عصر التفاهة.. وعصر سرقة تضحيات الشعوب
د.أحمد موفق زيدان
كنت ذات مرة في جولة عمل مع بعض الزملاء والزميلات، فأشارت إحدى الزميلات لكتاب نظام التفاهة لمؤلفه ألان دونو الصادر حديثا حينها، وشددت عليّ بقراءته، فقلت لها ولماذا أقرأه، ونحن نعاصره ونعيش رجالاته، ونراه على الهواء الطلق، وعلى مدار أربع وعشرين ساعة؟ إنه عصر التفاهة الذي يتحدث عنه، ونعيشه نحن على مدار الأسبوع والشهر والعام.
تذكرت هذا وبعض الطلبة يسألونني كيف تُسرق الثورات، فأجبتهم دون تردد: لم تعد هناك حاجة لقراءة تاريخ وتعرجات وكتابات تتحدث عن سرقة الثورات العربية والإسلامية، الوطنية والقومية منها، فنحن نعيش عصر سرقة الثورات اليوم على مدار الساعة، فانظروا إلى الثورة السورية التي قدمت أكثر من مليون شهيد و14 مليون مهجر ومليوني جريح ومعتقل، ومع هذا يحرص بعض من يسمون بأهل هذه الثورة على سحقها، علموا أم جهلوا، لا لشيء وإنما لتصفية حسابات فردية وشخصية، وساحته الشمال السوري المحرر إن كان في إدلب العز، أو في المناطق الخاضعة للسيطرة التركية.
في مقابل هذا نرى توحد أهلنا في السويداء المنتفضين حديثا بوجه النظام المجرم، يوازيه تشتت بالشمال السوري المحرر، وتشتيت المشتت، وتمزيق الممزق، بحيث سيكون من الصعب غدا لو أردنا اختيار قيادة ناطقة باسم الشمال المحرر أن يتم الاتفاق على بضع شخصيات قادرة على فرض رأيها وتصوراتها على البقية الباقية، لكان ذلك في حكم المستحيل، كل ذلك خدمة لأعداء الثورة السورية، وتضييعا لدماء الشهداء وعذابات المشردين، وأنّات المعتقلين والمعتقلات في سجون النظام السوري المجرم.
ترى أحدهم يتظاهر ويتظاهر، والنظام المجرم المدعوم من القوى المحتلة الروسية والإيرانية ومليشيات طائفية متعددة الجنسيات وعابرة للحدود تقبع على كيلومترات معدودة منه، فتهدد بقاءه وبقاء الجميع، ولكنه يؤثر مع هذا كله خرق السفينة، وخرق المحرر، تماما كمن تقاتل على جلد الدب قبل اصطياده. ويحدثونك عن قتال المجاهدين الأفغان لبعضهم، بينما هؤلاء تقاتلوا بعد أن أخرجوا الدب الروسي من أرضهم، فتقاتلوا على جلده. وإن كان القتال غير مبرر بكل تأكيد، ولكن على الأقل أفضل من السوريين الذين تقاتلوا ويتقاتلون بين بعضهم، ويسقطون بعضهم ويخونون بعضهم وهم لم يحصلوا على الاستقلال فضلا عن طرد المحتلين وعصاباتهم الطائفية من أرضهم.
إن العقلية العربية والسنية تحديدا تكتنفها الكثير من الإشكاليات الحقيقية الداعية إلى الوحدة والجسد الواحد، ولعل الآيات والأحاديث النبوية التي حضت كثيرا على هذا الأمر استبطنت منذ البداية تلك الشخصية العربية المتمردة، وهي الشخصية التي شبهها بعض علماء الاجتماع الغربيين بحبات الرمال، قوية بنفسها وبذاتها، وضعيفة بغيرها،
بحيث لا يمكن أن تتماسك مع بعضها، بخلاف الشخصية الغربية التي شبهها كحبات التراب، والتي تتسم بأنها ضعيفة بذاتها قوية بغيرها، فقادرة بذلك على التماسك فيما بينها، فتكون صلصالا بوجه أعدائها وخصومها.
ما لم تقف النخب السورية لحظة تأمل حقيقي، بعيد عن التخوين وبعيد عن المصالح الشخصية الآنية الفردية، فإن السنة في سوريا والثورة السورية كلها ستدفع ثمنا باهظا، حينها لن يكون هناك أحد بحاجة إلى أن يكتب كيف سُحقت الثورة السورية، وكيف هُزمت المقاومة السورية، بعد أن تولّى أبناؤها سحقها، تشاركهم في ذلك نخبهم الذين تعاظمت عندها الآنا؛ ولو كان ذلك على مذبح المصالح الشعبية ومصالح الشهداء والمشردين والمعتقلين ومن بعد الشعب السوري الطامح إلى الحرية والاستقلال.
لحظة تأمل حقيقية مطلوبة من كل سوري، وتحديدا من كل سني ما دام هو المعني بالقصة، كون الأطراف الأخرى لا تنسحب عليها ما ينسحب عليه، وهو أن على النخب أن تتقي الله فيما تكتبه وما تعرضه وما تحرّض عليه، وينبغي عليها أن تضع مصالح الأمة فوق كل شيء، وأن تستعصم بوحدتها، وتغليب المصالح الكبرى على المصالح الفصائلية والفردانية المفرطة لدى البعض.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق