اضبط ساعتك
د.سلمان بن فهد العودة
في السلوك اليومي نقوم بأفعال كثيرة بطريقة آلية ودون تفكير: المشي الكتابة الأكل اللبس الجمع الطرح التحدث القيادة.. بعض العادات من شدة لا إراديتها لو فكرت فيها حدثت لك الحيرة.
في السلوك اليومي نقوم بأفعال كثيرة بطريقة آلية ودون تفكير: المشي الكتابة الأكل اللبس الجمع الطرح التحدث القيادة.. بعض العادات من شدة لا إراديتها لو فكرت فيها حدثت لك الحيرة. لو فكرت أيّ رجليك تقدم في المشي؟ مع أن السُّنة حددت حالات يُشرع فيها تقديم اليمين؛ كالدخول إلى المسجد، وأخرى نقيضها كالخروج منه.
الملبس، الغترة، الطاقية، العقال، العباءة.. يوجد مجتمعات بلا قوانين؛ كالمجتمعات البدائية، ولكن لا يوجد مجتمعات بلا عادات ولا حتى أفراد حتى الحيوانات وهي تتحرك بالغرائز تكتسب بعض العادات، ولذلك عندما خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ، حَتَّى كَانُوا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ... وَسَارَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى إِذَا كَانَ بِالثَّنِيَّةِ الَّتِى يُهْبَطُ عَلَيْهِمْ مِنْهَا، بَرَكَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ. فَقَالَ النَّاسُ حَلْ حَلْ. فَأَلَحَّتْ، فَقَالُوا خَلأَتِ الْقَصْوَاءُ، خَلأَتِ الْقَصْوَاءُ. فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم – «مَا خَلأَتِ الْقَصْوَاءُ، وَمَا ذَاكَ لَهَا بِخُلُقٍ، وَلَكِنْ حَبَسَهَا حَابِسُ الْفِيلِ»، ثُمَّ قَالَ «وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لاَ يَسْأَلُونِى خُطَّةً يُعَظِّمُونَ فِيهَا حُرُمَاتِ اللَّهِ إِلاَّ أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا» ( البخاري).
تتصل العادات بالضرورات الحيوية؛ كالأكل، والشرب، والنوم، والزواج، وأنماط العيش، واحترام الذات.. فالعادات هي الحروف التفصيلية لتلك العناوين المجملة. العادة: هي ذلك الطريق المعبَّد الذي تم رسمه بكثرة مرور السيارات أو وطء الأقدام عليه، فيظل الإنسان يسلكه حتى يكتشف طريقًا أقصر وأفضل.
قد تبدأ عادة الشيشة أو التدخين أو السهر أو المخدرات دون ضرر ظاهر ثم ترسخ وتُصبح مثل العقدة في الحبل. المورفين قد يُستخدم كمُسكِّن للآلام ولكن حين يتكرر حقنُه يصبح المرء عاجزًا عن الخلاص حتى لو لم يكن معانيًا من الآلام، وإذا حلَّ موعد الجرعة كان في حالة يرثى لها حيث يطرأ تغيير كيميائي على خلايا الدم في الجسم. ولذلك يقال: بادر باقتلاع الحشائش الضارة من حديقتك وإلا أفسدت عليك الحديقة كلها.
قد تبدأ السرقة بسبب الحاجة ثم تصبح عادة حتى مع الغنى ويجد السارق فيها متعة كمتعة الصياد حين يطلق رصاصة من بندقيته فيفرح بإصابة الطائر مع أنه يمتلك في ثلاجته لحوم الطيور بأنواعها.
العادة إذا استسلمت لها صارت سيِّدًا يقودك بقوة إلى حيث لا تريد. العادة طبيعة ثانية؛ كما يقول أرسطو، وهي طبيعة ثابتة أيضًا، ولذا يقولون: (غَيِّر جبل ولا تغير طبع)؛ مع أن هذا غير مُسلَّم، وتغيير العادات ممكن ولكن بجهد وإصرار بلا يأس.
العادات السلبية تشجع الآلام، وتحرم من الخير. قد يفقد المرء مصداقيته مع الناس بسبب عادة رديئة لا تجد قبولًا لديهم. أو موقف لم يفهموه. قد يصفونه بالنفاق وهو مؤمن لديه بعض التقصير. أو يفقد وظيفته. فرق بين نزوة مفاجئة وعابرة وبين عادة مستقرة دائمة. مع أن النزوة قد تتطور إلى عادة. العادة السيئة تأخذ منّا أكثر مما تعطينا.. هذا لو كانت تعطينا فعلًا! قد يستمتع المرء بالعادة السرية، وهي مذمومة، وشر منها الزنى والعلاقات المحرمة. وقد يبتهج أثناء الفعل لكنه يُحرم من الأشواق الروحية والعقلية وتنقص لديه متعة الحياة.
حين يدرك الإنسان أن من كمال شخصيته التحلي بفضائل المحبة، والوفاء، والرحمة، والتسامح، والعدل، والتفكير الموضوعي.. ثم يُعزز حظوظها في نفسه، ويبدأ بممارستها وحمل النفس عليها فإنها تصبح عادة تصعب مخالفتها مهما كثرت التضحيات. من تعوَّد على الصواب يصعب عليه فعل الخطأ، ومن جرت سليقته العربية على الفصاحة لا يُمكِّنه لسانه من اللَّحن. حين طُلب من لاعب سلة ماهر تمثيل مشهد يرمي فيه الكرة فيخطئ لغرض إعلاني أخفق في ذلك وعجز؛ لأنه اعتاد على الصواب.
الصداقة عادة؛ اجعل صداقاتك من البسطاء والضعفاء والعاديين حتى تألفهم وتركن إليهم، وتتعود على النظر إلى من هو دونك في الدنيا وتنأى بنفسك عن الكبر والتعاظم، وبذلك تحبهم ويحبونك، وتعتاد النفور من مجالس الكبراء والمتكبرين: {وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِم مِّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ} [سورة الأنعام]، {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [سورة الكهف].
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق