ذكرى يوم العار الكبير
باحث في التاريخ والحضارة الإسلامية
يجب أن يذكرنا هذا اليوم (5 يونيو) بالعار الكبير الذي تتلطخ به بلادنا العربية، وبالنكبة العظمى التي ما زلنا نرزح تحتها حتى الآن بعد نحو ستين سنة!
ويزداد العار والمذلة والإهانة حين نتذكر أن إسرائيل التي تتعرقل وتتعثر وتصفع كل يوم في قطاع غزة المحاصر هي نفسها التي التهمت إسرائيل في أيام -أو بالأحرى: ساعات- ثلاث دول عربية (الأردن، سوريا، مصر) تفوق مساحتها مساحة إسرائيل نفسها ثلاث مرات!!
ألا ترى كيف أن قطاع غزة الذي كان تحت الإدارة المصرية لا يكاد يذكر إذا قرأت قصة حرب 1967..
وكيف أن قطاع غزة الآن يبدو معضلة عنيفة لا حل لها يتحير فيها الصهاينة والأمريكان والأنظمة العربية جميعا.. كلهم يريد هلاكها ولا يستطيع؟!!
تأمل حجم النكبة التي صنعها النظام الناصري الملعون، الذي كان يحكم قطاع غزة ويقهر المقاومة فيها، حتى كانت غزة في قصة الحرب مجرد لقمة غير مذكورة أمام الوجبة العظمى التي التهمتها إسرائيل من مصر: وجبة سيناء.. سيناء وحدها التي تفوق حجم إسرائيل مرتين!!!!
تأمل كيف أن غزة وحدها حين حكمها من يؤمن بالمقاومة تعرقلت فيها إسرائيل كما ترى، حتى بمساعدة النظام المصري السيساوي الملعون وريث نظام عبد الناصر!!
نحن نحتاج طبقات من الخيال لنشعر بحجم الهول الذي نحن فيه..
غزة وحدها استطاعت أن تفعل هذا كله!
فكيف إذا كانت غزة وراءها مصر؟!
ثم كيف إن كان وراءها مصر والسعودية وعامة بلاد العرب والمسلمين بأموالهم وإعلامهم ومجهودهم السياسي وحده؟!
ثم كيف إن كانوا وراءها بمجهودهم الحربي وخبراتهم ومتخصصيهم؟!!
وهذا هو مقتضى العقل، العقل العلماني النفعي البرجماتي الذرائعي المتجرد من الأخلاق ومن الإنسانية.. هذا هو مقتضى الأمن القومي والنفوذ السياسي.. هذا هو الذي سيفعله الكافر الوطني إذا كان يحكم هذه البلاد حتى لو كره الإسلام وكره حماس.
ولكننا ابتلينا بأنظمة لا عندها دين ولا عندها وطنية.. أنظمة خائنة هي علينا أشد من الأنظمة الكافرة!!
هل تعلم عزيزي القارئ أن حرب 1967 التي التهمت إسرائيل فيها هذه الدول معا لم تكن مفاجأة!!
أبدا.. لم يكن فيها أي مفاجآت..
إن شرارة الحرب أشعلها عبد الناصر نفسه حين أغلق مضيق تيران أمام الملاحة الإسرائيلية (وكانت إسرائيل قد انتزعت حق الملاحة في هذا المضيق بعد انتصارها في 1956.. انتزعت ذلك من عبد الناصر نفسه!!)
ثم هل تعلم أن إسرائيل كانت قد أخبرت الملك حسين بالذي ستفعله في 1967.. فلقد كانوا أحبابا، وجمعت بينهم لقاءات سرية عديدة في لندن -وربما في غيرها-.. ولم يكن هذا غريبا عليه، فإنما واصل هو مسيرة جده عبد الله الأول!
المهم الآن أن الملك المغفل كان يظن أن الأمر يقتصر على سيناء والجولان ولم يكن يتصور أن تجتاح الضفة الغربية التي كانت جزءا من الأردن!!
وبالتالي فلما اكتسحت إسرائيل سيناء والجولان منذ الصباح، جاء جيشها عند الثانية ظهرا فاجتاح الضفة الغربية بما في ذلك القدس الشرقية والمسجد الأقصى حتى نهر الأردن!!
هذه الجيوش والأنظمة التي استهلكت أموال الأمة ومواردها، لما جاءت لحظة الحاجة إليها تبخرت واختفت وضاعت البلاد والعباد!
ولما أرادوا تخبئة عارهم وفضيحتهم اتهموا الفلسطينيين بأنهم باعوا أرضهم!!
القصد هنا أن الحرب لم تكن مفاجأة، ولكنها وقعت وكأنما هي مفاجأة.. لقد عربدت إسرائيل كأنه ليس أمامها جيوش أصلا، وافترست الفريسة التي تفوقها حجمها كأنها كانت ميتة لا أنياب لها ولا مخالب ولا حتى عضلات!!
كانت البلاد مخدَّرة!!
ولهذا سترى بنفسك كيف أن إسرائيل التي تجري الآن كالمهووس المسعور بحثا عن السنوار والضيف هي بنفسها التي لم تمس ولم تحاول أن تمس قيادات الأنظمة العربية: لا الملك ولا الزعيم ولا حتى رؤساء محور المقاومة فيما بعد مثل حافظ وبشار!!
فمن أين لها مثلهم؟!! إنهم والله خير لها من جيوشها وأجهزة أمنها ومخابراتها.. وهل كان يمكن لكل هذه الجيوش والأجهزة أن تفعل شيئا من هذا لولا هم؟!!.. هذه جيوشها وأجهزتها تتعثر في غزة المحصورة المخنوقة المعزولة الضعيفة!!
ولا رحم الله هيكل الذي استلَّ معنى النكبة العظمى والمهانة الكبرى حين صكّ مصطلح "النكسة"!!
ثم لا رحم الله أمثاله حين تجشؤوا قاعدتهم الخرافية الهرائية التي تقول: انتصرنا على إسرائيل لأنها لم تستطع أن تنال من الزعيم!!!
في كل يوم كهذا نشعر بالعار الكبير.. لكن هذا اليوم في ظل طوفان الأقصى يتضاعف فيه الشعور بالعار!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق