يا أيّها الطغاة
قرصٌ مضيء بعيد. يراه الجائع فيحسبه رغيف خبز، ويراه العاشق فيحسبه قمراً، ويراه الطفل فيحسبه كرة، وتراه أمي فتحسبه وجه أخي الغائب، ويراه الشاعر فيبدأ بكتابة قصيدته، و... و... و... ويراه الطاغية فيصوّب إليه بندقيته... لينطفئ.
شموس الطغاة لا تضيء سوى قصورهم.
شموس الطغاة عمياء.
شموس الطغاة ليست أبدية. سرعان ما ينتهي وقودها فتنطفئ، مخلفة وراءها الرماد والسواد... والعار.
الطغيان صناعة محلية دائماً، لكنّها صالحة للتصدير. الطغاة محترفون. يمارسون القتل بدم بارد، والشعوب هواة يمارسون النضال بدم ساخن... وشتّان.
الطغاة حالمون أيضاً... لكن بقتل شعوبهم.
نعم... الطغاة حالمون دائماً، بالخلود على كراسيهم.
الطغاة بائسون. يتوهمون أنّهم غير ذلك، ينامون بعين واحدة، ويستيقظون على حفلة كوابيس.
الطغاة أغبياء. يعتقدون أنّ ما يكتبه حواريوهم هو ما سيكون التاريخ.
الطغاة أغبياء فعلاً. يعتقدون أنّهم قادرون على إعادة كتابة التاريخ الذي سبقهم بحبر حوارييهم إياهم... وحسب.
الطغاة أخوة... بعضهم لبعض أولياء.
الطغاة يتنافسون في مباراة الطغيان، ويهنئون الفائز في المباراة بتبادل أنخاب دماء شعوبهم.
البارود وحده يشمّه الطاغية فيقول: الله... الله. الدم وحده يراه الطاغية فيقول: الله... الله. الشعب وحده يراه الطاغية معتصماً في ساحات التحرير، فيرتجف هلعاً ويستعد للرحيل... ويرحل. كلما اتسعت ساحات التحرير بالشعوب، ضاقت الدنيا أمام الطغاة.
هل للطاغية ذكريات مع المطر؟ مع الغيم؟ مع الشجر؟ مع العصافير؟ مع الأطفال؟ مع السماء؟ مع الكتب؟ مع الحبيبة والحب؟... أم أنّ ذاكرته مكدّسة بالبارود وحده؟
هل للطاغية ذكريات مع البحر والنهر وبئر القرية العتيقة؟ أم أنّ ذاكرته غارقة بالدم وحده؟
لا شيء يدعو إلى الدهشة. الطاغية يمارس طغيانه كي يبقى على قيد الكرسي، والشعب يمارس نضاله كي يبقى على "قيد الحرية". هل قلت "قيد الحرية"؟ عذراً... الحرية ضد كلّ قيد.
يفطر الطاغية بجثث الأطفال، ويتغدّى بجثث الرجال، ويتعشّى بجثث النساء... يا إلهي، لم يترك له الشعب له شيئا ليتسلّى به بين الوجبات!
أيها الطاغية... شجاعتك تتغذّى على خوفي منك.
أيها الطاغية... اغتسل من كلّ هذا الدم لأراك.
للطغاة قلب واحد موزّع في جسوم كثيرة.
لا... ليس للطاغية قلب.
من يصنع الطغاة... غيرنا؟ الطغاة يبدؤون صغاراً.. ويبقون هكذا دائماً، لكنّ طغيانهم يكبر بتصفيقنا.
الطغاة بشر؟ نعم بشر لكنّهم استثنائيون... في بشريتهم. إذا كان الطغيان صناعة، فإنّ صمت الشعوب مادته الأساسية.
جمعة تمضي وراء جمعة... والشعوب هي الشعوب والطغاة هم الطغاة... والأمل ينتظر في آخر النفق.
يسهر الطاغية على راحة الشعب أيضاً. يُحصي أنفاس مواطنيه، ويتفقد عدد الطلقات في مخزن أسلحته، قبل أن ينام.
*** *** ***
الطغاة... الطغاة... الطغاة... إلخ... إلخ... إلخ.
*** *** ***
قل يا أيّها الطغاة... قد تقتلون البشر... لكنّكم لا تستطيعون قتل الحياة.
*كتبت ونشرت معظم مقولات هذا النص على هامش أحداث الربيع العربي... ويبدو أنّها صالحة للخريف أيضاً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق