من مذبحة رابعة إلى مذابح غزة.. القاتل واحد
قطب العربي
مذبحة مدرسة التابعين في غزة والتي استشهد فيها مائة فلسطيني في دقائق بخلاف مئات الجرحى الآخرين؛ ليست الأولى ولن تكون الأخيرة التي يرتكبها العدو الصهيوني بحق إخوتنا في غزة بينما نحن نتفرج، وننتظر المزيد من المجازر لنمصمص شفاهنا، و"نحوقل" و"نحسبن" كالولايا، دون فعل حقيقي لإنقاذ هذه الأرواح، كما أن مذبحة رابعة الأكثر دموية في تاريخ مصر الحديث لم تكن أول ولا آخر مذبحة لنظام السيسي في مصر، وفي الحالتين (مصر وغزة) كان الهدف واحد والقاتل واحد، وإن تنوعت الطرق وتبدلت الوجوه.
لنسأل أنفسنا بعد أن شاهدنا الجثث الممزقة وحتى المتفحمة من قنابل شديدة التفجير، شديدة الحرارة، ماذا فعلنا لمساعدة هؤلاء الضحايا على الحياة في أمان؟ ماذا فعلنا لإنقاذهم من هذه المذابح؟ هل استنفدنا كل الوسائل؟ هل خارت قوانا إلى هذا الحد؟ هل هانوا علينا إلى هذه الدرجة؟!
من مجزرة المعمداني (17 تشرين الأول/ أكتوبر 2023) والتي استشهد فيها 500 شهيد معظمهم من الأطفال والنساء، إلى مجزرة مخيم جباليا (31 تشرين الأول/ أكتوبر) التي استشهد وأصيب فيها 400 فلسطيني، إلى مدرسة الفاخورة (18 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023) التي راح ضحيتها 200 شهيد ومصاب، إلى مجزرة دوار النابلسي (29 شباط/ فبراير 2024) التي راح ضحيتها 118 شهيدا، و760 مصابا، إلى مجزرة مستشفى الشفاء التي استمرت أسبوعين (بدءا من 18 آذار/ مارس 2024) وراح ضحيتها 400 شهيد بخلاف مئات المصابين، إلى محرقة الخيام في رفح (26 أيار/ مايو) التي راح ضحيتها 45 شهيدا و249 مصابا، إلى مدرسة النصيرات (6 حزيران/ يونيو 2024)، إلى مذبحة المواصي في خان يونس (13 تموز/ يوليو 2024)، والتي راح ضحيتها 90 شهيدا وأكثر من 300 مصاب،
وصولا إلى مذبحة مدرسة التابعين التي جرت فجر السبت الماضي.. مذبحة تسلم أخرى، وفي كل مذبحة استهدف العدو قتل روح المقاومة لدى الشعب الفلسطيني، وإقناعه بقبول الاحتلال، لكن شعب الجبارين يثبت كل مرة أنه أكثر تمسكا بحقه في وطن حر مستقل مهما كلفه ذلك من ثمن.
هل ننتظر حتى يتم تصفية أهل غزة جميعا، ثم نفاخر بتضحياتهم واستشهادهم من أجل قضيتهم؟ هل يطيب لنا العيش بعد رؤية كل هذه الدماء والأشلاء؟ كلا والله، لكنه العجز والوهن الذي أصاب الشعوب العربية والإسلامية، فأصبحت تحب الدنيا وتكره الموت، ولسان حالها: نفسي نفسي، ولا تدري هذه الشعوب أن العدو الصهيوني إذا نجح لا قدر الله في تصفية القضية الفلسطينية، وقتل روح المقاومة الفلسطينية، فإنه سينقل وحشيته وعدوانه إلى الشعوب المجاورة في مصر والأردن ولبنان وسوريا والعراق والسعودية، فهو -رغم حالة التطبيع مع بعض الدول العربية- لم يتراجع عن حلمه في إقامة مملكة إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات، وهذا لن يكون إلا على أشلاء الشعوب التي تقطن هذه المنطقة.
كانت مذبحة رابعة التي تحل ذكراها الحادية عشرة بعد 3 أيام هي المذبحة الأم التي تشارك فيها -تخطيطا وتحريضا وتنفيذا- حلف الثورة المضادة، والذي يضم الكيان الصهيوني إلى جانب بعض الحكومات العربية، وقد أراد هذه الحلف تسويق تلك المذبحة كتطبيق عملي لاستراتيجية الصدمة والرعب، وقد نجحت تلك الاستراتيجية في تخويف قطاعات كبيرة من الشعب المصري، ودفعته لإيثار السلامة تجنبا للتعرض لمذابح مماثلة. والهدف ذاته تكرر في مذابح غزة التي استهدفت ترويع أهلها، وإقناعهم بالاستسلام، لكن المذابح في الحالتين لم تنجح حتى الآن في تحقيق أهدافها الشريرة، حيث لا تزال المقاومة صامدة في غزة مدعومة بحاضنتها الشعبية، كما أن معارضة السيسي لم تختف تماما، بل تتصاعد يوما بعد يوم.
الكيان الصهيوني برمته الآن متهم أمام محكمة العدل الدولية في القضية التي رفعتها جنوب أفريقيا وانضمت لها العديد من الدول، والحكومة الإسرائيلية متهمة أمام محكمة الجنايات الدولية، حيث طلب المدعي العام للمحكمة إصدار أوامر اعتقال بحق نتنياهو، ووزير حربه غالانت، وملف مذبحة رابعة لا يزال مفتوحا لم يغلق في المحافل الدولية لكنه ينتظر اللحظة المناسبة، ولا يستطيع أي من المتهمين الأساسيين في المذبحة زيارة بريطانيا بطريقة عادية لأن ملاحقة قضائية تنتظرهم؛ وفرها حكم سابق من المحكمة العليا البريطانية صدر أواخر العام 2014.
لا نعول كثيرا على القضاء الدولي في ملاحقة المجرمين المتهمين في مذابح مصر وغزة، حيث تتدخل السياسة غالبا لإنقاذ المجرمين الكبار، فالرئيس الأمريكي تدخل بنفسه مهددا المحكمة الجنائية الدولية دفاعا عن نتنياهو، والحكومة البريطانية وفرت من قبل حصانة خاصة لرئيس الأركان المصري الأسبق محمود حجازي في 2015، كما وفرت حصانة مؤقتة لوزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة تسيبي ليفني عام 2016؛ بعد أن استدعتها الشرطة البريطانية للتحقيق في جرائمها خلال اجتياح غزة عام 2008،
ولكن اللجوء إلى المحاكم الدولية هو جزء من معركة كبرى متعددة الجبهات، وهو يستهدف مطاردة المجرمين دوليا، وقض مضاجعهم، وإرباك تحركاتهم في الحد الأدنى.
وإذا كان اللجوء إلى التقاضي الدولي هو جزء من المعركة، إلا أن الجزء الناقص حتى الآن هو انتفاضة الشعوب العربية والإسلامية دعما للأشقاء في غزة في مواجهة حرب الإبادة التي يتعرضون لها، ورغم القمع الذي تتعرض له هذه الشعوب إلا أن ذلك لا يبرر أبدا تقاعسها في وقت تتحرك فيه بقية الشعوب غير العربية أو المسلمة، وفي الوقت نفسه فإن تخاذل الحكومات العربية والإسلامية عن إنقاذ الأشقاء، واستخدام كل الوسائل لوقف العدوان الإسرائيلي عليهم، وقمع شعوبهم التي تريد القيام بواجبها تجاه أشقائها، لن يمر مرور الكرام، والتاريخ يشهد أن نكبة 1948 كانت سببا في تفجير ثورات ضد عدة نظم عربية، وهو ما سيتكرر مجددا.
المجازر التي ارتُكبت في مصر والتي تُرتكب الآن في غزة تحت سمع وبصر العالم يمكن أن تفلت من العقاب القانوني للمجرمين، لكنها لا يمكن أن تسقط من ذاكرة الشعوب، وستظل وقودا لمشاعر الغضب والثأر والانتقام، وهو ما لن يتوقف على المنفذين فقط بل سيطال داعميهم، وساعتها عليهم أن يتوقفوا عن طرح السؤال مجددا.. لماذا يكرهوننا؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق