الثلاثاء، 4 أبريل 2023

سجادة الصلاة والمعركة الانتخابية في تركيا

 

سجادة الصلاة والمعركة الانتخابية في تركيا

مرشح المعارضة يقف بحذائه على سجادة الصلاة

الجدل المثار في تركيا حول قيام مرشح المعارضة لانتخابات الرئاسة كمال كيليشدار أوغلو بالتقاط الصور وهو يقف بالحذاء على سجادة الصلاة يكشف عن حالة العداء للدين التي يتعمد إظهارها بعض السياسيين في العالم الإسلامي، لحشد الأقليات والتيارات العلمانية في الداخل ولجلب الدعم الدولي من الخارج.

رغم اعتذار زعيم المعارضة التركية وادعائه أنه لم ينتبه لوجود السجادة، فإن نشر صورة أخرى له على السجادة نفسها مع أحد أنصاره أكدت ضعف موقفه، فمثل هذه الصور الرمزية التي توجه رسائل في اتجاهات متعددة تفضح السرائر، وهي لا تخالف الاتجاه السياسي لحزب الشعب الجمهوري الساعي لإحياء الأتاتوركية المحاربة للدين مرة أخرى.

المثير للاندهاش أن الصورة المسيئة جاءت قبل أسابيع من الانتخابات، في وقت يسعى فيه المرشحون إلى التقرب من الجماهير والحرص على إظهار تعظيم الدين واحترام العادات والتقاليد للحصول على الأصوات التي تحقق الفوز، لكن فقدان الحكمة وغياب البصيرة كثيرا ما يقود إلى ارتكاب مثل هذه الأخطاء القاتلة.

لو كان رجب طيب أردوغان يريد تشويه منافسه ما كان له أن يفعل ما فعله كيلتشدار أوغلو بنفسه، وقد أحسن أردوغان الاستفادة من السقطة فأمسك بسجادة أهداها له أحد أنصاره في جولة من جولاته الانتخابية وقال إن “هذه السجادة ليست لكي يدوسها أحدهم بحذائه، بل لنصلي عليها إن شاء الله صلاة الشكر يوم 15 مايو بعد الفوز بالانتخابات”.

ما فعله كيلتشدار أوغلو يفعله زعماء عرب معاصرون للحصول على الدعم الخارجي الصهيوني والمسيحي، ولكن الفرق بينهم أن زعيم المعارضة التركي -لأسباب لا نعلمها- تعجّل هذه المرّة ولم يستطع الانتظار وكتم موقفه من الدين حتى نهاية السباق الانتخابي؛ الأمر الذي سيؤثر في حجم التأييد له بكل تأكيد، أما في بعض البلاد العربية فيجاهر بعض الحكام بمواقفهم المعادية للدين باستمرار استنادًا إلى شرعية الملك العضود أو الاستناد إلى القوة الجبرية.

رد أردوغان

شراسة العلمانية التركية

تعد العلمانية التركية من أبشع أنواع العلمانيات استبدادا، فمنذ مئة عام عقب الإطاحة بالخلافة العثمانية، عانى الأتراك من القمع ومحاصرة الدين ومحاربته، وحظيت الحكومات الأتاتوركية المتعاقبة بدعم الغرب لإبعاد تركيا عن محيطها الإسلامي، ولكن لم يوافق الأوربيون قط على انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوربي لأنها دولة مسلمة.

بسبب الموقع الجغرافي وأهمية تركيا لكونها حائط صد ضد الروس والتزام العسكريين العلمانيين بقيم الديمقراطية الغربية رغبة في الانضمام للاتحاد الأوربي سمحت الانتخابات بوصول الإسلاميين للسلطة، وفي كل مرة كانت تنتهي التجربة بانقلاب عسكري يعيدهم إلى نقطة الصفر، واستمرت لعبة الانقلابات بين أنصار العسكريين العلمانيين والأتراك الراغبين في العودة إلى دينهم حتى الانقلاب الأخير في عام 2016 الذي فشل، عندما نزل الشعب إلى الشوارع ووقف أمام الدبابات، ورفض التنازل عن حريته وتمسك بحقه في اختيار من يمثله.

أردوغان واستعادة قوة الشعب

التجربة التركية مليئة بالدروس، فالإسلاميون تعاملوا بذكاء شديد في مواجهة دوائر علمانية باطشة مدعومة من الدوائر الصهيونية والغربية، فلم يخلطوا بين العمل الدعوي والنضال السياسي، حتى لا تدفع الدعوة ثمن الصدام السياسي المتكرر، ولم يلجأ الأتراك إلى العنف الذي يعطي خصومهم مشروعية ومبررا للاستبداد وإعلان الطوارئ والعصف بكل شيء.

حرص الإسلاميون الأتراك على السيطرة على المجتمع من أسفل إلى أعلى، فوسعوا تحالفاتهم مع القوميين والوطنيين المخلصين، ودخلوا انتخابات المحليات ثم انتخابات البرلمان، وعندما شعروا بأن المناخ مهيأ لتولي منصب الرئاسة خاضوا التجربة، فكان الوصول إلى القمة مرتكزا على أسس وجذور راسخة في التربة التركية يصعب على شياطين الداخل ومعهم شياطين الخارج خلعهم والانقلاب عليهم وتشويههم.

مع تحييد العسكريين العلمانيين العملاء للخارج استطاع الشعب التركي أن يمتلك زمام المبادرة، وأصبح الصندوق الانتخابي هو الوسيلة الشعبية لتشكيل النظام السياسي، وأسقطت التجربة العملية الكثير من المزاعم التي كان يرددها أعداء الحرية مثل أن “الإسلاميين إذا وصلوا للسلطة فلن يتركوها” حيث خسر حزب العدالة والتنمية في الانتخابات الماضية بلديات مهمة مثل إسطنبول وأنقرة وتقبل الإسلاميون النتيجة واحترموا رأي الشعب.

الانتخابات ومستقبل الأتراك

في هذه الانتخابات لم يقل أحد من الأتراك إن أردوغان سيفوز بالتزكية رغم كل ما فعله من إنجازات مادية حقيقية، إذ أصبحت تركيا في عهده خلال 20 عاما دولة قوية عسكريا بعد تصنيع أسلحتها التي تم تجريبها في عدة حروب (في ليبيا وسوريا وأذربيجان) فأثبتت تفوقها، لكن حجم التآمر الدولي على أردوغان والسعي للخلاص منه يجعل الانتخابات معركة فاصلة لها ما بعدها.

تجري الانتخابات وسط تحولات عالمية كبيرة، حيث تحتدم الحرب بين روسيا والناتو قرب الحدود، ولا أحد يتوقع متى وأين تتوقف؟ وجيوش روسيا وأمريكا وأوربا تطوق تركيا من الجنوب، ورغم ما يبدو من خلافات وصراعات بين القوى العالمية المتحاربة فإنها تتفق على العداء للصعود التركي، وتخشى عودة الأتراك قوة عالمية بعد مئة عام من الانكسار والتآمر عليهم.

سيتوقف مستقبل تركيا على نتيجة هذه الانتخابات، فإما أن يفوز أردوغان ليستكمل مشروع التصنيع العسكري المتطور الذي يمكن تركيا من استكمال التحرر والاستقلال عن الهيمنة الغربية، وإما أن يأتي حاكم يسلم رأسه ورقبته لخصوم تركيا ليهدم كل ما تم ويفكك مجمع الصناعات العسكرية الذي أعاد للأتراك مكانتهم الدولية.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق