أَوهامُ العَوَامِ.. التَّقريبِ بَينَ المُسلمِينَ والشِّيعةِ (5)
د. علي فريد كُلُّ هذا الجُنونِ الكُفريِّ أو الكُفرِ المَجنونِ -إنْ صَحَّ أن يَكونَ الكُفرُ جُنوناً- يَتضَاءَلُ أَمامَ مُعتَقَدِ (التَّقِيَّةِ) الأَشدِّ بشاعةً والأكثرِ انحطاطاً، لا لأنَّ التَّقِيَّةَ أَعظمُ كُفراً من كُفْرِيَّاتِهم سَالِفَةِ الذِّكْرِ؛ بل لأنَّها المُعتقدُ الذي يَجعَلُ أَجرَ إنكارِ الدِّينِ ظَاهراً؛ أَعظمَ من أَجْرِ إِثباتِه بَاطِناً؛ فهم يَرَوْنَ أنَّ تِسعَةَ أَعشارِ دِينِهم في التَّقيَّةِ، وأنَّ تَاركِهَا كتَارِكِ الصَّلاةِ، وأنَّه لا إِيمانَ لمن لا تَقِيَّةَ له، ولا يَجُوزُ تَركُ هذه التَّقِيَّةِ إلى أن يَخرُجَ قَائِمُ آلِ مُحمَّدٍ من سِردابِه ليَسفِكَ دِماءَ العَربِ عَامَّةً ودِماءَ قُريشٍ خَاصَّةً، ومَن تَرَكَها قَبْلَ خُروجِه؛ فقد خَرَجَ عن دِينِ اللهِ تعالى ودِينِ الإِماميَّةِ، وخَالَفَ اللهَ ورَسولَه والأَئمَّةَ.
وهذه التَّقِيَّةُ ليسَتْ هي التَّقِيَّةَ التي أَباحَهَا اللهُ -جَلَّ وعلا- للمُكَرهِ في قَولِه تعالى: “إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ”، ولا هي التي أَباحَها رَسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ- لعَمَّارِ بنِ يَاسِرٍ -رَضِيَ اللهُ عنه- حِينَ أَشرَفَ على الهَلاكِ تَحتَ التَّعذيبِ؛ عَملاً بقولِه تعالى: “إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً”؛ بل هي تَقِيَّةُ اسْتِحلالِ الكَذِبِ والخِداعِ والمُراوغةِ لإِخفاءِ المُعتَقَدِ دُونَ اضطِرارٍ أو إِكراهٍ.. وهي بهذه الصُّورةِ لا تَدُلُّ على شَيءٍ قَدْرَ دَلَالَتِها على انْعِدامِ الشَّرفِ وسُقوطِ المُروءةِ؛ فإنَّ الشَّريفَ ذا المُروءةِ يَأنَفُ مِن أنْ يَتَلَبَّسَ مَرةً واحدةً بالكذبِ أو الخِداعِ جُبناً دُونَ اضطِرارٍ مُهلكٍ؛ فكيف بمَن يَقضِي حَياتَه كُلَّها كاذباً ومُخادعاً ومُراوغاً دُونَ اضطرارٍ أو إِكراهٍ؛ ثُم يَرى ذلك ديناً يَتقرَّبُ إلى اللهِ به!!
وأنا لا أَجِدُ تَعريفاً للتَّقِيَّةِ -بحَسَبِ مَآلِها الوَاقعيِّ- أَصدقَ مِن كَوْنِها: (المُعتَقَدَ الذي يُنْكِرُ به الشِّيعةُ المُعتَقَدَ)؛ فإنَّك لا تَكادُ تُناقِشُ شِيعياً في مُعتقداتِه سَالِفَةِ الذِّكرِ إلَّا ويُنكِرُها كُلَّهَا واحداً واحداً أَشدَّ الإنكارِ، أو يُؤَوِّلُها على غَيرِ وَجهِها عِندَهم، ثُم لا يَشعُرُ بأَدنى تَأثُّمٍ أو وَخْزِ ضَمِيرٍ؛ بل ويَرَى إِنكارَها -أَمَامَكَ ظَاهراً- دِيناً يَتعَبَّدُ اللهَ به؛ تَماماً كما يَرَى الإِيمانَ بها -بَاطناً- دِيناً يَتَعَبَّدُ اللهَ به.. فهو يَتَرَضَّى أَمامَك عن الصَّحْبِ الكِرامِ، ويُنكرُ -أو يُؤَوِّلُ- مَعنى العِصمةِ والإِمامةِ، ويَسخَرُ من البَداءِ والرَّجعةِ، ويُظهِرُ الفَزَعَ والهَلَعَ إذا حَدَّثْتَه عن عَقيدَتِهم في تَحريفِ القُرآنِ، ويَرفُضُ أَشَدَّ الرَّفضِ عِلمَ الأَئِمَّةِ للغَيْبِ.. ثم هو عِندَ نَفْسِه -بَعدَ كُلِّ هذا الكَذِبِ- مَأجورٌ على كُلِّ هذا الكَذِبِ؛ لأنَّه أَجْرَى مُعتَقَدَ التَّقِيَّةِ في الظَّاهِرِ، كما -هو عِندَ نَفْسِه أيضاً- مَأجورٌ على صِدقِه مَعَ نَفْسِه؛ لأنَّه أَجرَى مُعتقداتِه الأُخرى في البَاطنِ؛ فهو مَأجورٌ في الحَالتَينِ صَادقاً وكاذباً؛ بل هو مَأجورٌ صَادقاً مَرَّةً، ومَأجورٌ كاذباً تِسْعَ مَرَّاتٍ.. فلا يُمكنُكَ -والحالُ هذه- إلَّا أن تُسلِّمَ بإِسلامِهم.. فإنْ كانَ عِندَك أَثارةٌ من عِلمٍ بحَقيقةِ عَقائِدِهم لم يَسَعْكَ أَيضاً إلَّا أن تَحْمِلَهم على ظَاهِرِهم وتَكِلَ سَرَائِرَهم إلى اللهِ، ثُم تُنكِرَ أَشَدَّ الإنكارِ على من يُكَفِّرُهم -بحَسَبِ ما يَعرِفُ مِن مُعتقَدَاتِهم الكُفريَّةِ-؛ اعتماداً منك على ظَاهِرِهم الذي أَظْهَرُوه لك تَقِيَّةً وخِداعاً.
وبهذا وأَمثالِه خَدعُوا كَثيراً من عُلماءِ المُسلمِين الطَّيِّبِينَ، (واسْتَحمَرُوا) كثيراً من أَدعِياءِ الثَّقافةِ الإِسلامِيِّين.. وما يَزالُ بَعضُ هؤلاءِ الأَدعياءِ -رَغمَ اطِّلاعِهم على كُلِّ هذه الكُفرِيَّاتِ ومُعاصَرَتِهم لكُلِّ هذه المَجازرِ- يُهوِّنون مِن خِلافِ المُسلمِينَ مَعَ الشِّيعةِ وإِيرانَ، ويَمدَحُون قَادَتَهم المُجرِمين ودَولتَهم العَدُوَّةَ؛ مُتَعَلِّلِينَ بالمَصلحةِ حِيناً وبالوَاقعيةِ السِّياسيَّةِ أَحياناً، فإذا دَعَوْناهم إلى رَفعِ غَمامَةِ ثَوْرِ السَّاقِيَةِ عن عُيونِهم، ونَبَّهْنَاهم إلى الأَصلِ الكُفريِّ الذي انطَلَقَ مِنه الشِّيعةُ قَديماً وحَديثاً، وإلى الوَاقعِ الدَّمويِّ الذي أَدارُوه علينا قَديماً وحَديثاً؛ جَعَلُوا أَصابِعَهم في آذانِهم واسْتَغْشَوْا ثِيابَهم وأَصَرُّوا واسْتَكْبَروا اسْتِكْبَارا، ثُم اتَّهَمُونا بالتَّشدُّدِ والتَّكفيرِ والطَّائفيةِ والخَارجيةِ والوَهَّابِيَّةِ ونَبْشِ المَاضي، وتَقَيَّؤُوا على مَسامِعِنا اختِلافَ العُلماءِ حَوْلَ الشِّيعةِ وأَنواعِهم وطَوَائِفِهم، ومَنْ يَكفرُ منهم ومَن لا يَكفُرُ، وهم يَعلَمُون -قَبْل غَيْرِهم- مَنْ نَقصِدُ ومَاذا نَقصِدُ، ولكنَّه الهوى النَّاتجُ عن عَمَى البَصيرةِ، والتَّبعيَّةِ، والمَصالحِ!!
ليسَ للشِّيعةِ عدوٌّ دائمٌ سوى المُسلمِينَ.. ومَنْ قَرَأَ تاريخَ الشِّيعةِ عَلِمَ أنَّ الشِّيعيَّ لا يَصنعُ سَيفاً إلَّا ليَطعُنَ به المُسلمين، ولا رَصَاصَةً إلَّا لِيُطلِقَهَا على المُسلمِينَ، ولا قُنبلةً إلَّا لِيُفَجِّرَ بها المُسلمينَ.. وَمَا مِن دَولةٍ شِيعيَّةٍ قَامَتْ -قَديماً أو حَديثاً- إلَّا وجَعلَتْ هَمَّهَا الأَوَّلَ عَداوةَ المُسلمِينَ؛ حتَّى كَأنَّه لا عَمَلَ للشِّيعةِ في الدُّنيا سِوَى قَتْلِ المُسلمِينَ أو الإِعانةِ على قَتْلِهم!!
إذا تَسلَّطَ الشِّيعيُّ بَدَأتِ المَجزرةُ.. هذا ما يُخبِرُنا به التَّاريخُ المَاضي والواقعُ الحَاضرُ.. ومُشكلتُنا مَعَ الشِّيعةِ (الآنَ) ليسَتْ في الكُفرِ والإِيمانِ فقط؛ بل في القَتلِ والتَّدميرِ أيضاً.. نَحنُ لَسْنا في مُؤتمرٍ؛ بل في مَجزرةٍ.. ومَنْ يُهَوِّنُ من الخِلافِ الشِّيعيِّ مَعَ المُسلمِينَ، أو يَغُضُّ الطَّرْفَ عن جَرائِمِهم؛ مُتَّكِئاً على ما يُسَمِّيها الوَاقعيَّةَ السِّياسيَّةَ، أو مُنطلقاً مِن مِثاليَّةٍ حَمقاءَ مُضحِكَةٍ تَنشُدُ التَّقريبَ والتَّجمُّعَ والوَحدةَ مَعَ القَتَلَةِ والمُجرمِينَ؛ كان كالَّذي يُعَرِّضُ طِفلَه للذَّبحِ، وعِرضَه للِانتهاكِ، ومَالَه للسَّلْبِ، ودَمَهُ للسَّفكِ!!
لقد وقف العربُ والمسلمون (شعوباً وجماعاتٍ وبعضَ أنظمة) مع الثورة الإيرانية وناصروها.. لم يقتصر الأمر على جماعة الإخوان المسلمين.. الجهاديون العقائديون خُدعوا أيضاً بظاهر الخميني ومَن معه من الملالي، وكثيرٌ منهم- ومِن الجماعات الإسلامية- أحسنوا الظنَّ في إيران وغضوا الطرف عن بشاعة معتقداتها، وظنوا أنَّ الأمر محصور في السياسة القائمة على المصالح.. أما حزب الشيطان الإيراني في لبنان فحسبي أن أُذَكِّرَ الناس بصور حسن نصر الله التي كانت تملاً ميادين كثيرٍ من عواصم البلدان العربية إباَّن حربه المزعومة مع إسرائيل.. سأذكركم أيضاً بكلمة مهدي عاكف غفر الله له حين قال:” إننا على استعداد لإرسال عشرة آلاف مقاتل لنصرة حزب الله.”!!
لقد كانوا معهم ظناً مِنْهُم أنَّهُم مِنْهُم؛ بيد أنه حين جَدَّ الجِد ورغبت الشعوب العربية في التحرر من نير حكامهم اللصوص؛ ظهر الشيعةُ على حقيقتهم؛ فَرَدُّوا الجميلَ للمسلمين جميعاً في صورةِ مجازر مهولة تأنف من ارتكابها الوحوش، وتعاونوا مع كل الملل والنِّحَلِ ضد المسلمين؛ حتى اعترف حسن نصر الله في لقاء تلفزيوني أنَّ (قاسم سليماني) طار إلى روسيا بعد نجاح الموجة الأولى من الثورة السورية، وقضى مع (بوتين) ساعتين كاملتين ليقنعه بالتدخل العسكري المباشر في سوريا؛ ليتقاسم كفارُ الروس مع كفار الفرس مناطقَ النفوذ في (أكناف بيت المقدس).. ذلك البيت الذي أصبح (سليماني) شَهِيْدَهُ على لسانِ المنافقين المخذولين.
لم يقتل اليهودُ من المسلمين في ستين سنة عُشرَ ما قَتَلَ الشيعةُ من المسلمين في عشر سنوات، وإنْ كان اليهود قد غَيَّرُوا (دِيمُغْرَافِيَّةَ) فلسطين وحدها؛ فإن الشيعة قد غَيَّروا جغرافية الشام والعراق بالقصف والهدم، و(دِيمُغْرَافِيَّتِهِمَا) بالتهجير والإبعاد!!
ألا يستحي هؤلاء الذين لا يزالون يَدْعُونَ إلى التقريب مع الشيعةِ بعد كلِّ هذا الذي ظهر منهم؟!
ألا يستحي هؤلاء الذين يتهمون المحذرين من الشيعة بالطائفية والوهابية والخارجية ونبش الماضي وتجديد الأحقاد؟!
أيّ طائفيةٍ ووهابيةٍ وخارجيةٍ يا هؤلاء؟!
ليت المسلمين كُلَّهُم كذلك؛ إذن لحفظ اللهُ دماءَهم وأموالهم وأعراضهم بهذه الصفات التي نتمنى والله أن يتصفَّوا بها حين لا يجدون مندوحةً عنها.. نحن لسنا في مؤتمرٍ؛ بل في مجزرة!!
عَلامَ ننبشُ لكم الماضي وقد جاءكم الحاضرُ بأبشع مما مَرَّ على أجدادنا في الماضي؟!
علامَ نُحدِّثكم عن بشاعات دول القرامطة والبويهيين والفاطميين والصفويين، وقد جمع الخميني كلَّ أحقاد هذه الدول الغابرة وسَبَكَها سَبْكَاً في دولةٍ واحدة، ثم صَبَّها- هو وأتباعُه القتلة- على رؤوسنا جميعاً!!
أيُّ شيء تَغَيَّرَ في الشيعة دينياً وسياسياً لنتقارب معهم؟!
إنِّي والله لأستحي أن أكتبَ كلَّ هذا الكلام بعد كلِّ هذه المجازر.. ما كنتُ أظن أنَّ توضيح الواضحات يحتاج إلى كل هذا الجهد، أو أنَّ الشمسَ في رابعة النهار تحتاج إلى دليل!!
إنَّ هؤلاء الحمقى الذين يُصرون على خداع أنفسهم أولاً والمسلمين ثانياً بمصطلحاتٍ جوفاء عن واقعيةٍ سياسيةٍ لا يعرفون عنها إلا الاستسلام للواقع؛ لا يفعلون شيئاً سوى تبييض سواد وجوه الشيعة بدماء إخوانهم المسلمين، وإعادة تسويق أكاذيب الشيعة عن مقاومتهم المزعومة للنظام العالمي في الوقت الذي يتحالف فيه الشيعةُ مع النظام العالمي في قتل المسلمين وتقسيم بلادهم إلى مناطق نفوذ.. وما كان لإيران- ولا لقادتها التي يُرَوِّجُونَ لشجاعتهم وحنكتهم- أنْ تُحَقِّقَ كلَّ هذه الانتصارات دون ضوء أخضرٍ من النظام العالمي، ودون دَعمٍ عسكري مباشر من الصليبيين أمريكاناً وروساً وبريطانيين.. ومَنْ ظَنَّ غير ذلك فَليَسْتَرِحْ بجانبِ أمثالهِ من الحمقى الذين يَظنون أنَّ (السيسي) أَسَرَ قائدَ الأسطولِ الخامس الأمريكي وألقاه في السجن!!
***
لقد عاد الشيخ القرضاوي مِن (وادي الضِّباعِ) نَادمِاً على أكثر من ثلاثين سنة قضاها في وَهْمِ التقريب بين المسلمين والشيعة.. كما عاد من ذات الوادي الدكتور النفيسي، والدكتور محمد البهي، والشيخ موسى جارالله، والشيخ الكوثري، والشيخ محمد بهجت البيطار، والأستاذ مصطفى السباعي، والشيخ محمد عبد الطيف السبكي.. ومئاتٌ غيرهم لا يُمكن أن يَتَّهِمَهُم عاقلٌ بما يسمونها الوهابية أو الطائفية أو الخارجية أو العداء لآل البيت الكِرام.. فإن كَبُرتْ في نفسِكَ نَفسُكَ فَرَأَيْتَهَا أعلمَ مِن هؤلاء وأذكى مِن هؤلاء وأعقلَ مِن هؤلاء؛ فَدُوْنَكَ (وادي الضِّباع) لتَكُونَ أوْكَسَ الفريقين..
واعلم قبل ذلك أنه:
في طريقِه إلى جَحيمِ الدُّنيا يَتلَفَّعُ المُسلمُ الطَّيِّبُ بأَوهامِ التَّسامُحِ والتَّعايُشِ والوَحدةِ والتَّقريبِ؛ ليَصِلَ -مُكَبَّلاً بهذه الأوهامِ- إلى حافَّةِ المَجزرةِ!!
كُلُّ هذا الجُنونِ الكُفريِّ أو الكُفرِ المَجنونِ -إنْ صَحَّ أن يَكونَ الكُفرُ جُنوناً- يَتضَاءَلُ أَمامَ مُعتَقَدِ (التَّقِيَّةِ) الأَشدِّ بشاعةً والأكثرِ انحطاطاً، لا لأنَّ التَّقِيَّةَ أَعظمُ كُفراً من كُفْرِيَّاتِهم سَالِفَةِ الذِّكْرِ؛ بل لأنَّها المُعتقدُ الذي يَجعَلُ أَجرَ إنكارِ الدِّينِ ظَاهراً؛ أَعظمَ من أَجْرِ إِثباتِه بَاطِناً؛ فهم يَرَوْنَ أنَّ تِسعَةَ أَعشارِ دِينِهم في التَّقيَّةِ، وأنَّ تَاركِهَا كتَارِكِ الصَّلاةِ، وأنَّه لا إِيمانَ لمن لا تَقِيَّةَ له، ولا يَجُوزُ تَركُ هذه التَّقِيَّةِ إلى أن يَخرُجَ قَائِمُ آلِ مُحمَّدٍ من سِردابِه ليَسفِكَ دِماءَ العَربِ عَامَّةً ودِماءَ قُريشٍ خَاصَّةً، ومَن تَرَكَها قَبْلَ خُروجِه؛ فقد خَرَجَ عن دِينِ اللهِ تعالى ودِينِ الإِماميَّةِ، وخَالَفَ اللهَ ورَسولَه والأَئمَّةَ.
وهذه التَّقِيَّةُ ليسَتْ هي التَّقِيَّةَ التي أَباحَهَا اللهُ -جَلَّ وعلا- للمُكَرهِ في قَولِه تعالى: “إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ”، ولا هي التي أَباحَها رَسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ- لعَمَّارِ بنِ يَاسِرٍ -رَضِيَ اللهُ عنه- حِينَ أَشرَفَ على الهَلاكِ تَحتَ التَّعذيبِ؛ عَملاً بقولِه تعالى: “إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً”؛ بل هي تَقِيَّةُ اسْتِحلالِ الكَذِبِ والخِداعِ والمُراوغةِ لإِخفاءِ المُعتَقَدِ دُونَ اضطِرارٍ أو إِكراهٍ.. وهي بهذه الصُّورةِ لا تَدُلُّ على شَيءٍ قَدْرَ دَلَالَتِها على انْعِدامِ الشَّرفِ وسُقوطِ المُروءةِ؛ فإنَّ الشَّريفَ ذا المُروءةِ يَأنَفُ مِن أنْ يَتَلَبَّسَ مَرةً واحدةً بالكذبِ أو الخِداعِ جُبناً دُونَ اضطِرارٍ مُهلكٍ؛ فكيف بمَن يَقضِي حَياتَه كُلَّها كاذباً ومُخادعاً ومُراوغاً دُونَ اضطرارٍ أو إِكراهٍ؛ ثُم يَرى ذلك ديناً يَتقرَّبُ إلى اللهِ به!!
وأنا لا أَجِدُ تَعريفاً للتَّقِيَّةِ -بحَسَبِ مَآلِها الوَاقعيِّ- أَصدقَ مِن كَوْنِها: (المُعتَقَدَ الذي يُنْكِرُ به الشِّيعةُ المُعتَقَدَ)؛ فإنَّك لا تَكادُ تُناقِشُ شِيعياً في مُعتقداتِه سَالِفَةِ الذِّكرِ إلَّا ويُنكِرُها كُلَّهَا واحداً واحداً أَشدَّ الإنكارِ، أو يُؤَوِّلُها على غَيرِ وَجهِها عِندَهم، ثُم لا يَشعُرُ بأَدنى تَأثُّمٍ أو وَخْزِ ضَمِيرٍ؛ بل ويَرَى إِنكارَها -أَمَامَكَ ظَاهراً- دِيناً يَتعَبَّدُ اللهَ به؛ تَماماً كما يَرَى الإِيمانَ بها -بَاطناً- دِيناً يَتَعَبَّدُ اللهَ به.. فهو يَتَرَضَّى أَمامَك عن الصَّحْبِ الكِرامِ، ويُنكرُ -أو يُؤَوِّلُ- مَعنى العِصمةِ والإِمامةِ، ويَسخَرُ من البَداءِ والرَّجعةِ، ويُظهِرُ الفَزَعَ والهَلَعَ إذا حَدَّثْتَه عن عَقيدَتِهم في تَحريفِ القُرآنِ، ويَرفُضُ أَشَدَّ الرَّفضِ عِلمَ الأَئِمَّةِ للغَيْبِ.. ثم هو عِندَ نَفْسِه -بَعدَ كُلِّ هذا الكَذِبِ- مَأجورٌ على كُلِّ هذا الكَذِبِ؛ لأنَّه أَجْرَى مُعتَقَدَ التَّقِيَّةِ في الظَّاهِرِ، كما -هو عِندَ نَفْسِه أيضاً- مَأجورٌ على صِدقِه مَعَ نَفْسِه؛ لأنَّه أَجرَى مُعتقداتِه الأُخرى في البَاطنِ؛ فهو مَأجورٌ في الحَالتَينِ صَادقاً وكاذباً؛ بل هو مَأجورٌ صَادقاً مَرَّةً، ومَأجورٌ كاذباً تِسْعَ مَرَّاتٍ.. فلا يُمكنُكَ -والحالُ هذه- إلَّا أن تُسلِّمَ بإِسلامِهم.. فإنْ كانَ عِندَك أَثارةٌ من عِلمٍ بحَقيقةِ عَقائِدِهم لم يَسَعْكَ أَيضاً إلَّا أن تَحْمِلَهم على ظَاهِرِهم وتَكِلَ سَرَائِرَهم إلى اللهِ، ثُم تُنكِرَ أَشَدَّ الإنكارِ على من يُكَفِّرُهم -بحَسَبِ ما يَعرِفُ مِن مُعتقَدَاتِهم الكُفريَّةِ-؛ اعتماداً منك على ظَاهِرِهم الذي أَظْهَرُوه لك تَقِيَّةً وخِداعاً.
وبهذا وأَمثالِه خَدعُوا كَثيراً من عُلماءِ المُسلمِين الطَّيِّبِينَ، (واسْتَحمَرُوا) كثيراً من أَدعِياءِ الثَّقافةِ الإِسلامِيِّين.. وما يَزالُ بَعضُ هؤلاءِ الأَدعياءِ -رَغمَ اطِّلاعِهم على كُلِّ هذه الكُفرِيَّاتِ ومُعاصَرَتِهم لكُلِّ هذه المَجازرِ- يُهوِّنون مِن خِلافِ المُسلمِينَ مَعَ الشِّيعةِ وإِيرانَ، ويَمدَحُون قَادَتَهم المُجرِمين ودَولتَهم العَدُوَّةَ؛ مُتَعَلِّلِينَ بالمَصلحةِ حِيناً وبالوَاقعيةِ السِّياسيَّةِ أَحياناً، فإذا دَعَوْناهم إلى رَفعِ غَمامَةِ ثَوْرِ السَّاقِيَةِ عن عُيونِهم، ونَبَّهْنَاهم إلى الأَصلِ الكُفريِّ الذي انطَلَقَ مِنه الشِّيعةُ قَديماً وحَديثاً، وإلى الوَاقعِ الدَّمويِّ الذي أَدارُوه علينا قَديماً وحَديثاً؛ جَعَلُوا أَصابِعَهم في آذانِهم واسْتَغْشَوْا ثِيابَهم وأَصَرُّوا واسْتَكْبَروا اسْتِكْبَارا، ثُم اتَّهَمُونا بالتَّشدُّدِ والتَّكفيرِ والطَّائفيةِ والخَارجيةِ والوَهَّابِيَّةِ ونَبْشِ المَاضي، وتَقَيَّؤُوا على مَسامِعِنا اختِلافَ العُلماءِ حَوْلَ الشِّيعةِ وأَنواعِهم وطَوَائِفِهم، ومَنْ يَكفرُ منهم ومَن لا يَكفُرُ، وهم يَعلَمُون -قَبْل غَيْرِهم- مَنْ نَقصِدُ ومَاذا نَقصِدُ، ولكنَّه الهوى النَّاتجُ عن عَمَى البَصيرةِ، والتَّبعيَّةِ، والمَصالحِ!!
ليسَ للشِّيعةِ عدوٌّ دائمٌ سوى المُسلمِينَ.. ومَنْ قَرَأَ تاريخَ الشِّيعةِ عَلِمَ أنَّ الشِّيعيَّ لا يَصنعُ سَيفاً إلَّا ليَطعُنَ به المُسلمين، ولا رَصَاصَةً إلَّا لِيُطلِقَهَا على المُسلمِينَ، ولا قُنبلةً إلَّا لِيُفَجِّرَ بها المُسلمينَ.. وَمَا مِن دَولةٍ شِيعيَّةٍ قَامَتْ -قَديماً أو حَديثاً- إلَّا وجَعلَتْ هَمَّهَا الأَوَّلَ عَداوةَ المُسلمِينَ؛ حتَّى كَأنَّه لا عَمَلَ للشِّيعةِ في الدُّنيا سِوَى قَتْلِ المُسلمِينَ أو الإِعانةِ على قَتْلِهم!!
إذا تَسلَّطَ الشِّيعيُّ بَدَأتِ المَجزرةُ.. هذا ما يُخبِرُنا به التَّاريخُ المَاضي والواقعُ الحَاضرُ.. ومُشكلتُنا مَعَ الشِّيعةِ (الآنَ) ليسَتْ في الكُفرِ والإِيمانِ فقط؛ بل في القَتلِ والتَّدميرِ أيضاً.. نَحنُ لَسْنا في مُؤتمرٍ؛ بل في مَجزرةٍ.. ومَنْ يُهَوِّنُ من الخِلافِ الشِّيعيِّ مَعَ المُسلمِينَ، أو يَغُضُّ الطَّرْفَ عن جَرائِمِهم؛ مُتَّكِئاً على ما يُسَمِّيها الوَاقعيَّةَ السِّياسيَّةَ، أو مُنطلقاً مِن مِثاليَّةٍ حَمقاءَ مُضحِكَةٍ تَنشُدُ التَّقريبَ والتَّجمُّعَ والوَحدةَ مَعَ القَتَلَةِ والمُجرمِينَ؛ كان كالَّذي يُعَرِّضُ طِفلَه للذَّبحِ، وعِرضَه للِانتهاكِ، ومَالَه للسَّلْبِ، ودَمَهُ للسَّفكِ!!
لقد وقف العربُ والمسلمون (شعوباً وجماعاتٍ وبعضَ أنظمة) مع الثورة الإيرانية وناصروها.. لم يقتصر الأمر على جماعة الإخوان المسلمين.. الجهاديون العقائديون خُدعوا أيضاً بظاهر الخميني ومَن معه من الملالي، وكثيرٌ منهم- ومِن الجماعات الإسلامية- أحسنوا الظنَّ في إيران وغضوا الطرف عن بشاعة معتقداتها، وظنوا أنَّ الأمر محصور في السياسة القائمة على المصالح.. أما حزب الشيطان الإيراني في لبنان فحسبي أن أُذَكِّرَ الناس بصور حسن نصر الله التي كانت تملاً ميادين كثيرٍ من عواصم البلدان العربية إباَّن حربه المزعومة مع إسرائيل.. سأذكركم أيضاً بكلمة مهدي عاكف غفر الله له حين قال:” إننا على استعداد لإرسال عشرة آلاف مقاتل لنصرة حزب الله.”!!
لقد كانوا معهم ظناً مِنْهُم أنَّهُم مِنْهُم؛ بيد أنه حين جَدَّ الجِد ورغبت الشعوب العربية في التحرر من نير حكامهم اللصوص؛ ظهر الشيعةُ على حقيقتهم؛ فَرَدُّوا الجميلَ للمسلمين جميعاً في صورةِ مجازر مهولة تأنف من ارتكابها الوحوش، وتعاونوا مع كل الملل والنِّحَلِ ضد المسلمين؛ حتى اعترف حسن نصر الله في لقاء تلفزيوني أنَّ (قاسم سليماني) طار إلى روسيا بعد نجاح الموجة الأولى من الثورة السورية، وقضى مع (بوتين) ساعتين كاملتين ليقنعه بالتدخل العسكري المباشر في سوريا؛ ليتقاسم كفارُ الروس مع كفار الفرس مناطقَ النفوذ في (أكناف بيت المقدس).. ذلك البيت الذي أصبح (سليماني) شَهِيْدَهُ على لسانِ المنافقين المخذولين.
لم يقتل اليهودُ من المسلمين في ستين سنة عُشرَ ما قَتَلَ الشيعةُ من المسلمين في عشر سنوات، وإنْ كان اليهود قد غَيَّرُوا (دِيمُغْرَافِيَّةَ) فلسطين وحدها؛ فإن الشيعة قد غَيَّروا جغرافية الشام والعراق بالقصف والهدم، و(دِيمُغْرَافِيَّتِهِمَا) بالتهجير والإبعاد!!
ألا يستحي هؤلاء الذين لا يزالون يَدْعُونَ إلى التقريب مع الشيعةِ بعد كلِّ هذا الذي ظهر منهم؟!
ألا يستحي هؤلاء الذين يتهمون المحذرين من الشيعة بالطائفية والوهابية والخارجية ونبش الماضي وتجديد الأحقاد؟!
أيّ طائفيةٍ ووهابيةٍ وخارجيةٍ يا هؤلاء؟!
ليت المسلمين كُلَّهُم كذلك؛ إذن لحفظ اللهُ دماءَهم وأموالهم وأعراضهم بهذه الصفات التي نتمنى والله أن يتصفَّوا بها حين لا يجدون مندوحةً عنها.. نحن لسنا في مؤتمرٍ؛ بل في مجزرة!!
عَلامَ ننبشُ لكم الماضي وقد جاءكم الحاضرُ بأبشع مما مَرَّ على أجدادنا في الماضي؟!
علامَ نُحدِّثكم عن بشاعات دول القرامطة والبويهيين والفاطميين والصفويين، وقد جمع الخميني كلَّ أحقاد هذه الدول الغابرة وسَبَكَها سَبْكَاً في دولةٍ واحدة، ثم صَبَّها- هو وأتباعُه القتلة- على رؤوسنا جميعاً!!
أيُّ شيء تَغَيَّرَ في الشيعة دينياً وسياسياً لنتقارب معهم؟!
إنِّي والله لأستحي أن أكتبَ كلَّ هذا الكلام بعد كلِّ هذه المجازر.. ما كنتُ أظن أنَّ توضيح الواضحات يحتاج إلى كل هذا الجهد، أو أنَّ الشمسَ في رابعة النهار تحتاج إلى دليل!!
إنَّ هؤلاء الحمقى الذين يُصرون على خداع أنفسهم أولاً والمسلمين ثانياً بمصطلحاتٍ جوفاء عن واقعيةٍ سياسيةٍ لا يعرفون عنها إلا الاستسلام للواقع؛ لا يفعلون شيئاً سوى تبييض سواد وجوه الشيعة بدماء إخوانهم المسلمين، وإعادة تسويق أكاذيب الشيعة عن مقاومتهم المزعومة للنظام العالمي في الوقت الذي يتحالف فيه الشيعةُ مع النظام العالمي في قتل المسلمين وتقسيم بلادهم إلى مناطق نفوذ.. وما كان لإيران- ولا لقادتها التي يُرَوِّجُونَ لشجاعتهم وحنكتهم- أنْ تُحَقِّقَ كلَّ هذه الانتصارات دون ضوء أخضرٍ من النظام العالمي، ودون دَعمٍ عسكري مباشر من الصليبيين أمريكاناً وروساً وبريطانيين.. ومَنْ ظَنَّ غير ذلك فَليَسْتَرِحْ بجانبِ أمثالهِ من الحمقى الذين يَظنون أنَّ (السيسي) أَسَرَ قائدَ الأسطولِ الخامس الأمريكي وألقاه في السجن!!
***
لقد عاد الشيخ القرضاوي مِن (وادي الضِّباعِ) نَادمِاً على أكثر من ثلاثين سنة قضاها في وَهْمِ التقريب بين المسلمين والشيعة.. كما عاد من ذات الوادي الدكتور النفيسي، والدكتور محمد البهي، والشيخ موسى جارالله، والشيخ الكوثري، والشيخ محمد بهجت البيطار، والأستاذ مصطفى السباعي، والشيخ محمد عبد الطيف السبكي.. ومئاتٌ غيرهم لا يُمكن أن يَتَّهِمَهُم عاقلٌ بما يسمونها الوهابية أو الطائفية أو الخارجية أو العداء لآل البيت الكِرام.. فإن كَبُرتْ في نفسِكَ نَفسُكَ فَرَأَيْتَهَا أعلمَ مِن هؤلاء وأذكى مِن هؤلاء وأعقلَ مِن هؤلاء؛ فَدُوْنَكَ (وادي الضِّباع) لتَكُونَ أوْكَسَ الفريقين..
واعلم قبل ذلك أنه:
في طريقِه إلى جَحيمِ الدُّنيا يَتلَفَّعُ المُسلمُ الطَّيِّبُ بأَوهامِ التَّسامُحِ والتَّعايُشِ والوَحدةِ والتَّقريبِ؛ ليَصِلَ -مُكَبَّلاً بهذه الأوهامِ- إلى حافَّةِ المَجزرةِ!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق