الأربعاء، 14 أغسطس 2024

14 أغسطس وما بعده: الحريق والطوفان

 14 أغسطس وما بعده: الحريق والطوفان

author
وائل قنديل


قبل خمسة أشهر إلّا قليلًا  من طوفان الأقصى، 7 أكتوبر (2023)، قلتُ إنّنا بصدد المرحلة الأخطر من حرائق التاريخ، إذ ينفردُ الصهيوني بتسييد روايته عن فلسطين، الأرض والبشر والمقدّسات، معربداً في سراديب التاريخ المزيّف، من دون أن يُوقفه أحد أو يتصدّى له بجديّة، وكأنّه صار هناك تواطؤ بالصمت مع الجريمة الأعنف بحقِّ الأجيال الجديدة.


كان كلُّ الصهاينة، من رئيس حكومة الاحتلال إلى وزير الأمن الإرهابي، مروراً بطبقة الحاخامات والسياسيين، من اليسار واليمين، مُحتشدين في المعركة الأخطر: إسقاط الرواية الفلسطينية والعربية للمأساة وإشعال النار في الذاكرة، من أجل اعتماد الرواية الصهيونية (المؤسطرة) تاريخاً وحيداً للأرض. وفي ذلك يدشّنون المرحلة الأوضح  من اعتبار الصراع في فلسطين معركة دينيّة بالأساس، إذ بات الخطاب الإسرائيلي مُركّزاً على نفي فلسطينيّة فلسطين، وبالضرورة نفي ملامح شخصيّتها الإسلاميّة والمسيحيّة، لتكون خالصًة، لليهود.

الآن، وبعد عشرة أشهر من العدوان الصهيوني على الشعب الفلسطيني في قطاع غزّة والضفة الغربية، وعلى الأقصى في القدس المحتلة، يتأكّد تماماً أنّ إشعال النار في تاريخ المنطقة ليس هدفاً إسرائيليّاً فقط، بل إنّه مشروع دولي، أميركي بالأساس، وإقليمي تتّحد حوله دول عربية ضاقتْ بعروبتها، فراحت تبحث عن هُويّة شرق أوسطية تكون الغلبة فيها لإسرائيل، ما يضع هذه الدول في حالةِ عداءٍ صريحٍ مع كلّ أشكال المقاومة لهذا المشروع، وقبل ذلك في حالةِ إدانةٍ صريحةٍ لعملية طوفان الأقصى.

يجدّد ذلك كله التأكيد على أنّ الطوفان لم يكن قفزةً عشوائيّةً في المجهول، أو لحظة طيش للمقاومة الفلسطينية من دون حساب للنتائج والمآلات، أو رغبةً في الانتحار، بل على العكس من ذلك كله كان من أشكال التمسّك بالحياة والتشبّث بالبقاء في مواجهة مشروعٍ يشتغلُ بكامل طاقته في التهام التاريخ ورسم خرائط جديدة للجغرافيا وللعلاقات العربية الإسرائيلية، ولعلّ هذا ما يجعل القول إنّ المشروع الصهيوني بات يتمتّع بإسنادٍ عربي، ليس فيه أيّ افتئاتٍ على الأطراف التي لا تُخفي حرصها على استئصال جذور المقاومة في البيئة الإقليمية كلّها.

هذا الواقع الكريه إذ يعادي فكرة المقاومة، فهو يعادي جمهورَها من الشعوب العربيّة كذلك، ويقمع أيّ حضورٍ للجماهير في معركة طوفان الأقصى بالغلِّ ذاته الذي يشنّ به الصهيوني حربه على الشعب الفلسطيني، وينفذ جرائمه في اغتيالِ رموز المقاومة في أيّ مكان، غزّة أو بيروت أو طهران. لذا تمرّ عمليّة اغتيال الشهيد، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنيّة، من دون أن تخرج تظاهرة من عشرة أنفار أو جنازة شعبيّة في عاصمةٍ عربيّة، باستثناء صنعاء وبيروت، حيث جبهتا المقاومة المساندتان للمقاومة الفلسطينيّة منذ اليوم الأول للعدوان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق