الثلاثاء، 1 نوفمبر 2022

موقف حزب النور من دعوات النزول في 11/11 أنموذج في التلبيس والتدليس!

 موقف حزب النور من دعوات النزول في 11/11 أنموذج في التلبيس والتدليس!

د. عطية عدلان
مدير مركز «محكمات» للبحوث والدراسات – اسطنبول



بسم الله الرحمن الرحيم .. الحمد لله .. والصلاة والسلام على رسول الله .. وبعد ..
قال مخيون: “لسنا ممن يدعو إلى النزول؛ لأنّ النزول لم يأت به نص من الله أو الرسول” وأضاف مخيون: “يجب أن نقيس الأمور بميزان المصالح والمفاسد؛ فما المصلحة من نزولٍ سيترتب عليه ضياع الأمن وإهدار مصالح حفظ الدين والنفس والعرض والمال”، وعلل مخيون: “فإنّ وظيفة الدولة هي حفظ دين الرعية ودمائها وأموالها وأعراضها”، هذا موجز ما صرح به “يونس مخيون”، رَوَيْتُهُ بالمعنى؛ فلم أكد أترك شيئًا.

وعلى الرغم من أنّني لست منخرطا في الدعوة لذلك النزول؛ لأسباب لا علاقة لها بما يذيعه أولئك الذين يَطِنُّون حول الأصول الشرعية كطنين الذباب حول السكر المذاب، على الرغم من ذلك لا تروق لي ولا تنطلي عليّ هذه الترهات؛ لأكثر من سبب؛ فالدولة المصرية وأشباهها من الدول القمعية البوليسية ليست معنية بحفظ الدين، ولا بحماية بيضة الإسلام، بل إنّها على العكس من ذلك تماما، فها نحن نراها تجتهد في تجفيف منابع الدين الحقّ، وتبذل وسعها في دفع الناس دفعا في اتجاه الإلحاد وفي طريق الغيّ والفساد، آية ذلك أنّنا نرى الواقع الذي تحياه الشعوب المسلمة في ظل هذه الأنظمة المجرمة، فنقول متعجبين: كيف يناط حفظ الدين بنظام يقوم من الأساس على إهدار الدين؟!
أمّا النفس والعرض والمال ومعها الكرامة والحرية وسائر ما يعتزّ به الإنسان، فليست هذه الأنظمة إلا عدوها الأكبر والأخطر؛ لسبب واحد لا يرتاب فيه عاقل، وهو أنّها لا تمثل شعوبها إلا بقدر ما كان يمثلها من قبلُ المندوب السامي البريطاني أو الفرنسي إبَّانَ الاحتلال المباشر، وأنّها في حقيقة الأمر امتدادٌ للاحتلال الأجنبيّ، فكيف يمكن أن يناط بقُوَى الاحتلال بالوكالة حفظ الدين والنفس والعرض والمال وغير ذلك مما لا كرامة للمواطن إلا بحمايته والدفاع عنه؟! آية ذلك أنّ الكافّة يرون أجهزة الدولة التي لم تستطع أن تقضي على البلطجة ولا أن تقلل من حوادث القتل والنهب والاغتصاب؛ يرونها تمارس بنفسها القتل والنهب والاغتصاب والتغييب والتعذيب، وتقوم عن عمد وقصد بمحاصرة الدعاة والعلماء بما فيهم أولئك الذين يمارسون التملّق للحكام بتزوير الشرائع والأحكام.

تقولون ميزان المصالح والمفاسد؟ فوالله لقد طاش واضطرب واختلت معاييره مُذْ بَسَطْتُمْ أيديكم عليه وعَبَثَتْ أيمانكم وشمائلكم به، فأيّ مصلحة تلك التي نتوخاها في بقاء واستمرار طاغوت كهذا الذي تتملقونه أنتم وأمثالكم كما كانت قريش تتملق “هبل” وتمجدونه كتمجيدها للَّات والعزى ومناة؟ وما الذي تخشونه من سقوطه وزوال حكمه بعد أنْ ملأ السجون بالموحدين وأفرغها من “نخنوخ” وأمثاله من المخربين؟ وأيّ مفسدة يمكن أن تربو على محاربة الشريعة باسم تجديد الخطاب الديني، وأيّ بلاء يمكن أن يقارن بدعم الصهاينة والتمكين لمشروعهم في المنطقة، وتهيئة البلاد للتقسيم الذي سيكون مقدمة لدولة إسرائيل الكبرى، وهل بعد أن يتواطأ الحاكم علنا ويتمالأ جهرا على ضياع النيل الذي هو لمصر شريان الحياة يبقى له حقٌ في البقاء في الحكم؟! أم إنكم لازلتم تقتاتون التصورات المشوهة من مثل قولكم إنّه حاكم متغلب تجب له الطاعة! ولا يشرع الخروج عليه!

أمّا السبب في أنّني لست منخرطا في الدعوة للنزول في 11/11 فهذا لأنّني أرى رأيا لا تجرؤون على تصوره أو تمريره على أخيلتكم، أرى أنّ الثورة لكي تنجح فلابد لها من قوة، وأدعو إلى الإعداد لذلك وعدم تعريض شعبنا للعنت، وأن يكون ذلك وفق مشروع إسلاميّ سياسيّ واسع وعميق ومتدرج، وليس هذا الذي أراه الآن شيئًا استجد لي، فقد دعوت إليه من سنوات، بل إنّني كنت أرى ذلك ونحن في رابعة، وقلت ونصحت وصرحت، وسلوا عن ذلك من كان في رابعة من الزعماء والدهماء.

ومع ذلك فلست ألوم من ينزل ولا أثرب على من يدعو للنزول، بل إنّني لا أعتقد أنّ أحدًا يملك القدرة على منع الناس من النزول أصلا، فضلا عن أن يملك الحقّ في منعهم؛ ومن ذا يملك أن يقول للبركان لا تنفجر إذا حمي واستعر واكتملت أسباب انفجاره، وكما أنّه لا تثريب على الشعب إذا نزل فإنّه لا لوم عليه فيما قد ينجم من أضرار بسبب النزول، فهذا منطق “عدو الله” الذي يكثر في خطاباته السقيمة من ذكر ثورة يناير 2011م على أنّها أضاعت البلاد وأخرتها وتسببت في تراكم الديون!

إنّ الأنظمة المجرمة هي التي – بإجرامها – تضطر الشعوب للتظاهر ضدها، وهي التي – بإجرامها أيضا – ترتكب ضدها إذا تظاهرت جرائم القمع والإبادة، وهي التي تستدعي الأجنبيّ للتدخل للإبقاء على العروش وعلى مصالح ذلك الأجنبيّ، وما جرى من خراب ودمار في سوريا وليبيا واليمن وغيرها لا يُسأل عنه إلا الأنظمة، أمّا الشعوب فلا لوم عليها في أول الأمر ولا في آخره، هي التي تتحمل الأعباء في أول الأمر وآخره، فلا يستفزنكم الشيطان لتقفوا في صف أوليائه ضد عباد الله المقهورين.
ولا أملك في هذا المقام إلا أن أُحَذِّرَ جند النظام من طاعة الطغاة الظُّلَّام؛ فإنّهم يوردونهم ويوردون البلاد المهالك بتوريطهم إياهم في قتل أهل الإسلام، فإنّ الله قد توعد من يقتل مؤمنا بوعيد شديد ومصير في الآخرة يقترب من مصير الكافرين، فقال تعالى: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) (النساء: 93)، ولا حجة لكم بذريعة الإكراه؛ فإنّه من المتفق عليه أنّ الإكراه الملجئ – الّذي يبيح النطق بكلمة الكفر – لا يبيح قتل نفس مؤمنة، فاتقوا الله فإنّ أشد ما يغضب الربَّ بعد الكفر سفكُ الدماء المعصومة بغير وجه حقّ، وليس للطاغية الذي يحكم مصر الآن حق في جرد البقاء في الحكم؛ فكيف يكون له حق في قتل المؤمنين؟!

وإنّني إذْ أوجه هذا الكلام لهذا المتطفل على موائد العلم الشرعيّ وأمثاله؛ أعلن أنّني لست متبنيا خطّ العداوة لهم، بل إنّني أشفق عليهم من ولوجهم سبيل التملق للطغاة، ومن دخولهم جحر الضب مع المداخلة البلهاء السفهاء، وأدعو الله تعالى أن يهدي الجميع لطريق الحقّ، والله المستعان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق