو، الذي كان حينها وزيراً للخارجية، أن الولايات المتحدة وضعت قيوداً على إصدار تأشيرات الدخول لأفراد معينين "لديهم علاقة بجهود محكمة الجنايات الدولية للتحقيق في شخصيات أمريكية."
رفع الرئيس الأمريكي جو بايدن العقوبات التي كانت مفروضة على محكمة الجنايات الدولية إلا أن إدارته استمرت في التنديد بما تجريه من تحقيقات في الجرائم التي ترتكبها جميع الأطراف، إسرائيلية وفلسطينية، وتعارضها بشدة.
وعندما أكدت محكمة الجنايات الدولية أخيراً أنها ستفتح تحقيقاً في الأعمال الإسرائيلية في فلسطين، قال وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن في تصريح له: "ليس من صلاحيات محكمة الجنائيات الدولية فتح تحقيق في هذا الأمر. فإسرائيل ليست طرفاً في محكمة الجنايات الدولية ولم تقر منح الصلاحيات للمحكمة، ولدينا مخاوف شديدة من محاولات محكمة الجنايات الدولية ممارسة صلاحياتها على الشخصيات الإسرائيلية."
وأضاف: "الفلسطينيون غير مؤهلين للتصرف كدولة ذات سيادة، وبناء عليه فهم غير مؤهلين للحصول على العضوية كدولة في محكمة الجنايات الدولية ولا المشاركة فيها كدولة ولا تخويلها بأي صلاحيات."
تصريحات بلينكن أقل جلافة وأكثر تدبراً من تصريحات سلفه بومبيو، ولكن السياسة تبقى بدون تغيير ولا تبديل.
الإشاحة بالوجه
متحدثاً بلغة روسية مشوهة، توجه رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون هذا الأسبوع إلى الروس بشكل مباشر مخاطباً إياهم حول ما يتم فعله باسمهم في أوكرانيا. وقال جونسون إن ذلك كان بمثابة خيانة للأمانة وطعنة غادرة في قلب كل أم "لوحت لابنها مودعة حينما غادر ليلتحق بالجيش."
جسد هذا الفيديو انعداماً في الفهم على كل المستويات.
فالروس يخشون من التجنيد الإجباري ويبذل الواحد منهم كل ما في وسعه للتهرب منه، وحينما تحين اللحظة التي لا مهرب منها فإن الوداع يكون أشبه بالجنازة منه إلى الاحتفال.
جهلاً منه بواقع الحياة في روسيا، أنهى جونسون كلامه بالتحذير التالي: "سوف يحاسب أولئك الذين يتحملون المسؤولية ولسوف يتذكر التاريخ أولئك الذين أشاحوا بوجوههم."
كيف يتوقع رئيس وزراء بريطانيا أن يؤخذ كلامه على محمل الجد بينما كانت بريطانيا نفسها "قد أشاحت بوجهها" عدداً لا يحصى من المرات؟
والقائمة لا تنتهي. لقد كافأ طوني بلير بوتين على جرائم الحرب التي ارتكبها في الشيشان ما بين عام 1999 وعام 2003 بأن رتب للزعيم الروسي لقاء مع الملكة ويداه مغموستان في الدماء. في الشيشان أخلت القوات الروسية الملاجئ التي لاذ بها المدنيون بإلقاء القنابل اليدوية عليهم. وما كان من جورج دبليو بوش إلا أن اعتبر حرب بوتين ضد الشيشان جزءاً لا يتجزأ من حربه هو ضد الإرهاب.
قصفت قاذفات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة العراق مستهدفة السكان دون تمييز، حتى أطلقوا على ذلك استراتيجية "الصدمة والترويع". تتراوح التقديرات بشأن عدد من لقوا نحبهم في العراق جراء الغزو بين ما يقل عن 300 ألف وما يزيد عن مليون. وطبقاً لما أحصاه "مشروع تكاليف الحرب" التابع لجامعة براون فإن ما لا يقل عن 500 ألف إنسان قضوا نحبهم في الحروب الأمريكية التي شنت بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر في كل من أفغانستان والعراق وباكستان.
والمرة تلو الأخرى ظلت مساعي التحقيق في عمليات القتل والتعذيب التي مورست ضد المدنيين في أفغانستان والعراق تتعرض باستمرار للتقويض.
تقويض التحقيقات
إزاء تخلي محكمة الجنايات الدولية عن تحقيقها في مزاعم ارتكاب القوات البريطانية جرائم حرب في العراق ما بين عام 2003 وعام 2008، لاحظت مدعي عام المحكمة فاتو بن سوده أنه على الرغم من التحقيقات المحلية إلا أنه لم توجه تهمة واحدة لأي من الجنود – "وهي نتيجة تحرم الضحايا من حقهم في العدالة."
وأضافت بن سوده: "حقيقة أن التحقيقات من قبل السلطات البريطانية في المزاعم لم تفض إلى محاكمة واحدة لا يعني أن تلك المزاعم كانت كيدية، بل يعني في الأغلب بأن أجهزة التحقيقات المحلية لم تتمكن من تحصيل ما يكفي من الأدلة لإحالة القضايا إلى المحكمة، أو أن القضايا التي تمت إحالتها لم تحظ بفرص واقعية في أن تفضي إلى إدانة عبر المحاكمة الجنائية."
فاقت جهود ويكيليكس كل الجهود الأخرى لإحاطة الجمهور بما ارتكب من جرائم حرب في العراق، وكان من أبرز ما قامت به المجموعة في هذا المجال هو نشر مقطع فيديو سري التقطته مروحية من طراز أباتشي يوثق هجوماً على العشرات من المدنيين، بما في ذلك اثنان من الصحفيين، في أحد أحياء بغداد. وها هو جوليان أسانج، الرجل الذي كان يقف من وراء تلك الجهود، يقبع داخل سجن بلمارش البريطاني بانتظار تسليمه إلى الولايات المتحدة بتهمة انتهاك قانون الجاسوسية.
لقد أشاحت بريطانيا بوجهها عندما قتلت القوات الإسرائيلية في الرابع عشر من مايو / أيار 2018 ما يزيد عن ستين فلسطينياً أعزل أثناء تظاهرهم قريباً من الجدار العازل في غزة. ترتكب جرائم القتل كل أسبوع تقريباً عندما تطلق القوات الإسرائيلية الرصاص على الفلسطينيين فتزهق أرواحهم.
صنف جونسون تحقيق محكمة الجنايات الدولية في حرب غزة عام 2014 وفي بناء المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة، وكذلك إطلاق حماس للصواريخ من غزة، "هجوماً على إسرائيل".
لقد شاركت بريطانيا بفعالية في هجمات الطائرات المسيرة في عهد الرئيس الأمريكي باراك أوباما، الذي لجأ إلى استخدام تلك الطائرات عدداً من المرات يعادل ما يقرب من عشرة أضعاف استخدام سلفه جورج بوش لها. فقد تم خلال فترتي حكم أوباما شن 563 هجوماً، في الأغلب باستخدام الطائرات المسيرة، لضرب أهداف في الباكستان والصومال واليمن مقارنة بسبعة وخمسين هجوماً في عهد بوش.
أسفرت تلك الهجمات عن قتل ما بين 384 و807 مدنيين في تلك البلدان بحسب تقارير جمعها مكتب التحقيقات الصحفية.
كما تستمر بريطانيا في الإشاحة بوجهها في اليمن حيث يقدر عدد من قضوا نحبهم في الحرب بنهاية عام 2021 ما يقرب من 377 ألفاً. بل رفضت بريطانيا اتباع الولايات المتحدة في قرارها وقف مبيعات السلاح إلى المملكة العربية السعودية.
فقط بعد سنوات من الضغط وبعد صدور خطاب موقع من مائة من أعضاء البرلمان وافقت بريطانيا على تقديم دعم مالي للشهود في المشروع الذي تقدمت به غامبيا لإحالة جريمة الإبادة الجماعية للروهينغيا في ماينمار إلى محكمة الجنايات الدولية.
ومع ذلك فبريطانيا ذاتها ليست طرفاً رسمياً في الإجراءات.
لطخة عار على ضميرنا
من بين جميع المطالبات بالتحقيق في جرائم الحرب في أوكرانيا، أشدها فحشاً كانت تلك التي صدرت عن إسرائيل نفسها، ذلك البلد الذي تأسس على جرائم الحرب. فحتى قبل إقامة الدولة ارتكبت مجزرة الطنطورة، ثم تلا ذلك مذابح كفر قاسم وخان يونس وصبرا وشاتيلا، والحروب في لبنان، وكل عملية من العمليات العسكرية التي شنت ضد غزة. بل لقد بلغت قائمة المجازر التي ارتكبتها القوات الإسرائيلية من الطول ما يؤهلها لتشكيل أبجدية خاصة بها.
قبل عام واحد فقط وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق بنيامين نتنياهو تحقيق محكمة الجنايات الدولية في جرائم الحرب الإسرائيلية والفلسطينية بأنها "معادية للسامية". واليوم، تجرأ وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد وانتهك إحدى المحرمات في إسرائيل حينما هاجم روسيا متهماً إياها بارتكاب جرائم حرب.
ودون أن يقصد أن يشكل كلامه مفارقة مثيرة، قال لابيد: "بلد ضخم وقوي غزا جاراً أصغر بدون أي مبرر. تارة أخرى، تغرق الأرض بدماء المدنيين الأبرياء."
كيف إذن يمكن للبلدان الرائدة في الغرب أن تأمل في تأمين عدالة دولية فاعلة؟ تلك العدالة مطلوبة بلا شك، وتصرخ أوكرانيا استجداء لها. كم ضخمة هي لطخة العار التي علقت بضميرنا. ولماذا عندما يتحدث الغرب عن جرائم الحرب لم يعد الكثيرون في الشرق الأوسط وفي آسيا وأفريقيا وجنوب أمريكا لديهم رغبة في الإصغاء؟
ما الذي يمنح بريطانيا الحق في وعظ الآخرين حول نظام دولي قائم على القواعد والأحكام ضد الطغاة عندما تكون حروبها – والتي تشن باسم الديمقراطية والمساءلة والمحاسبة – قد ألحقت بالأبرياء من الناس كل هذا الدمار؟
أثناء تعرضهم للقصف يشق على المدنيين أن يقال لهم إنهم يموتون في سبيل قضية عادلة.
ما قاله عراقي في وصف تجربته أثناء حملة "الصدم والترويع" التي شنت على بلاده يمكن أن ينطبق تماماً على أوكراني يصف ما يفعله اليوم الغزو الروسي به وبدياره:
"أقول عنها إنها حرب قذرة لأنهم يريدون إنجازها على عجل، ولذلك يستهدفون محطات المياه ومحطة توليد الكهرباء وكل الاحتياجات الأساسية للناس، وهي بالفعل أساسية، فأينما كنت تعيش، هناك على الأقل شيء مهم يمكن أن يتعرض للقصف."
يحتاج العالم بالفعل إلى محكمة جنائية دولية تمارس عملها في كل حرب، ولكن لكي تحظى بأي مصداقية، ينبغي أن تحقق في جميع عمليات القتل خارج نطاق القانون، وفي الجانبين الروسي والأوكراني.
من شأن منح الحصانة من المساءلة للجيوش الأقوى في العالم أن يقوض التحالف الأهم على الإطلاق، ألا وهو التحالف الذي يهدف إلى تقديم من ينتهكون قواعد الحرب إلى العدالة.
ترجمةعربي21
####################
لا يمكن أن يكون هناك الآن ذرة من الشك في أن القوات الروسية قد ارتكبت جرائم حرب جسيمة في بوتشا وإيربين وبورودينكا. مع تحرير المزيد من المناطق حول مدينتي كييف وخاركيف الأوكرانيين ، ستظهر المزيد والمزيد من التفاصيل حول المذبحة.
ألقوا الجثث في الآبار والحفر. تركوا الجثث غير مدفونة لأسابيع. وهددوا تحت تهديد السلاح الأشخاص الذين يحاولون إنقاذ جيرانهم المدفونين تحت أنقاض القصف.
أطلقت القوات الروسية النار على زعماء القرى الذين رفضوا التعاون مع عائلاتهم. اغتصبوا النساء ، بحسب نائب أوكراني . استخدموا المدنيين كدروع بشرية.
يستحق الغزو الروسي لأوكرانيا أقصى درجات التدقيق القانوني الدولي
وعثر على سيارات العائلات التي حاولت الفرار وعليها كلمة "ديتي" (أطفال) عليها طلقات نارية.
لقد عاملوا جميع السكان على أنهم "نازيون". الأدلة من الاتصالات التي تم اعتراضها وحدها بين القادة الروس ووحداتهم ساحقة.
ادعاءات الممثل الروسي الدائم لدى الأمم المتحدة ، فاسيلي نيبينزيا ، بأن القتلى المدنيين مزيفين ، وأن الجثث تم إحضارها من قبل الجنود الأوكرانيين وألقيت في الشوارع بعد مغادرة القوات الروسية ، هي ببساطة ادعاءات غير موثوقة.
الوحدات الروسية التي لم يكن لديها وقت لإخفاء جرائمها في مقابر جماعية تركت أدلة كافية عليها. من الأفضل البقاء صامتًا بدلاً من تجميع كذبة مع أخرى. وصحيح أيضًا أن المكان المناسب الوحيد للحكم على جرائم من هذا النوع هو محكمة جرائم الحرب الدولية.
يستحق الغزو الروسي لأوكرانيا أقصى درجات التدقيق القانوني الدولي.
إعاقة سير العدالة
الدعوات تتكاثر بحق لإجراء تحقيق في جرائم الحرب. هناك مشكلة واحدة صغيرة.
واليوم ، فإن الدول نفسها التي تطالب بالعدالة الدولية فيما يتعلق بسلوك القوات الروسية هي نفس الدول التي دأبت على تخريب وتأخير التحقيقات في جرائم الحرب الموثقة التي ارتكبت باسمها
- بشكل أساسي الولايات المتحدة وبريطانيا - إلى توخي الدقة في الحفاظ على إطار العدالة الدولية عندما كانت قواتهم تقوم بالغزو والتفجير.
لم يقتصر الأمر على فشلهم في التحقيق الكامل في جرائمهم. لقد عرقلوا بنشاط هيئات مثل المحكمة الجنائية الدولية (ICC) من العمل. لقد استمر إعاقة العدالة لعقود من الزمن وما زال مستمراً حتى يومنا هذا بكل النشاط الذي يمكنه حشده.
كان رأس الحربة في هجومهم على العدالة الدولية قرار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب معاقبة المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودا وفاكيسو موشوشوكو ، وهو مسؤول كبير آخر في الادعاء.
أعلن ترامب تحقيقاتهم في جرائم الحرب الأمريكية في أفغانستان والجرائم الإسرائيلية في فلسطين "حالة طوارئ وطنية". بالإضافة إلى ذلك ، أعلن مايك بومبيو ، وزير الخارجية آنذاك ، أن الولايات المتحدة فرضت قيودًا على إصدار التأشيرات لبعض الأفراد الذين لم يتم الكشف عن أسمائهم "المتورطين في جهود المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق مع الموظفين الأمريكيين".
رفع الرئيس الأمريكي جو بايدن العقوبات عن المحكمة الجنائية الدولية ، لكن إدارته تواصل إدانة ومعارضة تحقيقها في جرائم الحرب التي ارتكبتها جميع الأطراف الإسرائيلية والفلسطينية.
لا يمكن أن يكون هناك الآن ذرة من الشك في أن القوات الروسية قد ارتكبت جرائم حرب جسيمة في بوتشا وإيربين وبورودينكا. مع تحرير المزيد من المناطق حول مدينتي كييف وخاركيف الأوكرانيين ، ستظهر المزيد والمزيد من التفاصيل حول المذبحة.
ألقوا الجثث في الآبار والحفر. تركوا الجثث غير مدفونة لأسابيع. وهددوا تحت تهديد السلاح الأشخاص الذين يحاولون إنقاذ جيرانهم المدفونين تحت أنقاض القصف.
أطلقت القوات الروسية النار على زعماء القرى الذين رفضوا التعاون مع عائلاتهم. اغتصبوا النساء ، بحسب نائب أوكراني . استخدموا المدنيين كدروع بشرية.
يستحق الغزو الروسي لأوكرانيا أقصى درجات التدقيق القانوني الدولي
وعثر على سيارات العائلات التي حاولت الفرار وعليها كلمة "ديتي" (أطفال) عليها طلقات نارية.
لقد عاملوا جميع السكان على أنهم "نازيون". الأدلة من الاتصالات التي تم اعتراضها وحدها بين القادة الروس ووحداتهم ساحقة.
ادعاءات الممثل الروسي الدائم لدى الأمم المتحدة ، فاسيلي نيبينزيا ، بأن القتلى المدنيين مزيفين ، وأن الجثث تم إحضارها من قبل الجنود الأوكرانيين وألقيت في الشوارع بعد مغادرة القوات الروسية ، هي ببساطة ادعاءات غير موثوقة.
الوحدات الروسية التي لم يكن لديها وقت لإخفاء جرائمها في مقابر جماعية تركت أدلة كافية عليها. من الأفضل البقاء صامتًا بدلاً من تجميع كذبة مع أخرى. وصحيح أيضًا أن المكان المناسب الوحيد للحكم على جرائم من هذا النوع هو محكمة جرائم الحرب الدولية.
يستحق الغزو الروسي لأوكرانيا أقصى درجات التدقيق القانوني الدولي.
إعاقة سير العدالة
الدعوات تتكاثر بحق لإجراء تحقيق في جرائم الحرب. هناك مشكلة واحدة صغيرة.
واليوم ، فإن الدول نفسها التي تطالب بالعدالة الدولية فيما يتعلق بسلوك القوات الروسية هي نفس الدول التي دأبت على تخريب وتأخير التحقيقات في جرائم الحرب الموثقة التي ارتكبت باسمها
أوكرانيا هي بالضبط السبب الذي دفع حلفاء الناتو - بشكل أساسي الولايات المتحدة وبريطانيا - إلى توخي الدقة في الحفاظ على إطار العدالة الدولية عندما كانت قواتهم تقوم بالغزو والتفجير.
لم يقتصر الأمر على فشلهم في التحقيق الكامل في جرائمهم. لقد عرقلوا بنشاط هيئات مثل المحكمة الجنائية الدولية (ICC) من العمل. لقد استمر إعاقة العدالة لعقود من الزمن وما زال مستمراً حتى يومنا هذا بكل النشاط الذي يمكنه حشده.
كان رأس الحربة في هجومهم على العدالة الدولية قرار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب معاقبة المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودا وفاكيسو موشوشوكو ، وهو مسؤول كبير آخر في الادعاء.
أعلن ترامب تحقيقاتهم في جرائم الحرب الأمريكية في أفغانستان والجرائم الإسرائيلية في فلسطين "حالة طوارئ وطنية". بالإضافة إلى ذلك ، أعلن مايك بومبيو ، وزير الخارجية آنذاك ، أن الولايات المتحدة فرضت قيودًا على إصدار التأشيرات لبعض الأفراد الذين لم يتم الكشف عن أسمائهم "المتورطين في جهود المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق مع الموظفين الأمريكيين".
رفع الرئيس الأمريكي جو بايدن العقوبات عن المحكمة الجنائية الدولية ، لكن إدارته تواصل إدانة ومعارضة تحقيقها في جرائم الحرب التي ارتكبتها جميع الأطراف الإسرائيلية والفلسطينية.
عندما أكدت المحكمة الجنائية الدولية أخيرًا أنها ستفتح تحقيقًا في الأعمال الإسرائيلية في فلسطين ، قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين في بيان : "المحكمة الجنائية الدولية ليس لها اختصاص في هذه المسألة. إسرائيل ليست طرفًا في المحكمة الجنائية الدولية ولم توافق لاختصاص المحكمة ، ولدينا مخاوف جدية بشأن محاولات المحكمة الجنائية الدولية ممارسة اختصاصها على الأفراد الإسرائيليين.
"الفلسطينيون غير مؤهلين كدولة ذات سيادة ، وبالتالي ، فهم غير مؤهلين للحصول على العضوية كدولة في المحكمة الجنائية الدولية ، أو المشاركة كدولة فيها ، أو تفويض الولاية القضائية إلى المحكمة الجنائية الدولية".
نبرة بلينكن أقل كشطًا وأكثر تفكيرًا من بومبيو ، لكن السياسة لم تتغير.
النظر في الاتجاه الآخر
قام رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون هذا الأسبوع بمناشدة اللغة الروسية مباشرة إلى الروس بشأن ما يجري باسمهم في أوكرانيا. وقال جونسون إن ذلك يعد خيانة لثقة كل أم "تلوح بفخر وداعًا لابنها وهو يتجه للانضمام إلى الجيش".
تم فهم هذا الفيديو بشكل خاطئ على كل المستويات.
اليوم ، الدول ذاتها التي تطالب بالعدالة الدولية بشأن سلوك القوات الروسية دأبت على تخريب وتأخير التحقيقات في جرائم الحرب الموثقة التي ارتكبتها قواتها.
يُخشى التجنيد الإجباري وسيبذل الروس محاولات غير عادية لتجنبه. عندما تأتي اللحظة التي لا مفر منها ، يكون الفراق أشبه بجنازة أكثر من احتفال.
غافلاً عن الحياة الواقعية في روسيا ، أنهى جونسون بالتحذير التالي: "سيتم محاسبة المسؤولين وسيتذكر التاريخ من نظر إلى الاتجاه الآخر".
كيف يتوقع رئيس وزراء في المملكة المتحدة أن يؤخذ على محمل الجد بينما بريطانيا نفسها "نظرت في الاتجاه الآخر" مرات لا تحصى؟
القائمة لا تنضب. كافأ توني بلير جرائم الحرب التي ارتكبها بوتين في الشيشان من 1999 إلى 2003 من خلال ترتيب لقاء الزعيم الروسي الملطخ بالدماء مع الملكة . في غروزني ، أخلت القوات الروسية الأقبية التي كان يحتمي فيها المدنيون بإلقاء قنابل يدوية عليها. حتى أن جورج دبليو بوش جند حرب بوتين ضد الشيشان في حربه على الإرهاب.
هاجمت قاذفات التحالف بقيادة الولايات المتحدة في العراق جميع السكان. أطلقوا عليها اسم " الصدمة والرعب ". وتتراوح تقديرات الوفيات العراقية الناجمة عن ذلك الغزو من أقل من 300000 إلى أكثر من مليون. حسب مشروع تكاليف الحرب التابع لجامعة براون أن ما لا يقل عن 500 ألف شخص لقوا مصرعهم في حروب الولايات المتحدة التي أعقبت 11 سبتمبر في أفغانستان والعراق وباكستان.
لقد تم بشكل متكرر تقويض محاولات التحقيق في مقتل وتعذيب المدنيين في أفغانستان والعراق.
تقويض التحقيق
تخلت المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودا عن تحقيقها في مزاعم ارتكاب القوات البريطانية لجرائم حرب في العراق بين عامي 2003 و 2008 ، وأشارت إلى أنه على الرغم من عقد من التحقيقات المحلية ، لم يتم توجيه أي اتهامات ضد أي جندي - "وهي النتيجة التي حرمت الضحايا من العدالة ".
"حقيقة أن الادعاءات التي حققت فيها سلطات المملكة المتحدة لم تسفر عن محاكمات لا تعني أن هذه الادعاءات كانت كيدية. فهذا يعني على الأكثر أن هيئات التحقيق المحلية لم تتمكن من تقديم أدلة كافية لإحالة القضايا إلى المحاكمة أو بشأن القضايا المحالة وأشار بنسودة إلى عدم وجود احتمال واقعي للإدانة في محاكمة جنائية ".
ويكيليكس فعل أكثر من أي شخص آخر في نشر جرائم الحرب في العراق ، ولا سيما نشر لقطات سرية من مروحية أباتشي على هجوم على عشرات المدنيين ، من بينهم صحفيان ، في إحدى ضواحي بغداد. جوليان أسانج ، الرجل المسؤول ، موجود الآن في سجن بلمارش في انتظار تسليمه إلى الولايات المتحدة بتهمة انتهاك قانون التجسس .
نظرت بريطانيا في الاتجاه الآخر عندما قُتلت في 14 مايو 2018 أكثر من 60 فلسطينيًا أعزل برصاص القوات الإسرائيلية أثناء تظاهرهم بالقرب من السياج الحدودي لغزة. تُرتكب جرائم الحرب كل أسبوع تقريبًا عندما يُقتل فلسطينيون برصاص القوات الإسرائيلية.
ووصف جونسون تحقيق المحكمة الجنائية الدولية في حرب غزة عام 2014 وبناء المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة ، وكذلك هجمات حماس الصاروخية من غزة ، بأنه "هجوم على إسرائيل".
شاركت بريطانيا بنشاط في ضربات الطائرات بدون طيار لباراك أوباما . استخدمها الرئيس الأمريكي عشر مرات أكثر مما استخدمه سلفه جورج بوش. واستهدفت 563 غارة ، معظمها بطائرات مسيرة ، باكستان والصومال واليمن خلال فترتي ولاية أوباما ، مقارنة بـ 57 غارة في عهد بوش.
قُتل ما بين 384 و 807 مدنيًا في تلك الدول ، وفقًا لتقارير سجلها مكتب الصحافة الاستقصائية .
تواصل المملكة المتحدة ، أيضًا ، النظر في الاتجاه الآخر في اليمن ، حيث بلغ عدد القتلى المتوقع بحلول نهاية عام 2021 377000. ورفضت أن تحذو حذو الولايات المتحدة في وقف مبيعات الأسلحة للسعودية.
فقط بعد سنوات من الضغط ورسالة من 100 عضو في البرلمان ، وافقت المملكة المتحدة على تقديم الدعم المالي للشهود في إحالة غامبيا للإبادة الجماعية للروهينجا في ميانمار إلى المحكمة الجنائية الدولية.
لكن المملكة المتحدة نفسها ليست طرفًا رسميًا في الإجراءات.
وصمة عار على ضميرنا
من بين جميع الدعوات إلى محكمة جرائم الحرب في أوكرانيا ، تأتي الدعوات الأكثر فاحشة من إسرائيل نفسها.
إنها دولة مبنية على جرائم الحرب. حتى قبل قيام الدولة كانت هناك مذبحة طنطورة . ثم جاءت كفر قاسم وخانيونس وصبرا وشاتيلا ، حروب لبنان ، كل عملية في غزة . قائمة المجازر التي ارتكبتها القوات الإسرائيلية طويلة لدرجة أنها تشكل أبجدياً خاصاً بها .
من بين جميع الدعوات إلى محكمة جرائم الحرب في أوكرانيا ، تأتي الدعوات الأكثر فاحشة من إسرائيل نفسها
قبل عام واحد فقط ، وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو تحقيق المحكمة الجنائية الدولية في جرائم الحرب الإسرائيلية والفلسطينية بأنه "معاد للسامية" . اليوم ، كسر وزير الخارجية يائير لابيد المحرمات التي تفرضها البلاد على مهاجمة روسيا باتهامها بارتكاب جرائم حرب.
وقال لبيد دون أي مفارقة مقصودة : "لقد غزت دولة كبيرة وقوية جارًا أصغر من دون أي مبرر. ومرة أخرى ، غمرت الأرض بدماء المدنيين الأبرياء".
كيف إذن يمكن للدول الغربية الرئيسية أن تأمل في تأمين عدالة دولية فاعلة؟ هناك حاجة. أوكرانيا تصرخ من أجل ذلك. ما حجم وصمة عار على ضميرنا؟ ولماذا عندما يتحدث الغرب عن جرائم الحرب ، قلة في الشرق الأوسط وآسيا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية تستمع؟
ما الذي يعطي بريطانيا الحق في التبشير بشأن نظام عالمي قائم على القواعد ضد المستبدين ، في حين أن حروبها - التي شنت باسم الديمقراطية والمساءلة - قد ألحقت مثل هذا الضرر الرهيب بالأبرياء؟
تحت القصف ، يجد المدنيون صعوبة في إخبارهم بأنهم يموتون من أجل قضية عادلة.
يمكن للعراقي ، الذي يتحدث عن تجربة "الصدمة والرعب" في وطنه ، أن يكون بنفس السهولة الأوكراني الذي يتحدث عن الغزو الروسي اليوم:
"أسميها حقًا حرب قذرة لأنهم يريدون تجاوزها بسرعة. لذا فهم يستهدفون إما محطات المياه ومحطة الكهرباء وجميع الأشياء الأساسية للناس ، وهو - هذا ليس جيدًا. في كل مكان تعيش فيه ، في أقل ما يكون هناك شيء مهم لضربه ".
يحتاج العالم إلى محكمة جنائية دولية تعمل في كل حرب. لتحقيق أي مصداقية ، يحتاج التحقيق في جرائم الحرب إلى التحقيق في عمليات القتل بإجراءات موجزة من الجانبين ، الروسي والأوكراني.
إن إلقاء شبكة واسعة من الإفلات من العقاب على أقوى الجيوش في العالم هو إدانة إنشاء التحالف الوحيد المهم ، لتقديم أولئك الذين يخالفون قواعد الحرب إلى العدالة.
#################################
“وصمة عار على ضميرنا”.. حين يتعلق الأمر بجرائم الحرب لماذا يجب على بريطانيا أن تشيح بوجهها بعيداً؟
لا يمكن أن يكون هناك الآن وميض من الشك في أنَّ القوات الروسية قد ارتكبت جرائم حرب جسيمة في بوتشا وإيربين وبورودينكا. ومع تحرير المزيد من المناطق حول مدينتي كييف وخاركيف الأوكرانيتين، ستظهر المزيد والمزيد من التفاصيل حول المذبحة.
فقد ألقوا الجثث في الآبار والحفر، وتركوها غير مدفونة لأسابيع، وهددوا تحت تهديد السلاح الأشخاص الذين يحاولون إنقاذ جيرانهم المدفونين تحت أنقاض القصف.
أطلقت القوات الروسية النار على قادة القرى، الذين رفضوا التعاون، وعائلاتهم. وبحسب نائب أوكراني، اغتصبوا النساء. واستخدموا المدنيين كدروع بشرية.
وعُثِر على سيارات العائلات التي حاولت الفرار، وعليها كلمة "ديتي" (أطفال)، وهي مليئة بآثار طلقات نارية.
لقد عاملوا جميع السكان على أنهم "نازيون". والأدلة من الاتصالات التي اعتُرِضت بين القادة الروس ووحداتهم وحدها قاطعة.
وادعاءات الممثل الروسي الدائم لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، بأنَّ القتلى المدنيين مزيفون، وأنَّ الجنود الأوكرانيين هم من أحضروا الجثث وألقوها في الشوارع بعد مغادرة القوات الروسية، هي ببساطة ادعاءات تفتقر للمصداقية.
وتركت الوحدات الروسية، التي لم يكن لديها وقت لإخفاء جرائمها في مقابر جماعية، أدلة كافية عليها. من الأفضل البقاء صامتاً بدلاً من جمع الكذبة تلو أخرى. وصحيح أيضاً أنَّ المكان المناسب الوحيد للحكم على جرائم من هذا النوع هو محكمة جرائم الحرب الدولية.
يستحق الهجوم الروسي على أوكرانيا أقصى درجات التدقيق القانوني الدولي.
إعاقة سير العدالة
تتكاثر دعوات مُحِقّة للمطالبة بإجراء تحقيق في وقوع جرائم حرب. لكن هناك مشكلة واحدة صغيرة.
الدول نفسها التي تطالب اليوم بتحقيق العدالة الدولية فيما يتعلق بسلوك القوات الروسية هي نفس الدول التي دأبت على تخريب وتأخير التحقيقات في جرائم الحرب الموثقة التي ارتُكِبَت باسمها.
أوكرانيا هي بالضبط السبب الذي دفع حلفاء الناتو- وتحديداً الولايات المتحدة وبريطانيا- إلى توخي الدقة في الحفاظ على إطار العدالة الدولية عندما كانت قواتها تشن حملات غزو وتفجير.
ولم يقتصر الأمر على فشلها في التحقيق الكامل في جرائمها الخاصة، بل عرقلت أيضاً نشاط هيئات مثل المحكمة الجنائية الدولية عن العمل. واستمرت عرقلة العدالة لعقود من الزمن وما زالت مستمرة حتى يومنا هذا بكل النشاط الذي يمكن حشده.
ويتمثل رأس الحربة لهجوم هذه الدول على العدالة الدولية في قرار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بمعاقبة المدّعي العام للمحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودا، وفاكيسو موشوشوكو، وهو مسؤول كبير آخر في الادعاء.
أعلن ترامب تحقيقات المحكمة الجنائية الدولية في جرائم الحرب الأمريكية في أفغانستان والجرائم الإسرائيلية في فلسطين "حالة طوارئ وطنية". بالإضافة إلى ذلك، أعلن مايك بومبيو، وزير الخارجية آنذاك، أنَّ الولايات المتحدة فرضت قيوداً على إصدار التأشيرات لبعض الأفراد الذين لم تُكشَف أسماؤهم و"المتورطين في جهود المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق مع الموظفين الأمريكيين".
ورفع الرئيس الأمريكي جو بايدن العقوبات عن المحكمة الجنائية الدولية، لكن إدارته تواصل إدانة ومعارضة تحقيقها في جرائم الحرب التي ارتكبتها جميع الأطراف الإسرائيلية والفلسطينية.
وعندما أكدت المحكمة الجنائية الدولية أخيراً أنها تفتح تحقيقاً في الأعمال الإسرائيلية في فلسطين، قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في بيان: "ليس للمحكمة الجنائية الدولية أية سلطة قضائية على هذه المسألة. إسرائيل ليست طرفاً في المحكمة الجنائية الدولية ولم توافق على اختصاص المحكمة، ولدينا مخاوف جدية بشأن محاولات المحكمة الجنائية الدولية ممارسة اختصاصها على الجنود الإسرائيليين".
وأضاف البيان: "الفلسطينيون غير مؤهلين بصفتهم دولة ذات سيادة؛ وبالتالي، فهم غير مؤهلين للحصول على صفة دولة عضو في المحكمة الجنائية الدولية، أو المشاركة كدولة فيها، أو تفويض الولاية القضائية إلى المحكمة الجنائية الدولية".
وصحيح أنَّ نبرة بلينكن كانت أقل فجاجة، وأكثر تفكيراً من نبرة وزير خارجية ترامب، مايك بومبيو، لكن السياسة لم تتغير.
غض الطرف
ناشد رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون هذا الأسبوع، بلغة روسية مشوهة، الروس مباشرةً بشأن ما يجري باسمهم في أوكرانيا. وقال جونسون إنَّ ذلك يعد خيانة لثقة كل أم "تلوّح بفخر وداعاً لابنها وهو يتجه للانضمام إلى الجيش".
وفُهِم هذا الفيديو فهماً خاطئاً على كل المستويات.
واليوم، الدول ذاتها التي تطالب بالعدالة الدولية بشأن سلوك القوات الروسية دأبت على تخريب وتأخير التحقيقات في جرائم الحرب الموثقة التي ارتكبتها قواتها.
ويُخشَى من توجه السلطات الروسية للتجنيد الإجباري، وسيبذل الروس محاولات غير عادية لتجنبه. فعندما تأتي اللحظة التي لا مفر منها، يكون الفراق أشبه بجنازة أكثر من احتفال.
وغافلاً عن الحياة الواقعية في روسيا، أنهى جونسون حديثه بالتحذير التالي: "سيُحاسَب المسؤولون وسيتذكر التاريخ مَن غض الطرف عن مثل هذه الجرائم".
كيف يتوقع رئيس وزراء المملكة المتحدة أن يؤخذ على محمل الجد بينما بريطانيا نفسها "غضت الطرف" مرات لا تحصى؟
والقائمة لا تنضب. فقد كافأ توني بلير جرائم الحرب التي ارتكبها بوتين في الشيشان من 1999 إلى 2003 من خلال ترتيب لقاء بين الزعيم الروسي الملطخة يداه بالدماء مع الملكة. وفي غروزني، أفرغت القوات الروسية الأقبية التي كان يحتمي فيها المدنيون بإلقاء قنابل يدوية عليها. حتى إنَّ جورج دبليو بوش جنّد حرب بوتين ضد الشيشان لتخدم حربه على الإرهاب.
وهاجمت قاذفات التحالف بقيادة الولايات المتحدة في العراق جميع السكان. وأطلقوا عليها اسم "الصدمة والرعب". وتتراوح تقديرات الوفيات العراقية الناجمة عن ذلك الغزو من أقل من 300000 إلى أكثر من مليون. ويُقدِر مشروع تكاليف الحرب التابع لجامعة براون أنَّ ما لا يقل عن 500 ألف شخص لقوا مصرعهم في حروب الولايات المتحدة التي أعقبت 11 سبتمبر/أيلول في أفغانستان والعراق وباكستان.
وتعرضت محاولات التحقيق في مقتل وتعذيب المدنيين في أفغانستان والعراق للتقويض المستمر.
تقويض التحقيق
تخلّت المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية، فاتو بنسودا، عن تحقيقها في مزاعم ارتكاب القوات البريطانية لجرائم حرب في العراق بين عامي 2003 و2008، وأشارت إلى أنه على الرغم من إجراء تحقيقات محلية لمدة 10 سنوات، لم تُوجَّه أية اتهامات ضد أي جندي "وهي النتيجة التي حرمت الضحايا من العدالة".
ونوهت بنسودا: "حقيقة أنَّ الادعاءات التي حقّقت فيها سلطات المملكة المتحدة لم تسفر عن محاكمات لا تعني أنَّ هذه الادعاءات كانت كيدية. لكنها تعني أنَّ هيئات التحقيق المحلية لم تتمكن من تقديم أدلة كافية لإحالة القضايا إلى المحاكمة أو عدم وجود احتمال واقعي للإدانة أمام محكمة جنائية في القضايا المُحالة".
فعلت ويكيليكس أكثر من أيِّ جهةٍ أخرى في نشر جرائم الحرب في العراق، ولا سيَّما نشر لقطات سرية من مروحية أباتشي على هجومٍ على عشرات المدنيين، بينهم صحفيان، في إحدى ضواحي بغداد. وجوليان أسانغ، الرجل المسؤول عن التسريبات، موجود الآن في سجن بلمارش في انتظار تسليمه إلى الولايات المتحدة بتهمة انتهاك قانون التجسُّس.
نظرت بريطانيا في الاتجاه الآخر عندما قُتِلَ في 14 مايو/أيَّار 2018 أكثر من 60 فلسطينياً أعزل برصاص القوات الإسرائيلية أثناء تظاهرهم بالقرب من السياج الحدودي لغزة. تُرتكب جرائم الحرب كل أسبوع تقريباً، حيث يُقتَل فلسطينيون برصاص القوات الإسرائيلية.
ووصف جونسون تحقيق المحكمة الجنائية الدولية في حرب غزة عام 2014 وبناء المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة، وكذلك هجمات حماس الصاروخية من غزة، بأنه "هجومٌ على إسرائيل".
شاركت بريطانيا بنشاط في ضربات الطائرات المسيَّرة لباراك أوباما. استخدمها الرئيس السابق للولايات المتحدة عشرة أضعاف ما استخدمه سلفه جورج بوش. واستهدفت 563 غارة، معظمها بطائراتٍ مسيَّرة، باكستان والصومال واليمن خلال فترتي ولاية أوباما، مقارنة بـ57 غارة في عهد بوش.
قُتل ما بين 384 و807 مدنيين في تلك الدول، وفقاً لتقارير سجَّلها مكتب الصحافة الاستقصائية.
تواصل المملكة المتحدة، أيضاً، النظر في الاتجاه الآخر في اليمن، حيث بلغ عدد القتلى المُتوقَّع بحلول نهاية عام 2021 حوالي 377 ألف قتيل. ورفضت أن تحذو حذو الولايات المتحدة في وقف مبيعات الأسلحة للسعودية.
وفقط بعد سنوات من الضغط ورسالة من 100 نائب برلماني، وافقت المملكة المتحدة على تقديم الدعم المالي للشهود في إحالة غامبيا للإبادة الجماعية للروهينغا في ميانمار إلى المحكمة الجنائية الدولية.
لكن المملكة المتحدة نفسها ليست طرفاً رسمياً في الإجراءات.
وصمة عار على ضميرنا
من بين جميع الدعوات إلى محكمة جرائم الحرب في أوكرانيا، تأتي الدعوات الأكثر فُحشاً من إسرائيل نفسها.
إنها دولةٌ مبنيةٌ على جرائم الحرب. حتى قبل قيام الدولة كانت هناك مذبحة طنطورة، ثم بعد ذلك جاءت مذبحة كفر قاسم وخان يونس وصبرا وشاتيلا، وحروب لبنان، وكلُّ عمليةٍ في غزة. تطول قائمة المجازر التي ارتكبتها القوات الإسرائيلية إلى درجة أنها تشكِّل أبجديتها الخاصة.
قبل عام واحد فقط، وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو تحقيق المحكمة الجنائية الدولية في جرائم الحرب الإسرائيلية بأنه "معادٍ للسامية". واليوم، كَسَرَ وزير الخارجية يائير لابيد المحرَّمات التي تفرضها الدولة على مهاجمة روسيا باتهامها بارتكاب جرائم حرب.
وقال لبيد دون أي مفارقة مقصودة: "لقد غزت دولةٌ كبيرةٌ وقوية جارةً أصغر دون أيِّ مبرِّر. ومرة أخرى، غُمِرَت الأرض بدماء المدنيين الأبرياء".
كيف إذاً يمكن للدول الغربية الرئيسية أن تأمل في تأمين عدالة دولية فاعلة؟ هناك حاجةٌ إلى ذلك. أوكرانيا تصرخ من أجل ذلك. ما ثقل وصمة العار على ضميرنا؟ ولماذا عندما يتحدَّث الغرب عن جرائم الحرب، قلةٌ في الشرق الأوسط وآسيا وإفريقيا وأمريكا الجنوبية تستمع؟
ما الذي يعطي بريطانيا الحق في التبشير بنظامٍ عالميٍّ قائم على القواعد ضد المستبدين، في حين أن حروبها- التي شُنَّت باسم الديمقراطية والمساءلة- قد ألحقت مثل هذا الضرر الرهيب بالأبرياء؟
تحت القصف، يجد المدنيون صعوبةً في إخبارهم بأنهم يموتون من أجل قضيةٍ عادلة.
يمكن للعراقي، الذي يتحدَّث عن تجربة "الصدمة والرعب" في وطنه، أن يكون بنفس السهولة التي يتحدث بها الأوكراني عن الغزو الروسي اليوم. قال ذلك العراقي:
"أسميها حقاً حرباً قذرة لأنهم يريدون تجاوزها بسرعة. لذا فهم يستهدفون محطات المياه ومحطات الكهرباء وجميع الأشياء الأساسية للناس، وهذا ليس جيِّداً. في كلِّ مكانٍ تعيش فيه، هناك على الأقل شيء واحد مهم يُضرَب".
يحتاج العالم إلى محكمةٍ جنائية دولية تعمل في كلِّ حرب. ولتحقيق أيِّ مصداقية، يحتاج التحقيق في جرائم الحرب إلى تقصي إجمالي عمليات القتل من الجانبين الروسي والأوكراني.
إن إرساء شبكةٍ واسعة من الإفلات من العقاب على أقوى الجيوش في العالم لهو استنكارٌ لإنشاء التحالف الوحيد المهم لتقديم أولئك الذين يخالفون قواعد الحرب إلى العدالة.
– هذا الموضوع مترجم عن موقع Middle East Eye البريطاني.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق