فتيان صنعوا التاريخ ( 1 )
( 1 ) الأرقم بن أبي الأرقم
( 16 سنة )
صاحب المقر الأول للدعوة
شاب مرفه من أثرياء مكّة، ومن أفضل شبابها حسبا ونسبا، في السادسة عشر من عمره،
من أوائل من اعتنقوا الإسلام ملبيا دعوة رسول الله ﷺ، لتتحوّل داره إلى المقر الأول لدعوة الإسلام، وتصبح أشهر دار في الإسلام، وأهم مراكز الدعوة الإسلامية في مرحلتيها السرية والعلنية، والتي شهدت إسلام عدد من الصحابة وفي مقدمتهم فاروق الأمة عمر بن الخطاب رضي الله عنه .
ولأن صاحب هذه الدار صغير السن ومن أثرياء مكّة، لم يتخيل كفار قريش أن يكون الأرقم قد أسلم، أو أن يغامر بثرائه ووضعه الاجتماعي في سبيل دعوته، وأن تكون داره هي مقر الدعوة، ولأنه من بني مخزوم التي تحمل لواء الحرب والتنافس ضد بني هاشم، ومن المستبعد أن يختفي رسول الله صلى الله عليه وسلم في قلب العدو، لذلك اختار الرسول ﷺ هذه الدار لتكون المقر الأول للدعوة،.
شهد الغزوات كلها مع رسول الله ﷺ ولم يتخلف عنه يوما، ومنحه النبي ﷺ سيفًا من غنائم غزوة بدر، كما أسند إليه النبي ﷺ أمر الصدقات.
ولما اشتاق يوما للصلاة في المسجد الأقصى، تجهز يومًا وأعدّ العُدة، فلما فرغ من التجهيز والإعداد، جاء إلى النبي يودّعه، فخاطبه النبي ﷺ بالقول: ما يخرجك يا أبا عبد الله، أحاجة أم تجارة ؟" فرد الصحابي : يا رسول الله بأبي أنت وأمي، غير أني أريد الصلاة في بيت المقدس، فقال له الرسول ﷺ: "صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام" فجلس الأرقم، وعاد إلى داره مطيعًا للنبي ومنفذًا لأوامره .
هاجر الأرقم إلى يثرب، وعاصر الخلفاء الأربعة أبا بكر وعمر وعثمان وعليا رضي الله عنهم وماتوا وهم راضون عنه وعاش كذلك سنوات من حكم معاوية بن أبي سفيان بمدينة رسول الله وقد جاوز الثمانين عاما ، لا يبخل بماله ولا نفسه ولا وقته حتى جاءه مرض الموت، ولما أحس -رضي الله عنه- بدنو أجله عام 53هجرية في عهد معاوية، أوصي أن يصلي عليه الصحابي الجليل سعد بن أبي وقاص، خال رسول الله ﷺ، صلاة الجنازة .
بعث الله هذه الروح في أمتنا، ورزقنا فتيانا مثل الأرقم، وفي مثل سنّه، يأخذون الدين بقوة كما أخذه رضي الله عنه، وجمعنا به يوم القيامة، بصحبة الحبيب صلّى الله عليه وسلّم.
( 2 ) ذو البجادين
( 16 سنة )
هـو فتى حفر النبي ﷺ قبره بيده ورفض أن يشاركه أحد فى حفر القبر ثم نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى القبر واضّجع فيه بجسده الشريف ليكون القبر رحمة عليه، فبم استحق هذه المكرُمة؟
هو فتى باع دنياه بآخرته، وترك الغنى والمتعة والترف لأجل لا إله إلا الله محمد رسول الله ﷺ.
كان اسمه قبل أن يُسلِم عبد العُزىٰ المُزني نسبةً لمدينته مُزينه
أسلم وعمره ١٦ عاماً وتُوفي وعمره ٢٣ عاما وكان شاباً غنياً ومُنعماً جداً فى حياته توفت أمه وأبوه وهو صغير فرباه عمه ..
*كان شاباً مُميزاً جداً بين الشباب بملابسه الغالية والجميلة والتي يؤتىٰ بها من الشام خصيصاً من أجله وكان الشاب الوحيد الذي يملك فرسا في وقت كان فيه أفضل شابٍ في مُزينة يملك بغلة صغيرة وكان عمه من سادة مُزينة..
*قصة إسلامه من أجمل قصص إسلام الصحابه وأغربها .. *
فحين تم عبد الله ١٦ عاماً كان ذلك الوقت الذى يُهاجر فيه الصحابة من مكة إلى المدينة*
وكانوا يمرُّون على مُزينة فى طريق هجرتهم ويمرُّون مسرعين جداً لأن كفار قريش يلحقون بهم..
فقابله يوماً أحد الصحابة فى أثناء هجرته وعرض عليه الإسلام فأسلم فوراً وبعد أن أسلم طلب منهم أن يُعلموه شيئاً من القرآن فقالوا .*
لن نستطيع أن نظل معك لأن قريش تلحق بنا ولكن إن شئت فإلحق بنا فى الطريق لتتعلم القرآن فكان يسير خلفهم مشياً على الأقدام يقرأؤن القرآن وهو يقرأ وراءهم مسافة ١٥ كيلو فى الصحراء ثم يرجع إلى مُزينة ويعود فى اليوم التالي يقف على حدود مُزينة ينتظر أن يمر صحابي فى طريق هجرته فيقول له علمني من القرآن ويقرأ عليه ما حفظه فى اليوم السابق حتى تعلَّم أكثر من سورة من القرآن ..
فجاءه يوماً أحد الصحابة فقال له ولمَ لاتُهاجر معنا إلى رسول الله فقال له لا أُهاجر قبل أن يُسلم عمي فهو من رباني ولن أُهاجر قبل أن آخذ بيده للإسلام..
فظل فى مُزينة ثلاث سنوات يُخفي إسلامه وظل يتحين أي فرصة للحديث مع عمه ليُخبره عما وصل إليه من هذا الدين الجديد الذى جاء به محمد وذلك كل يوم وكان عمه يرفض رفضاً شديداً أن يستمع لما سيقول وكان إن أراد أن يُصلي ذهب بعيداً فى الصحراء حتى لايراه أحد وبعد أن مرت ثلاث سنوات على هذا الحال ذهب إلى عمه وقال لقد تأخرت علي فأخرتني عن رسول الله ياعمي وما عُدت أُطيق فراق النبي ﷺ وإنني أريد أن أُخبرك بأني منذ ثلاث سنوات وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإنني الآن مهاجر إلى رسول الله وأُحب أن تكون معي فإن أبيت فلن يردني عن الهجرة إليه شيء فغضب عمه غضباً شديداً وقال لئن أبيت إلا الإسلام جرّدتك من كل ما تملك ..
فقال ياعمي افعل ماشئت فما أنا بالذي يختار على الله ورسوله شيئاً فقال إن أصررت جردتك حتى من ملابسك التي عليك وقام فمزق له ملابسه التي كان يرتديها فقال عبد الله والله ياعمي لأُهاجرن إلى رسول الله مهما فعلت بي ..
وبدأ هجرته وهو شبه عاري فى الصحراء حتى وجد بجادٍ وهو الشوال من الصوف فأخذه وشقه نصفين وربط نصفه على وسطه ونصفه الآخر وضعه على كتفه حتى وصل المدينة فدخل على رسول الله فقال له النبي من أنت فقال أنا عبد العزى فقال النبي ولم تلبس هكذا فقال لقد أسلمت فجردني عمي من كل ما أملك حتى ملابسي ولم أجد فى طريقي إلا هاذين البجادين فأتيتك بهما، فقال النبيﷺ أوفعلت ؟!
فقال نعم فقام النبي وقال من اليوم أنت عبدالله ذي البجادين ولست عبدالعزى فقد أبدلك الله عن هاذين البجادين رداءً فى الجنة تلبس منه حيث تشاء..
ومن شدة فقره سكن فى مساكن أهل الصُّفة وهي مساكن للفقراء خلف بيت النبي وتأتي غزوة تبوك وعُمره ٢٣ عاماً فيخرج إلى الغزوة مع النبي ثم يقول يارسول الله ادعوا الله لي أن أموت شهيداً فيرفع النبي يده ويقول اللهم حرم دمه على سيوف الكفار .*
فيقول عبدالله ما هذا بالذي أردتُ يا رسول الله فقال النبي ﷺ : يا عبد الله إن من عباد الله من يخرج فى سبيل الله فتصيبه الحمّى فيموت فيكون شهيداً وإن من عباد الله من يخرج فى سبيل الله فيسقط عن فرسه فيموت فيكون شهيداً ولعلك تصيبك حمّى فتموت فتكون شهيداً..
ويشهد عبد الله غزوة تبوك مع النبي وينتصر المسلمون وفي طريق عودتهم بالفعل ُتصيب عبد الله حمّى شديدة ويبدأ يتألم آلام الموت
فيحكي لنا عبد الله بن مسعود قصة موت عبد الله ذي البجادين فيقول كنت نائماً فى ليله شديدة البرد شديدة الظلام وبينما أنا نائم سمعت خارج خيمتي صوت حفر فعجبت من يحفر فى هذا البرد والظلام فاستيقظت وبحثت عن النبي ﷺ وعن أبي بكر وعمر فى خيمتهم فلم أجدهم فتعجبت أين ذهبوا فخرجت من خيمتى فإذا أبو بكر وعمر يُمسكان سراجاً والنبي يحفر قبراً فذهبت إليه وهو يحفر فقلت ما بك يارسول الله؟ فرفع وجهه الشريف إليّ فإذا عيناه تذرفان الدموع وقال : مات أخوك ذو البجادين فنظرت إلى أبي بكر وقلت أتترك رسول الله يحفر وتقف أنت بالسراج فقال أبىٰ النبي إلا أن يحفر له قبره بنفسه فحفر النبي بيديه قبر ذي البجادين ثم نزل إلى القبر وإضّجع فيه بجسده الشريف ليكون القبر رحمة لذي البجادين ثم قام ورفع يديه إلى أبي بكر وعمر وقال أدنيا إليّ أخاكما ورفقاً به إنه والله كان يحب الله ورسوله..
*و يقول عبد الله بن مسعود: فرأيت النبي يحتضن الجثمان بشدة ودموعه تسقط على الكفن وكبر أربع تكبيرات و قال :
رحمك الله يا عبد الله كنت أوّاباً ، تالياً للقرآن ، ثم رفع رأسه إلى السماء وقال :
اللهم إنني اشهدك أنني أمسيت راضياً عن ذي البجادين فارض عنه.
يقول عبد الله بن مسعود: والله لقد تمنيت يومها أن أكون أنا صاحب الحفرة من كثرة الرحمات التي ستتنزل عليه فى هذه الليلة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق