أخلاق الحرب بيننا وبينهم
كم هي قاسيةٌ على النفس وقاصمةٌ للظهر هذه الأخبار التي ترد إلينا صباحَ مساءَ، عمّا يمارسه العدوّ الصهيونيّ مع أهل غزة!
لا يكاد الخيال يحيط بحجم المصاب؛ عندما تبث قناة العدو الصهيونيّ صورًا لواقعة الاعتداء الجنسيّ على مسلمٍ عفيفٍ طاهرِ البدنِ نقيِّ الفؤاد، وعندما يخرج بعدها الجناة والمدافعون عنهم ليبرروا ويسوغوا الجريمة البشعة، داعين شعب إسرائيل للتظاهر دعمًا للمدافعين عن أمنهم بسلاح الاغتصاب! أيّ قاعٍ سحيقٍ ذلك الذي هبطت إليه الإنسانية على يد هؤلاء الأوغاد الموتورين؟!
أين هي دولة إسرائيل التي يزعمون أنّها ديمقراطية؟ بل أين العالم الديمقراطيّ مما يجري في غزة من قتلٍ للنساء والأطفال وقصفٍ للمدارس والمستشفيات وانتهاكٍ صريحٍ قبيحٍ لكل حقوق الإنسان؟!
ولعله من الحزم ألا ننساق مع الشعور بالدهشة، وأنْ نلتفت إلى الغضب فنوجهه وننضجه ونسكب عليه من الوعي ما يجعله طاقة دافعة في طريق التغيير الكبير.
والمسلمون ليسوا كذلك
كان غريبًا ومفاجئًا موقف الأبطال المرابطين في غزة من الأسرى الصهاينة، كان غريبًا ومفاجئًا لجميع الخلق في الغرب والشرق؛ فعلى الرغم من المجازر التي يرتكبها العدوّ في حقّ الشعب الغزّاويّ المحاصر المعزول عن العالم وجدناهم يعاملون الأسرى ولاسيما النساء أرقى معاملة، إلى حدّ أنّ الأسيرة كانت تخرج من عندهم وكأنّها قادمة من “كوافير”! أمّا نحن فلم نتفاجأ بذلك ولم يكن غريبًا في حِسِّنا ، ولو تكرر ألف مرة وتكرر بإزائه ما يرتكبه العدو من حماقة لما تغيّر من ذلك شيء؛ ذلك لأنّ هذا هو ديدن المسلمين على مدى التاريخ، ولقد حمل التاريخ لنا وللناس إلى يوم الدين حكايات عن رقيّ معاملة المسلمين للأسرى، إلى حد أنهم كانوا يتركون للأسرى الركائب ويمشون هم سيرًا على الأقدام، ويعطونهم الخبز ويكتفون بشيء من التمر، وذلك في غزوة بدر، ولقد شهد بمثل هذا كثير من مؤرخي الغرب، أمثال زغريد هونكة، وآدم ميتز، وأرنولد تويمبي، وتوماس أرنولد.
والإسلام ليس كذلك
من منطلق هذه القاعدة القرآنية: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) دعا رسول الله إلى الانضباط بأخلاق الحرب، فكان إذا أمَّرَ أميرًا على جيش أو سرية أوصاه قائلا: «اغْزُوا، وَلَا تَغُلُّوا وَلَا تَغْدِرُوا وَلَا تَمْثُلُوا وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا» وكذلك كان أبوبكر يفعل، وقد اشتهر عنه قوله ليزيد: «وَإِنَّكُمْ سَتَجِدُونَ أَقْوَامًا قَدْ حَبَسُوا أَنْفُسَهُمْ فِي هَذِهِ الصَّوَامِعِ فَاتْرُكُوهُمْ وَمَا حَبَسُوا لَهُ أَنْفُسَهُمْ … وَلَا تَقْتُلُوا كَبِيرًا هَرِمًا، وَلَا امْرَأَةً، وَلَا وَلِيدًا، وَلَا تُخْرِبُوا عُمْرَانًا، وَلَا تَقْطَعُوا شَجَرَةً إِلَّا لِنَفْعٍ، وَلَا تَعْقِرُنَّ بَهِيمَةً إِلَّا لِنَفْعٍ، وَلَا تَحْرِقُنَّ نَخْلًا، وَلَا تُغَرِّقُنَّهُ، وَلَا تَغْدِرْ، وَلَا تُمَثِّلْ»؛ ومن هنا أجمع العلماء على تحريم قتل النساء والصبيان والرسل، ويَلحق بهم في تحريم قتلهم كلُّ مَن لا يتأتَّى منه القتال، وهو قول الجمهور من الحنفية، والمالكية، وأحد القولين عند الشافعية والحنابلة، وحجة الجمهور غاية في القوة والظهور؛ فقد احتجوا بالقياس على النساء والصبيان، بجامع انتفاء علة المقاتلة، فيبقى مَن لا يتأتى منهم القتال على أصل عصمة الدم، فيدخل فيهم الرهبان والشيوخ والزَّمنَى والسُّوقَة من تجار وأصحاب صنائع وفلاحين وعسفاء ووصفاء، ومَن يُعَدُّ مِن المستضعفين؛ لأنّ مظنة عدم حدوث الضرر تقوم مقام عدم حدوثه.
ومن المبادئ العظمى التي قررها القرآن الكريم أن المسلمين إن كان بينهم وبين أمة من الأمم عهد وميثاق، وآنس المسلمون من معاهديهم خيانة فلا يحل لهم أن يبادئوهم بنكث العهد، بل عليهم أن يعلنوهم بانقضاء العهد الذي كان بينهم حتى يكون الفريقان مستويان في العلم بانتهاء العهد، وهذا السلوك تلقاه المسلمون أمرًا مباشرًا من القرآن، قال الله تعالى: ﴿وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ﴾ وقد نهى الله المسلمين أن يتخذوا أيمانهم دَخَلاً بينهم؛ لئلا يكونوا أسوة في نقض العهود: ﴿وَلاَ تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدتُّمْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾، هذا هو ديننا؛ والله المستعان عليهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق