إلى الذين يطالبون بترحيل اللاجئين من تركيا!
ياسين أقطاي
تمثل قضية المهاجرين غير النظاميين جرحًا كبيرًا، ليس فقط لتركيا، بل للبشرية جمعاء. ومن مفارقات عالم اليوم أن يزداد عدد اللاجئين مع زيادة مستوى الرفاهية.
ليس فقط عدد اللاجئين الذي يزداد، بل أيضًا العديد من الأمراض الأخرى مثل المجازر والقتل والانتحار والمخدرات وتفكك الأسرة والتشرد، وكل ذلك نتيجة لوسائل الراحة التي حققناها.
إنها أعظم مفارقة في الحضارة أن نبدأ في الشعور بعدم المسؤولية تجاه الآخرين بدلًا من تقديم الشكر لهم.
لقد كان الأمر دائمًا هكذا عبر التاريخ، عدم المسؤولية، واللامبالاة، والقسوة، والأنانية، كلها نذر لكوارث أعظم قادمة.
ومقارنة بما كان عليه الحال قبل 30 عامًا، تضاعف عدد اللاجئين في العالم. وتكشف تقارير المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ووكالة الهجرة التابعة للأمم المتحدة أن 82.4 مليون لاجئ، من بين 282 مليون شخص، قد نزحوا قسرًا بسبب الحروب والصراعات والعنف وانتهاكات حقوق الإنسان والتهديد والاضطهاد. وعلى الرغم من أن غالبية هؤلاء الأشخاص نازحون داخليًّا بسبب النزاعات والكوارث الطبيعية، فإن أكثر من 34 مليون شخص يعيشون طالبي لجوء أو لاجئين في مختلف البلدان اليوم.
والواقع أن النهج الذي تتبعه المجتمعات إزاء هذه القضايا الإنسانية يُظهر قدر رقيها. فلا أحد يريد مهاجرًا، وخاصة المهاجر غير النظامي. وعلى أي حال، لا يأتي المهاجر بدعوة، ولا يأتي عن طيب خاطر، فهناك من يدفعه، ويطارده. يأتي إلى بابك هاربًا للنجاة بحياته، وفي تلك اللحظة يختبر إنسانيتك في وقت لا تتوقعه، ومن مكان لم تتوقعه قط.
إن قضية اللاجئين باتت تشكل جرحًا للإنسانية جمعاء. وللإجابة على التساؤلات التي تنشأ عندما يكون السبب بالفعل هو اللامبالاة وعدم المسؤولية، فإن ضجيج أولئك الذين يحرضون على سلوك قاس، يصم الأذان. وعندما يتم اكتشاف الربحية السياسية لهذه القضية، يكون الموضوع قد ذهب أبعد من ذلك وتتم مناقشته بشكل أكبر. لقد أصبحت قضية المهاجرين واحدة من أسهل الموضوعات لاستفزاز الناس والتلاعب بهم. هذا الجرح، الذي ينزف عند خدشه، هو في الواقع جرح إنسانيتنا.
وكأنهم الأبطال
عندما يتعلق الأمر بقضية المهاجرين، انظر إلى أوضاع أولئك الذين يتحدثون من أجل مصلحة البلاد، وخاصة باسم الأمن القومي، وكأنهم الأبطال العظماء. ولكن، هل لديهم أي مشاريع جديرة بالاهتمام من أجل تنمية هذا البلد، ومن أجل مواصلة تطوير هذا المجتمع؟
ما نوع المشروع الذي يتعين عليهم تقديمه بخلاف إعادة اللاجئين؟ ماذا يمكن أن يقدّموا للبشرية ولهذا البلد ولهذا الشعب، غير استهداف مجموعة من الناس والتحريض على خطاب الكراهية والاستياء تجاههم؟
ومع ذلك، لا يتطلب الأمر أي مكتسبات سياسية لارتداء لغة الكراهية هذه. الأطراف الأكثر تعصبًا من مثيري الشغب ومستوى ذكائهم الضحل والسطحية التي يمتلكونها باتت أشبه بمشاهدة ما يحدث على الأرض من المريخ.
قد يعتقد أولئك الذين ليس لديهم أي أجندة سوى ترحيل اللاجئين، أن الحكومة فقط هي التي تُخدش جراحها وتنزف. لكن ما ينزفونه هو ضمير وتاريخ وهوية وشخصية هذا المجتمع نفسه، وذكاؤهم ومستوى سياستهم. إذا كانوا مهتمين حقًّا بتنمية هذا البلد، فيمكنهم تطوير مشاريع أفضل، والعمل على خلق ظروف أفضل قد يتمكن فيها اللاجئون من العودة إلى بلدانهم، ويمكنهم أيضًا أن يسهموا في تحقيق اندماج ناجح وسلمي للاجئين الباقين بما يفيد هذا البلد والبشرية جمعاء.
وعندما يتصرفون بشهوة الجشع، فإنهم يحاولون تدمير هذه الأمة بكل قيمها، وهم بذلك أيضًا يُغرقون أنفسهم. وهذه التصرفات تُعد الأسهل بالنسبة للمعارضة، ولكنها أيضًا الأكثر ضررًا.
وبينما نراقب بحذر، نلاحظ أن أولئك الذين لم يفوّتوا فرصة لإظهار عدائهم للإسلام قد بدؤوا في إظهار حقيقة ما في نفوسهم من غضب تجاه اللاجئين.
ومع ذلك، فإن مشكلة اللاجئين -شأنها شأن جميع المشاكل- ليست مسألة عرق أو دين أو أمة، بل هي مسألة إنسانية، والأمر متروك للسياسي لإدارتها بنجاح.
الدور التركي
قامت تركيا بدورها إزاء قضية اللاجئين. فعلت ما كان عليها فعله. بالطبع، فعلت ما يجب على الآخرين فعله وما لم يفعلوه. الفارق بين تركيا وباقي الدول أنها لم تتفلت من مسؤولية تفلت منها الجميع، وهذا تعبير عن عظمتها. قضية الهجرة واللاجئين مشكلة، لكن مهمة السياسي ليس تجاهل المشاكل أو حلها بطريقة تجلب العار، بل بطريقة إنسانية. تركيا تفعل ذلك. لم تقم بإرسال الأشخاص الذين لجؤوا إلى البلاد قسرًا، قبل أن تتحسن الظروف التي أجبرتهم على اللجوء، لكنها في الوقت نفسه لم تحتفظ بمن أرادوا العودة طواعية. في واقع الأمر، فإن ما لا يقل عن 40% ممن جاؤوا قد عادوا بالفعل إلى بلدانهم أو بلدان أخرى.
وحاليًا يتم تهيئة ظروف مستدامة حيث يجري بناء مدن لأولئك الذين يرغبون في العودة إلى المناطق الآمنة التي تم إنشاؤها في سوريا. كما يتم بذل الجهود لدمج ما لا يقل عن 500 ألف شخص في هذه المدن والاستقرار بها في المستقبل القريب. وأثناء القيام بذلك، من المهم للغاية اعتماد نهج يليق بسمعة تركيا، ومجدها، وتاريخها، وشخصيتها.
أولئك الذين لا يقدّمون حلًّا سوى “ترحيل اللاجئين” باسم القومية، وخاصة أولئك الذين يحرضون بطريقة تؤجج الكراهية، لا علاقة لهم بالتاريخ والقيم أو مجد هذه الأمة. عندما تكشف حقيقتهم يتضح أنهم عبارة عن مجموعة عملت دائمًا لحياكة كل أنواع المؤامرات والعداء لمنع هذه الأمة من أن تصبح أمة.
ومن يفكر بهذا الأمر قليلًا، سيرى أيضًا أنه لا توجد إهانة للقومية التركية أكبر من هذا النهج.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق