الأربعاء، 6 يوليو 2022

أوربا تنزع ألغام ماضيها ونحن نلغم مستقبلنا

 أوربا تنزع ألغام ماضيها ونحن نلغم مستقبلنا






تعد قضية اللاجئين من أهم القضايا المطروحة على الساحة ليس فقط في تركيا، ولكن في العالم بأسره، وتتزايد خطورتها يومًا بعد يوم، وقد تجاوز عدد النازحين في العالم 100 مليون، وهذا رقم قياسي من حيث التسارع.

وتكشف مقاربة كل طرف لهذه الأزمة عن مستوى إنسانيته، فقد رأينا عن كثب اختلاف مواقف الدول الأوربية تجاه موجات الهجرة القادمة من سوريا وأوكرانيا، وكيف أنهم يعارضون بشكل متطرف موجة هجرة قادمة من مكان مقابل ترحيبهم بموجة قادمة من مكان آخر.

فبينما يعارض الأوربيون، موجات الهجرة السورية، بدعوى الحفاظ على أمن بلادهم، واستقرارها، والوضع الاقتصادي بها، وما شابه ذلك، فإنهم يرحبون بموجات الهجرة الأوربية، حيث استقبلوا العدد الأكبر من اللاجئين الأوكرانيين في وقت قصير، وذلك لأن أولئك الفارين من أوكرانيا كانوا من ذوي بشرة بيضاء وعيون زرقاء.

وقد يستغرب أحدكم هذا التناقض، لكن هذا بمثابة اختبار لهم وسيخسرون حتمًا، أو ربما يدرس الجميع تاريخه، ومجتمعه، والمسؤولية التي يضعها تراثه الثقافي أمامه.

ولكن ماذا يحدث لنا؟ لماذا لا يوجد رد فعل قوي تجاه خطاب الكراهية والعداء الذي يحاول بعض العنصريين بيننا إثارته، رغم أن علاقة القرابة الوطيدة، والروابط الثقافية والتاريخية التي تربطنا مع السوريين أقوى بكثير من تلك التي بين الأوكرانيين والأوربيين؟

برأيكم هذه الخطابات البغيضة تحمي ممن؟ تحمينا من تاريخنا، ومن ثقافتنا، ومن أنفسنا، أليس كذلك؟ أليس من الطبيعي أن يكون من يحاول حمايتنا من تاريخنا، ومن ثقافتنا، ومن أنفسنا، على خلاف معنا؟

متى رأينا هؤلاء المناضلين المسلحين في مواجهة ضد أعداء تركيا الحقيقيين؟ لماذا لم نرهم وهم يحملون السلاح ويقاتلون ضد من يحاربون تركيا، وضد من يحاولون وضع تركيا في مأزق على كل الجبهات؟

خطاب الكراهية

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، كيف يمكن لأولئك الذين يروجون بتهور وجهل لخطاب حقير من الضغينة والكراهية، والذي يتعارض تمامًا مع القيم الثقافية والتاريخية والأخلاقية لبلدنا، أن يجدوا هذه الشجاعة؟

وكيف يمكن للناس أن يظلوا صامتين على هذه الخطيئة، التي تتطلب ألف توبة وألف استغفار، عندما تخطر ببال أي إنسان عادةً مثل هذه الأفكار؟

لا بأس إذا بقيت العنصرية مجرد فكرة، لكن تحويلها إلى تصرف ملموس وعدوان على أعراق أخرى هو انحراف واضح، وجريمة ضد الإنسانية، وهي بمثابة زرع لألغام تستهدف أمن المجتمع، واستقراره، وهويته، وشخصيته.

إنه لأمر مخز أن يطلق إنسان مستقر في بلده، وليس لديه أي نصيب من عادات تركيا وثقافتها وهويتها وشخصيتها، نعرات مفادها أنه سيتوجه إلى الحدود التركية السورية ويزرع أول لغم بها لمنع تدفق اللاجئين السوريين، مصرحًا ببطولته الرخيصة ضد اللاجئين الضعفاء، العزّل، المحتمين ببلده، ولا شك أن ذلك السلوك المخزي يلحق به العار قبل كل شيء، إلا أن إظهاره لهذا العار بتهور ورعونة يعد أيضًا بمثابة عار على إنسانيتنا.

وبينما تحاول أوربا بطريقة أو بأخرى الاندماج مع أوكرانيا من خلال تأكيد الروابط التاريخية والثقافية والهوية، وإزالة الحدود والألغام الموضوعة بينهما، يركض من يُسمون بالقوميين، والعنصريون في بلادنا، الذين يصنعون بطولات رخيصة عبر النباح في وجه المدنيين الأبرياء، وطالبي اللجوء العزل وأطفالهم، لزرع الألغام على الحدود التركية السورية بدعوى الدفاع عن الوطن

اللغم

دعونا نتفق على أن هرولة حزب سياسي لتنفيذ عملية زراعة لغم هو عمل إبداعي للغاية، ولكنه عمل إبداعي على مستوى حزب آخر يتصرف كجناح سياسي لمنظمة إرهابية.

إلى ماذا يرمز اللغم؟

اللغم هو رمز حقيقي للأمر، ولا يحمل وظيفة حماية تركيا من قريب أو من بعيد، بل على العكس من ذلك، فهو يرمز إلى السلسلة التي وضعها الإمبرياليون المدمرون حول الأتراك لتطويقهم، بعد أن احتلوا تركيا بعد الحرب العالمية الأولى.

منذ 12 عامًا، يتم إزالة الألغام الموضوعة على الحدود، التي فرضها المنتصرون في الحرب على تركيا، بشكل شبه كامل، وذلك بعد أن هُزمت تركيا في الحرب بطريقة أو بأخرى (سواء شخصيًا أو بسبب هزيمة ألمانيا)، وكان من المخطط أنه سيتم إزالة جميع الألغام التي تعني كسر القيود التي تم فرضها في نهاية الحرب العالمية الأولى على تركيا والعالم الإسلامي، وكانت إزالة هذه الألغام رمزًا لصحوة وقيامة عالم إسلامي كبير مستعد لاحتضان تركيا.

وكانت الانقلابات المشهودة في سوريا ودول الربيع العربي من بعدها تعبيرًا عن المقاومة الإمبريالية ضد جهود تركيا والعالم الإسلامي لإزالة هذه الألغام.

والآن، هل هذا الشخص، الذي أخذ هذا اللغم واندفع لوضعه على الحدود نفسها، يمثل تركيا، أم أنه يمثل امتثاله للدور الذي كلفه به الإمبرياليون بتركيا؟

هل الألغام المزروعة تمنع اللاجئين من دخول تركيا أم أنها تمنع تركيا من احتضان إخوانها في جغرافيا القلب؟

العقلية الفاشية التي تنسب هذه الوحدة، وهذه السلاسل، وهذه الألغام إلى تركيا لا يمكن أن تمارس الفاشية باسم القومية التركية.

وهذه العقلية ليست بغريبة علينا، فهذه هي العقلية التي تطلب من تركيا أن “تنشغل بشؤونها فقط وألا تتدخل لمساعدة الغير” منذ قرن من الزمان.

وحقيقة قدرتها على القيام بذلك باسم حماية الوطن والقومية التركية من خلال تزييف سياسي كامل يعد بمثابة أمر مؤسف تجاه الأمن القومي قبل كل شيء.





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق