الاثنين، 3 يونيو 2024

واشنطن على يمين نتنياهو في الحرب لا في مواجهته

 واشنطن على يمين نتنياهو في الحرب لا في مواجهته

سعيد الحاج 


ما زال الموقف (الحقيقي) للإدارة الأمريكية من العدوان “الإسرائيلي” على قطاع غزة أحد أهم الأسئلة المرتبطة به، بعدِّها في مقدمة الأطراف المؤثرة في قرار الاحتلال والقادرة بالتالي على وقف العدوان، إن أرادت. وهو موقف شهد بعض التغيير في الأسابيع القليلة الأخيرة؛ تباينت تقييماته بين المتابعين بين من رآه شكليا ومن رآه جوهريا ومؤثرا ولا سيما بخصوص الموقف من نتنياهو وحكومته.



في هذا السياق، لا بأس من التذكير بأن الولايات المتحدة الأمريكية اتخذت منذ اليوم الأول لعملية “طوفان الأقصى” في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الفائت موقفا متماهيا تماما مع الرواية “الإسرائيلية”، وقدمت دعما عسكريا وسياسيا وماليا وأمنيا للاحتلال بما في ذلك صفقات السلاح والدعم في مجلس الأمن الدولي، ما جعلها جزءا لا يتجزأ من العدوان ومشاركا رئيسا فيه.

لاحقا، وكما أسلفنا، لاحت بعض الإشارات على متغيرات نسبية في موقف الإدارة الأمريكية، وتبدت تحديدا في تصريحات تنتقد بعض تفاصيل العدوان وتغمز من قناة بعض وزراء نتنياهو وتحديدا سموتريتش وبن غفير. ومن البديهي أن الأسباب الرئيسة التي دفعت لهذا التغيير النسبي لا تتعلق بمعاناة الفلسطينيين ولا تصدر عن موقف أخلاقي أو مبدئي وإنما منشؤها أمران:

أولهما بعض التطورات الميدانية وفي مقدمتها جرائم الحرب المرتكبة بحق الفلسطينيين والرغبة بالتنصل منها، وفشل الاحتلال في حسم المعركة بسرعة كما كان يؤمل الجانبان.

وثانيهما تطورات سياسية تتعلق أساسا بفرص الرئيس الأمريكي في الانتخابات الرئاسية الخريف المقبل مثل الاحتجاجات في الجامعات الأمريكية، والانتقادات داخل الحزب الديمقراطي، واعتراضات المسلمين والسود في أمريكا، وبعض الاستقالات داخل مؤسسات الإدارة، ما انعكس سلبا في استطلاعات الرأي، فضلا عن تغير مواقف الكثير من الدول مع مرور الوقت ودعوى الإبادة التي تنظر فيها محكمة العدل الدولية.

والخلاصة في كل ما سبق أن الإدارة الأمريكية اختلفت مع نتنياهو وليس مع “إسرائيل”، رغبة في الجمع بين أصوات المعترضين على الإبادة من المسلمين والسود وبعض الليبراليين واليساريين من جهة، وأصوات الداعمين لدولة الاحتلال من جهة أخرى. وقد رشحت مؤشرات على هذا الموقف من لقاءات قيادات من الحزب الديمقراطي مع الناخبين المسلمين.

كما أن الخلاف مع نتنياهو لم يَدْرْ يوما حول الحرب بحد ذاتها أو هدف القضاء على المقاومة الفلسطينية وخصوصا حركة حماس، وإنما تعلق دائما بتفصيلين على هامش الحرب؛ ترتيبات “اليوم التالي” على الحرب وما يتعلق تحديدا بالبنية السياسية والأمنية في القطاع، وموضوع استهداف المدنيين والعدد الكبير من الضحايا بينهم. الأهم هنا أن منطلق إدارة بايدن ليس وقف الحرب وإنما الحرص على استمرار مسوغاتها من خلال “تجنب استهداف المدنيين” كشعار مرفوع مؤخرا حتى وإن لم يكن له رصيد واقعي في التطبيق، وتحديدا لدى الحديث عن عملية رفح. كما أن الخلاف حول ترتيبات اليوم التالي يرتبط بمدى واقعية الطرح “الإسرائيلي” والتحديات التي ستواجه الاحتلال نفسه في غزة بعد الحرب.

هذا الموقف الأمريكي الرسمي، الذي يسعى عمليا لإدامة الحرب لتحقيق أهدافها وإن ادعى خطابيا وإعلاميا سعيه لوقفها، تواتر عليه عدد من الشواهد المهمة في الأيام الماضية. أول هذه الشواهد نفي مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان أن “ما يحدث في غزة إبادة جماعية”، وبدء الاحتلال عملياته في رفح بدون ضغوط أمريكية وكأنها لم تبدأ بعد، بل وتزيين تصريحات أمريكية أخرى العمليات في رفح ومحاولة إظهار أنها في مناطق “شبه خالية من المدنيين”، وتحميل حماس مسؤولية عدم التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار رغم أن الأخيرة وافقت على العرض الأخير المقدم لها من الوسطاء بضمانات أمريكية موعودة بينما رفضه نتنياهو، فضلا عن أن سقف قيادات المعارضة “الإسرائيلية” المدعومة أمريكيا لا تختلف كثيرا عن سقف نتنياهو، ما يجعل الخلاف بينهما تنافسا على السلطة لا خلافا في البرامج.

في هذا الإطار الناظم للفهم والتحليل تنبغي مقاربة المتغير الأهم في الموقف الأمريكي وهو إنشاء الرصيف البحري في غزة والإعلان عن بدء دخول المساعدات بواسطته لأهل القطاع، حيث يخدم ذلك بشكل مباشر موقف الولايات المتحدة دعائيا واستعراضيا بإظهارها حريصة على إغاثة المدنيين وتجنبيهم تداعيات الحرب، رغم أنها لم تبذل جهدا كافيا -تستطيعه- لوقفها. الأهم أن الرصيف المحمي من القوات الأمريكية سيشكل لاحقا وربما دائما موطئ قدم عسكريا للولايات المتحدة في غزة، بما سيمنحها أوراق قوة إضافية للمساهمة في تشكيل البنية السياسية والأمنية في القطاع بعد وقف العمليات العسكرية وعلى المدى البعيد، وهو الهدف الأكبر لها في غزة كما سلف تفصيله.

في الخلاصة، وإن اختلفت الإدارة الأمريكية الحالية مع نتنياهو حول بعض التفاصيل المتعلقة بالعدوان أو ما بعده، إلا أنها خلافات هامشية لا تمس جوهر الحرب وأهدافها الرئيسة؛ من “تحرير الرهائن” والقضاء على المقاومة ومنع استمرار “التهديدات” للاحتلال من القطاع.

الأهم من ذلك أن إدارة بايدن تتصرف وكأنها “أم الولد” الأعرف بمصلحته والأحرص عليها منه، بحيث تضغط على الاحتلال فقط في تفاصيل يفترض أن تساهم في “ترشيد” العمليات العسكرية؛ بما يخدم أهدافها ويديم مسوغاتها أمريكيا ودوليا ويستثمر نتائجها فيما يراد من مسارات سياسية وأمنية في فلسطين والمنطقة. ولعل الدور الذي تلعبه المعارضة “الإسرائيلية” -المحسوبة على واشنطن- حتى اللحظة يشير إلى أن الأخيرة لم تصل بعد إلى مرحلة مواجهة مع نتنياهو، وإنما هي أدوات للضغط ليقبل بالطروحات الأمريكية في التفاصيل المشار لها، فإن قبل استمر الدعم كاملا غير منقوص، وإن رفض ووصل الأمر للمواجهة فعلى قاعدة إيصال طرف آخر يكمل الحرب ويحقق أهدافها.

بهذا المعنى، فواشنطن ليست ضد الحرب ولا تسعى لوقفها، وإنما ما زالت ضمن الأطراف الأساسية المشاركة بها، وهي بذلك ليست ضد نتنياهو فضلا عن أن تكون في مواجهة دولة الاحتلال.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق