الخميس، 21 أبريل 2022

ليلة الفوز العظيم.. ربنا فلا تجعلنا من المحرومين

ليلة الفوز العظيم.. ربنا فلا تجعلنا من المحرومين

د. عبد العزيز كامل

أظلتنا ليالي العشر.. فلا تحرم نفسك – أيها المسلم.. وأيتها المسلمة -من وعد الذي صدق وعده، سبحانه- واغتنم تلك الليلة التي لا تدرك العقول فضلها، ولا تفي الألسنة بوصفها ، ولا يقدر قدرها إلا الجواد الكريم ، الذي فرق فيها أقدار كل أمر حكيم..

لا تحرم نفسك فإنها المناسبة التي تستدرك فيها ما فات من عمرك.. ولأنها ساعات يتضاعف لك فيها أضعافا ثوابك وأجرك.

إنها أمسية تصافحك فيها الملائكة، بصحبة سيد الملائكة جبريل -عليه السلام- وهي ليلة مكافأتك ولو كنت في بيتك، وسعة عطائك وإن قل أملك ووهنت قوتك..

 إن وافقتها ووفقت فيها.. أخرجتك مما سبق من تقصيرك وذنبك..

وإن وفقك الله لها؛ ستشهد بها  ليلة احتفال كوني، وسلام سماوي، وعطاء رباني لا ينقطع حتى يطلع فجرها،

إنها.. لو ظفرت بشهودها؛ فقد حباك الكريم وحياك.. وإن فاتتك فأنت حقا -كما صح الحديث- من خيرها محروم ملوم..

وهذه خطرات وإشارات في التماس بركات تلك الليلة التي باركها الكريم سبحانه فقال:

{إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ ۚ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ (3)فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4)

أَمْرًا مِّنْ عِندِنَا ۚ إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (5)رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (6)} 

[من سورة الدخان]

استحضر في تلك الليلة حقيقة الكرم الإلهي بقبول عبادة ليلة تعادل في خيرها بل تزيد عن عبادة ألف شهر  (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) أي ما يزيد عن عبادة رجل عمر ثلاث وثمانين سنة وأربعة أشهر؛  في طاعة متواصلة، ليس في شهر منها ليلة قدر..

زد طمعك في الرحمات والدرجات من الوهاب الكريم الذي لا حرج على فضله،

فلا توقف أملك ورجاءك عند قبول ليلة من ليالي القدر، بل اطلب من ربك أن تكون ممن قبل منك ليالي قدر  قبلها فيما مضى، 

وممن  نسأ الله وبارك في أجله، وأمد في عمره وأصلح له عمله، حتى تكون ممن سيشهد ليالي قدر بعدها .. كل منها  خير لك من عبادة ألف شهر..

عش لحظات  الليلة المباركة، مستشعرا أجواء عالم أرضي فريد في ليلة مشهودة، تعمرها وتغمرها الملائكة التي تهبط من كل سماء،

بل من شجرة سدرة المنتهى، لمهمة عظمى تخص المؤمنين فحسب؛

وهي التسليم عليهم ومصافحتهم والتأمين على دعائهم ، فلعلك تكون ممن أمنت على هذا الدعاء كل ملائكة السماء

{ تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)}

التمس فيها كتابة أقدارك على ما يرفع عند المليك المقتدر مقدارك،

 ففيها يفصل ما يكون من أمر السنة من الأرزاق والآجال والأعمال على مقتضى الحكمة والخير..

( فِيها يفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) أَمْراً مِنْ عِنْدِنا إِنَّا كنَّا مُرْسِلِينَ (5) [سورة الدخان]

تيقن أن الأقدار التي تخص المؤمنين فيها يكتبها ويجريها رب كريم رحيم، يسمع أقوالك ويعلم أحوالك أنت وسائر المؤمنين:

(رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) وهي ليلة سلام بخلاف سائر ليالي العام.. (سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ)

ضاعف اجتهادك في كل ليالي العشر، فقد تختلف التقديرات الفلكية، فتصبح الليالي الزوجية وترية، فإن أدركت ليلة القدر في إحداها فغاية المنى،  واجتهادك في ليال قبلها أو بعدها لن تعدم مضاعفة ثوابها وأجورها ..

احتسب عند رجاء أجرك عند ربك في ذكرك ودعائك وتلاوتك وقيامك في ليلتها؛ تعويض ما فرط منك من نقص وخسارة قبلها ،

لتكون جبرا لخاطرك ، ورفعا لقدرك، ولتكون من أهل تلك البشارة..

(مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غفِرَ له ما تقدم من ذنبه)

متفق عليه

تضاعف من ثمرات سنوات عمرك

استحضر وأنت تحيي الليلة أنك تضاعف من ثمرات سنوات عمرك، فقد قال الإمام مالك:

  «بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم، أري أعمار الناس قبله، فكأنه تقاصر أعمار أمته ألا يبلغوا من العمل الذي بلغه غيرهم في طول العمر؛ فأعطاه ليلة القدر» [كتاب وظائف رمضان/٦٤]

مثلما تحرص فيها على الدخول في صحبة المعفو عنهم والمعافين ؛ فاحرص على ألا تكون من المحرومين ، فإن شهر رمضان (فيه ليلة من حرم خيرها فقد حرم الخير كله، ولا يحرم خيرها إلا محروم) [صحيح ابن ماجة للألباني/١٣٣٣]

لا تضيع نهار العشر الأواخر، فقد قال الشعبي: «ليلها كنهارها» وقال الشافعي: (استحب أن يكون اجتهاده في نهارها؛ مثل اجتهاده في ليلها) [وظائف رمضان/٦٩]

لا تنس أن لتلك الليلة دعاء خاصا مستجابا،

يختصر أسمى رجاء.. من رب الأرض والسماء، وهو ما علمه نبينا صلى الله عليه وسلم لأمنا عائشة -رضي الله عنها- عندما سألت: يا رسول الله: إذا شهدت ليلة القدر ماذا أقول فيها؟

قال: قولي (اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني) [صحيح ابن ماجة/٣١٠٥] ..

وهل نرجو أعظم من العفو والعافية في ديننا ودنيانا وآخرتنا.؟

فاللهم يا غياث المستغيثين، ويا مجيب المضطرين..

وفقنا للنجاة  والفوز العظيم بشهود ليلة القدر، وعظم لنا فيها الثواب والأجر، وضع عنا فيها كل سيئة ووزر.. وارفع عنا كل بلاء وشر.. فإنك يا ربنا عفو تحب العفو فاعف عنا..

آمين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق