الأحد، 4 يونيو 2023

مسافرون

قصيدة مسافرون

الشاعر نزار قبانى 




القاها الشاعر نزار قباني في مهرجان المربد الخامس في بغداد عام 1985
وقد احدثت ضجة كبيرة داخل الاوساط الادبية لجرأتها في حينها وتم التعتيم والتشويش عليها و منعت من الصدور على الصحف وقنوات الاعلام…

مسافرون

مسافرون نحن فى سفينة الأحزان
قائدنا مرتزق
وشيخنا قرصان
مواطنون دونما وطن
مطاردون كالعصافير على خرائط الزمن
مسافرون دون أوراق..وموتى دونما كفن
نحن بغايا العصر
كل حاكم يبيعنا ويقبض الثمن
نحن جوارى القصر
يرسلوننا من حجرة لحجرة
من قبضة لقبضة
من مالك لمالك
ومن وثن إلى وثن

نركض كالكلاب كل ليلة
من عدن لطنجة
ومن عدن الى طنجة
نبحث عن قبيلة تقبلنا
نبحث عن ستارة تسترنا
وعن سكن
وحولنا أولادنا احدودبت ظهورهم وشاخوا
وهم يفتشون في المعاجم القديمة
عن جنة نظيرة
عن كذبة كبيرة… كبيرة
تدعى الوطن
أسماؤنا لا تشبه الأسماء
فلا الذين يشربون النفط يعرفوننا
ولا الذين يشربون الدمع والشقاء

معتقلون داخل النص الذى يكتبه حكامنا
معتقلون داخل الدين كما فسره إمامنا
معتقلون داخل الحزن..وأحلى ما بنا أحزاننا
مراقبون نحن فى المقهى..وفى البيت
وفى أرحام أمهاتنا
لساننا..مقطوع
ورأسنا..مقطوع
وخبزنا مبلل بالخوف والدموع
إذا تظلمنا إلى حامى الحمى قيل لنا: ممنـــوع
وإذا تضرعنا إلى رب السما قيل لنا: ممنوع
وإن هتفنا..يا رسول الله كن فى عوننا
يعطوننا تأشيرة من غير ما رجوع
وإن طلبنا قلماً لنكتب القصيدة الأخيرة
أو نكتب الوصية الأخيرة قبيل أن نموت شنقاً
غيروا الموضوع

يا وطنى المصلوب فوق حائط الكراهية
يا كرة النار التى تسير نحو الهاوية
لا أحد من مضر..أو من بنى ثقيف
أعطى لهذا الوطن الغارق بالنزيف
زجاجة من دمه و بوله الشريف
لا أحد على امتداد هذه العباءة المرقعة

أهداك يوماً معطفاً أو قبعة
يا وطنى المكسور مثل عشبة الخريف
مقتلعون نحن كالأشجار من مكاننا
مهجرون من أمانينا وذكرياتنا
عيوننا تخاف من أصواتنا
حكامنا آلهة يجرى الدم الأزرق فى عروقهم
ونحن نسل الجارية
لا سادة الحجاز يعرفوننا..ولا رعاع البادية
ولا أبو الطيب يستضيفنا..ولا أبو العتاهية
إذا مضى طاغية
سلمنا لطاغية

مهاجرون نحن من مرافئ التعب
لا أحد يريدنا
من بحر بيروت إلى بحر العرب
لا الفاطميون..ولا القرامطة
ولا المماليك…ولا البرامكة
ولا الشياطين..ولا الملائكة
لا أحد يريدنا
لا أحد يقرؤنا
فى مدن الملح التى تذبح فى العام ملايين الكتب
لا أحد يقرؤنا
فى مدن صارت بها مباحث الدولة عرّاب الأدب

مسافرون نحن فى سفينة الأحزان
قائدنا مرتزق
وشيخنا قرصان
مكومون داخل الأقفاص كالجرذان
لا مرفأ يقبلنا
لا حانة تقبلنا
كل الجوازات التى نحملها
أصدرها الشيطان
كل الكتابات التى نكتبها
لا تعجب السلطان

مسافرون خارج الزمان والمكان
مسافرون ضيعوا نقودهم..وضيعوا  متاعهم
ضيعوا أبناءهم..وضيعوا أسماءهم..وضيعوا إنتماءهم..
وضيعوا الإحساس بالأمان
فلا بنو هاشم يعرفوننا..ولا بنو قحطان
ولا بنو ربيعة..ولا بنو شيبان
ولا بنو ‘لينين’ يعرفوننا..ولا بنو ‘ريجان’
يا وطنى..كل العصافير لها منازل
إلا العصافير التى تحترف الحرية
فهى تموت خارج الأوطان
 
ثقافتنا

فقاقيع من الصابون والوحل
 
فمازالت بداخلنا
 
“رواسب من ” أبي جهل
 
ومازلنا
 
نعيش بمنطق المفتاح والقفل
 
نلف نساءنا بالقطن
 
ندفنهن في الرمل
 
ونملكهن كالسجاد
 
كالأبقار في الحقل
 
ونهذا من قوارير
 
بلا دين ولا عقل
 
ونرجع أخر الليل
 
نمارس حقنا الزوجي كالثيران والخيل
 
نمارسه خلال دقائق خمسه
 
بلا شوق … ولا ذوق
 
ولا ميل
 
نمارسه .. كالات
 
تؤدي الفعل للفعل
 
ونرقد بعدها موتى
 
ونتركهن وسط النار
 
وسط الطين والوحل
 
قتيلات بلا قتل
 
بنصف الدرب نتركهن
 
يا لفظاظة الخيل
 
قضينا العمر في المخدع
 
وجيش حريمنا معنا
 
وصك زواجنا معنا
 
وقلنا : الله قد شرع
 
ليالينا موزعه
 
على زوجاتنا الأربع
 
هنا شفه
 
هنا ساق
 
هنا ظفر
 
هنا إصبع
 
كأن الدين حانوت
 
فتحناه لكي نشبع
 
تمتعنا ” بما أيماننا ملكت ”
 
وعشنا من غرائزنا بمستنقع
 
وزورنا كلام الله
 
بالشكل الذي ينفع
 
ولم نخجل بما نصنع
 
عبثنا في قداسته
 
نسينا نبل غايته
 
ولم نذكر
 
سوى المضجع
 
ولم نأخذ سوى
 
زوجاتنا الأربع

نزار توفيق قباني – 1998-1923


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق